ما علاقة قضية مكتف برفض الصرّافين المئة الدولار القديمة؟

عزة الحاج حسن

الأربعاء 2021/12/08
ليس الحديث عن رفض التجار والصرافين التعامل بـ"الدولار الأبيض"، أو ما يعرف بالدولار القديم، مجرد شائعات. بل هو أمر واقع يُفرض اليوم على اللبنانيين أمام أعين البنك المركزي، وصمت لجنة الرقابة على المصارف، ونقابة الصرافين، ومع تواطؤ المصارف.. تماماً كما فُرض عليهم اقتطاع أكثر من 85 في المئة من أموالهم، وفق بدعة اللولار أو الدولار المصرفي. لكن هل من معطيات علمية أو قانونية تمنع التعامل بالدولار القديم؟ وهل الصراف اللبناني أو المصرف أو حتى البنك المركزي أو حاكمه رياض سلامة، أو كائناً من يكون، يمكنه حجب التعامل بعملة أجنبية يتم التعامل بها في بلدها الأم الصادرة عنه؟

هنا لا بد من التصويب بأن الحديث عن الدولار القديم لا يعني بالضرورة الورقة الرثة أو المهترئة، لا بل عن الورقة ذات الطبعة القديمة، أي أنها تعود لسنوات ما قبل العام 2013، وهو التاريخ الذي عمدت فيه السلطات الأميركية إلى طباعة نسخة ورقية جديدة بمواصفات تقنية أكثر أماناً لمنع التزوير، عُرفت لاحقاً بالدولار الأزرق مع الابقاء على تعاملها كما كافة دول العالم بالنسخة القديمة.

الصرافون يبتزون الناس
يتهرب الصرافون اليوم بغالبيتهم الساحقة من قبول ورقة المئة دولار القديمة (الدولار الأبيض) ويضعون الزبون أمام خيار آخر، هو قبول العملة بشرط اقتطاع نسبة منها كعمولة تتراوح بين 7 و10 دولارات. الأمر الذي انسحب على التجار، الذين بدورهم باتوا يرفضون المئة دولار القديمة.

وفي جولة أجرتها "المدن" على عدد من الصرّافين، غالبيتهم في منطقة الحمرا في بيروت، تحققت خلالها من رفضهم المئة دولار، والاشتراط على الزبون اقتطاع عمولة 10 دولارات، غير أن بعضهم ادعى أن ثمة تعميماً داخلياً يفرض عليهم وقف التعامل بفئة المئة دولار، في محاولة منهم لإقناع الزبائن بصحة هذه الممارسات .

تلك الممارسات أشاعت القلق بين المواطنين، لاسيما منهم الذي يدخرون الدولارات. فمنهم من سارع إلى استبدال دولاراته مع الاستسلام للعمولة المفروضة من الصرافين، ومنهم من بادر إلى صرف المئة الدولار بالليرة لبنانية، خوفاً من ارتفاع نسبة العمولة عليها في المرحلة المقبلة.

كل طبعات الدولار قانونية
نجح الصرافون في إشاعة القلق بين مدخري الدولارات، على الرغم من أن ممارساتهم لا أساس قانونياً لها. فالمئة دولار صالحة قانونياً للتداول بغض النظر عن تاريخ إصدارها، وهو ما شددت عليه سفارة الولايات المتحدة الأميركية عبر حسابها على "تويتر"، حين ذكّرت بان كل تصاميم الاحتياطي الفدرالي الورقية هي عملة قانونية أو صالحة قانونياً للمدفوعات، بغض النظر عن تاريخ إصدارها. هذه السياسة تشمل كل الفئات الورقية للاحتياطي الفدرالي من العام 1914 إلى اليوم.

أما مصرف لبنان، وعلى الرغم من تحققه من قيام بعض المصارف ومؤسسات الصرافة باستيفاء عمولات مقابل عمليات تبديل أوراق نقدية من الدولار الأميركي، لاعتبارها قديمة الإصدار أو غير صالحة للتداول.. فقد اكتفى  بالقول بأن مواصفات الأوراق النقدية من الدولار الأميركي القابلة للتداول تحدد من قبل Bureau of Engraving and Printing وهي هيئة تابعة لوزارة الخزانة الأميركية، وأن مصرف لبنان يحدد فقط مواصفات العملة اللبنانية القابلة للتداول. ساحباً بذلك يده من مسؤولية الوصاية على المصارف ولجم ممارساتها، كما لجنة الرقابة على المصارف، التي لم تعتبر نفسها معنية بأي من مخالفات المصارف وتطاولها على أموال الناس.

