دخول صندوق النقد إلى لبنان سيشعل "حرباً" اجتماعية

عزة الحاج حسن

الثلاثاء 2020/02/18
يصل خلال الأسبوع الحالي وفد تقني من صندوق النقد الدولي، لمد يد العون لحكومة لم تستعن حتى اللحظة بالمؤسسة الدولية وفق الأصول. كما لم تحدد الملفات التي ستوضع على طاولة خبراء الصندوق فور وصولهم. ما يشير إلى نية مبيّتة لتمرير بعض القرارات المرتبطة بسداد استحقاق اليوروبوندز، وإجراءات أخرى تحت غطاء "مشورة صندوق النقد".

وإذا كانت الاستشارة لم تراعِ بها الحكومة الأصول المتبعة بين الدول في طلب الإستشارات من صندوق النقد الدولي، فما الذي يمنعها من طلب المساعدة المالية تمهيداً لوضع برنامج إنقاذي من الصندوق. وفيما لو تجرأت الحكومة على الاستعانة بصندوق النقد لوضع برنامج إنقاذي، فما الذي يمكن ان يتضمنه البرنامج؟ وهل باستطاعة بلد متأزم كلبنان تطبيق إجراءات الصندوق القاسية؟

بين الاستشارة والبرنامج
لا بد من التمييز بين الاستعانة باستشارة لصندوق النقد الدولي والاستعانة ببرنامج إنقاذي. فالأولى، غير مُلزمة ولا ترتّب أي أعباء على البلد طالب الإستشارة. أما في الثانية، فعلى البلد المستعين بصندوق النقد أن يتحمّل برنامج إنقاذي يضع سد العجز وخفض الدين العام هدفاً أوحدَ له، من دون إيلاء أي اعتبار لما يمكن أن تخلّفه إجراءاته الإنقاذية من دمار اجتماعي واقتصادي في البلد.

البرنامج يتجاوز الاستشارة وطرح الحلول، وهو يُعد تدخلاً مباشراً وواضحاً، ينطلق من نظرية مراقبة آلية الإنفاق العام وتعزيز إيرادات الدولة مهما كلّف الأمر. ولا بد من الإشارة إلى أن برنامج صندوق النقد الدولي هو برنامج موحّد (standard)، وليس برنامجاً مفصّلاً على قياس كل بلد على حدة. ولا يتم تفصيله بما يتناسب واقتصاد بلد معيّن. بمعنى أن برنامج صندوق النقد الدولي أو IMF طـُبّق ويُطبق على كل دولة تعجز عن حل أزمتها وتلجأ إليه. وهنا تكمن المخاطر لاسيما أن للبنان خصوصية تميّزه عن سواه من الدول العاجزة، لجهة تركيبة اقتصاده المدولر والاستهلاكي بالكامل غير المنتِج.

تحرير العملة
عندما يتدخل صندوق النقد ببرنامج إنقاذي يعتمد سلة من الإجراءات تبدأ غالباً من تحرير العملة أمام الدولار، وفق ما تقول الباحثة في الشأن الاقتصادي والمالي، والأستاذة الجامعية ليال منصور إشراقية في حديث إلى "المدن". بمعنى، إفساح المجال أمام الليرة للتعبيرعن قدرتها من دون أي تدخل من المصرف المركزي، ما من شأنه أن يرفع سعر الدولار أضعاف ما هو عليه اليوم أمام الليرة، وقد يصل إلى نحو 4500 و5000 ليرة للدولار الواحد.

والدول التي تعاني من أزمات مالية ونقدية وتلجأ للاستعانة بصندوق النقد الدولي غالباً ما تكون عملتها مثبتة أمام الدولار. علماً أن تثبيت العملة هو أمر مكلف جداً. والدول التي تثبت عملتها يجب أن تحافظ على مصادر للعملة الصعبة، كالسياحة والاستثمار الأجنبي إضافة إلى الفائض في الميزان التجاري، من خلال رفع مستوى التصدير مقابل الاستيراد. وهو ما ليس متوفراً في لبنان. وسبق لـ"المدن" أن تطرقت إلى مخاطر تحرير سعر صرف الليرة تحت عنوان "مخاطر تحرير سعر الليرة توازي كارثة حرب إسرائيلية".