غيبوبة نقابة الصرافين
وليست نقابة الصرافين بأفضل حال من المصارف. فالصرافون الممتنعون عن قبول المئة دولار القديمة يتذرعون بوجود تعميم داخلي عليهم من قبل النقابة، يجيز لهم ذلك. هذا الادعاء استنفر نقيب الصرافين، انطوان مارون، الذي رفض في حديث إلى "المدن" رفضاً قاطعاً وجود أي تعميم أو تعليمات بوقف التعامل بالمئة دولار، مؤكداً عدم قانونية تلك الممارسات، وأن المئة دولار القديمة نسخة قانونية ونظامية لا تشوبها أي شائبة، متهماً الصرافين غير المرخصين بارتكاب تلك الممارسات واقتطاع عمولات على المئة دولار القديمة.

وعند مواجهته بأسماء بعض الصرافين المرخصين، ومنهم مصنفون من الفئة "أ" يمتنعون عن صرف المئة دولار من دون عمولة 10 في المئة، اعترف بعجز النقابة عن ضبط هؤلاء. ثم برر بشكل غير مباشر تقاضي البعض عمولات، حين ربط الأمر بتوقف شركة مكتّف عن شحن الأموال(!) قائلاً إن شركة مكتف متوقفة عن العمل. وبالتالي، الأوراق من فئة المئة دولار الممزقة أو المهترئة أو المصفرّة، لم يعد بإمكان الصرافين شحنها إلى الخارج كما جرت العادة مع مكتف، الذي كان يشحنها ويتقاضى عليها عمولة. فاليوم، حسب نقيب الصرافين، تحول الشحن إلى الخليج. والتكلفة والعمولات مرتفعتان. وسرعان ما يناقض النقيب نفسه، بالقول إن ممارسات الصرافين غير مقبولة، والمئة دولار صحيحة، ولا يجب أن تخضع لأي عمولات.

دور مكتف
وإذا ما اعتبرنا أن عرقلة عمليات شحن الأموال اليوم تبرر ممارسات المصارف والصرافين، وتدفعهم إلى تحصيل عمولات إضافية من المواطنين، فتلك الذريعة تنسفها حقيقة أن العمولات التي كانت تتقاضاها شركة مكتف للشحن المالي لا تزيد عن 1.5 في الألف، فيما المصارف والصرافون يتقاضون اليوم عمولة تتراوح بين 7 و 10 في المئة. وهي نسبة عالية جداً.

لا شك ان محاولة الصرافين والمصارف إشاعة القلق، نجحت في تحقيق مكاسب لهم من شراء الدولارات بأدنى من قيمتها الحقيقية، على الرغم من حقيقة أن قيمة الدولار وطبعته لا يمكن أن تختلف بين بلد وآخر أو بين طبعة وأخرى، مهما كانت سنة إصدارها. لكن الأزمة المستجدة لا يمكن فصلها عن قضية شركة مكتف، التي فتحت منذ أشهر ولم يتم البت بها حتى اللحظة.

فالقضية التي فتحتها القاضية غادة عون منذ قرابة السبعة أشهر، واتهمت فيها صاحب كبرى شركات شحن الأموال، ميشال مكتف، بالضلوع في عمليات تبييض الأموال، وختمت في سياقها شركة مكتف بالشمع الأحمر، لم تغلق حتى اللحظة ولم يبت بها القضاء. والجدير بالذكر أنه لم يصدر أي حكم بمنع الشركة من متابعة عمليات الشحن الى الخارج. وهو ما استمرت به الشركة، وفق تأكيد مكتف في حديث إلى "المدن"، وسط مواجهة عقبات وصعوبات دفعته إلى التوقف عن الشحن كلياً منذ قرابة الشهر فقط.

قرار مكتف بالتوقف عن الشحن اتخذه فردياً، من دون أي حكم قضائي، ما يؤكد اتخاذه للقرار كورقة ضغط على السلطات الرسمية في لبنان، للدفع بها في اتجاه حسم القضية. فمكتّف حين اتخذ قراره بتعليق عمليات الشحن، كان على يقين بأن أزمة عملة ورقية ستقع حتماً، بسبب وقف الشحن. ولم ينف مكتف علمه بذلك. فكل ما يعنيه هو تحريك قضيته التي لم تتقدم على الإطلاق منذ أشهر. ويسأل مكتف "كيف يمكن تعطيل عمل مؤسسة يعود تاريخها لأكثر من 75 عاماً من الخبرة والثقة والتعامل مع السوق من دون أي تبرير؟". ويقول إن الجميع كان يعلم بأن مشكلة جديدة ستقع. فتوقف عمليات الشحن ليست بالأمر العابر، هناك تعقيدات تقنية كالتأمينات والنقل والمسؤولية وقدرة رأسمال وغير ذلك، لا يمكن للمصرف أو الصراف أو التاجر تحملها. والأزمة اليوم، أي رفض الدولار الأبيض، قد تكون غير مبرّرة في وضع طبيعي، لكنها اليوم مبرّرة في ظل الصعوبات التي تواجه المصارف والصرافين لتصريف الدولارات وشحنها إلى الخارج.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024