رفع الدعم
إجراء آخر يعتمده برنامج صندوق النقد الدولي الإنقاذي، يرتبط بإلغاء كافة أشكال الدعم. وقد ذكرت تقارير سابقة للصندوق، أن إلغاء دعم الكهرباء في لبنان "سيحقق أكبر الوفورات المحتملة". وسيشمل ذلك رفع سعر التعرفة، وبالتالي زيادة الرسوم على فواتير الكهرباء. وذلك بهدف سد العجز المالي لشركة كهرباء لبنان في وقت قياسي، وإن على حساب جيوب المواطنين.

وتنتقد إشراقية إجراء رفع الدعم الذي تؤمنه الدولة لبعض المواد الأساسية: "فالدول الفقيرة ومنها لبنان تدعم بعض الأساسيات المعيشية لمساعدة الفقراء، منها في القطاع التعليمي والطاقة والقمح وغيرها". ولأن مبدأ الدعم مرفوض كلياً من قبل صندوق النقد، فإن هذا الإجراء سيزيد الفقر، لاسيما أن رفع الدعم سيُستتبع برفع الأسعار، خصوصاً في قطاع المحروقات.

زيادة الضرائب
وبهدف زيادة الإيرادات يلجأ برنامج صندوق النقد إلى رفع عدد من الضرائب بشكل كبير، وليس تدريجياً، من بينها الضريبة على القيمة المضافة، التي توقعت إشراقية أن ترتفع الى نسبة 20 في المئة فيما لو تمت الاستعانة ببرنامج إنقاذي لصندوق النقد، إضافة إلى رفع الضريبة على المحروقات. والمطلوب حين نطبق برنامجاً للإنقاذ أن يكون البديل مؤمّن، وفق إشراقية، فزيادة أسعار البنزين على سبيل المثال من دون تأمين بدائل، لجهة وسائل النقل والعديد من الخدمات والأمور الحياتية المرتبطة بالمحروقات، فيه إجحاف بحق المواطنين. ومن المؤكد أن يُنزل هكذا إجراء الملايين إلى الشارع فيما لو حصل في فرنسا مثلاً.

ومن المرجّح أن يعتمد صندوق النقد العديد من الإجراءات الأخرى لسد العجز المالي للبنان، والعودة بالدين العام إلى مستويات قابلة للإستدامة، منها إصلاح رواتب القطاع العام ومعاشات التقاعد ومكافحة التهرب الضريبي وغيرها.

من إيجابيات البرنامج
وعلى الرغم من سوداوية المشهد الذي يرسمه تطبيق برنامج صندوق النقد، غير أنه لا بد من التطرق الى إيجابياته، التي تتركز بإلزام الدولة سداد استحقاقاتها وديونها، من خلال تطبيق صارم وقوي وجدي للبرنامج الإنقاذي. وترى إشراقية أن البرنامج يصب دائماً في صالح مالية الدولة، من دون إيلاء مصالح المواطنين أي اعتبار. فبرنامج الصندوق يأتي على حساب معيشة المواطنين واحتياجاتهم اليومية. وليس من بلد دخله صندوق النقد إلا وتم القضاء على طبقته الوسطى، وزادت فيه مستويات الفقر كدولة مالاوي الأفريقية والأرجنتين.

الضربة القاضية
اللجوء إلى برنامج صندوق النقد سيكون ضربة قاضية للبنان. هكذا عبّرت إشراقية عن مصير لبنان في حال استعان ببرنامج إنقاذي لصندوق النقد الدولي. إذ بإمكانه الاقتداء بدول لم تلجأ إلى الصندوق، واعتمدت خططاً وطنية للإنقاذ ونجحت، كإندونيسيا وماليزيا والصين.

باختصار، إن لبنان بلد غير مهيأ لتحمل برنامج صندوق النقد الدولي. بمعنى أنه يفتقر إلى الحد الأدنى من أساسيات الحياة، كالطبابة والتعليم والمواصلات والطاقة وغيرها. ووفق إشراقية، فإن دخول صندوق النقد ببرنامج إنقاذي الى لبنان سيُشعل حرباً اجتماعية، قد تؤدي إلى حرب فعلية لكن من دون سلاحز وعلى لبنان الاعتراف بالعجز عن سداد ديونه واللجوء الى إعادة هيكلة الدين وجدولة استحقاقات اليوروبوندز، ووضع برنامج لزيادة الإيرادات، بما يتيح إعادة توزيع الثروة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024