الكابيتال كونترول آتٍ: صفعة للمصارف أم مناورة فاشلة؟

خضر حسان

الخميس 2021/04/29
شغل قانون الكابيتال كونترول حيّزاً كبيراً من النقاش شبه اليومي بين المصرفيين والسياسيين وخبراء الاقتصاد، لما له من أهمية على مستوى ضبط تحويل الدولار إلى الخارج وتنظيم عملية السحوبات. والأهم، وضع حد لاستنسابية المصارف في موضوع التحويل والسحب، كما أنه يعزز ثقة الخارج بنيّة لبنان الإلتزام بالخطوات العملية لاستيعاب الأزمة وحلّها. لكن بعد نحو عامين من التدهور، هل ما زال للكابيتال كونترول فائدة؟

تهدئة الوضع
خَرَجَ، يوم الأربعاء 28 نيسان، مشروع قانون الكابيتال كونترول من رحم لجنة فرعية مصغّرة منبثقة عن لجنة المال والموازنة. توافقت عليه وبات في جهوزية لعرضه على اللجنة بكامل أعضائها، قبل أن يسلك طريقه نحو الإقرار.

وبوصوله لاحقاً إلى الخواتيم القانونية، يصبح لزاماً على المصارف الالتزام بحظر التحاويل إلى خارج لبنان من الحسابات المصرفية، بجميع أنواعها، بما فيها تلك العائدة لعملاء المصارف العاملة في لبنان، وللمصارف نفسها وللمؤسسات المالية كافة. ويشمل هذا الحظر حسابات الودائع الائتمانية الموظفة في لبنان. وبموجب مشروع القانون، يحدد سقف السحوبات للمودعين بمبلغ 20 مليون ليرة لبنانية شهرياً من مجمل حسابات المودع في المصرف.
ومن المنتظر، حسب مصادر مالية متابعة للملف، أن يساهم إقرار القانون في "تهدئة الوضع وتوفير التحويلات الدولارية للقيام بعمليات التمويل اللازمة في الخارج، من دون الخضوع لاستنسابية المصارف".
ومن ناحية ثانية، ترى المصادر في حديث لـ"المدن"، أن القانون يشكّل انعطافة إيجابية باتجاه إعادة ثقة الخارج بلبنان، إذ أن "إقراره كان ولا يزال مطلباً لصندوق النقد الدولي، وجزءاً من المبادرة الفرنسية. فضلاً عن مساهمته في إعادة دور المصارف إلى سياقه الطبيعي. وهو أمر مطلوب لأنه من المستحيل بناء اقتصاد سليم من دون القطاع المصرفي. وكذلك، يحسم القانون الجدل في النزاعات القائمة بين المصارف وعملائها، على عكس الواقع المعاش اليوم، حيث تستنسب المصارف شروط التحويل وهوية المستفيدين منه".

بين المنصة والسوق السوداء
يستثني مشروع القانون الأموال الجديدة أو الطازجة Fresh money التي حولت من حسابات مصرفيّة خارج لبنان إلى حسابات عائدة لعملاء المصارف، أو تلك التي أودعت أوراقاً نقدية Banknotes في هذه الحسابات، في حال تمت وفقاً لمفهوم وشروط "الأموال الجديدة" كما هي محددة في قرارات مصرف لبنان. فضلاً عن استثناء أموال المؤسسات الماليّة الدوليّة والسفارات الأجنبية والمنظمات الدوليّة والإقليميّة والعربية، وفقاً لنصوص المعاهدات والاتفاقات الدولية التي يكون لبنان فيها. وتستثنى من حظر تحويل بعض الأموال المودعة والتي هي ليست من الأموال الجديدة، تلك المخصصة لتسديد نفقات التعليم، وإيفاء أقساط القروض الشخصية السكنية الناشئة في الخارج، وتسديد ضرائب أو رسوم أو التزامات مالية متوجبة لسلطات رسمية أجنبية، وتسديد نفقات في الخارج عائدة لاشتراكات وتطبيقات على الانترنت.

وخارج الاستثناءات المحددة، تخضع عملية تحويل السحوبات من دولار إلى ليرة، لـ"معادلة خاصة تأخذ في الاعتبار أسعار السوق الرائجة التي تكون حددتها المنصة الواجب أنشاؤها". أي أن المنصة ممر إلزامي لتحديد قيمة السحوبات التي لن تتجاوز 20 مليون دولار شهرياً. وتشكيل المنصة يخضع حالياً للغموض، لناحية توقيتها وفعاليتها. خصوصاً وأن سعر صرف الدولار في السوق السوداء يمتلك الكلمة الأقوى، وليس سعر المنصة. وهذا ما التمسه السوق منذ اقرار المنصة المخصصة للصرافين والمصارف والتي اعتمدت سعر 3900 ليرة. فالدولار لم يتوفر بهذا السعر، وفشلت المنصة القديمة. ومن غير المستبعد أن يرفع سعر السوق السوداء الضغط في وجه مصرف لبنان، فلا يعود السعر المحدد في المنصة المفترض إطلاقها، ملائماً. ويصبح سعرها موازٍ بقيمته الفعلية لسعر 3900 ليرة المعمول به. فأسعار السلع تُحدَّد وفق سعر السوق السوداء، وآلية الدعم غير فعالة وفي طريقها للإلغاء، الأمر الذي يجعل السوق السوداء أكثر قوة.

وعليه، لا يفيد مشروع قانون الكابيتال كونترول، بشكل ملموس، سوى المستفيدين من تحويل الدولارات إلى الخارج، إلا في حال ترافق القانون مع ضخ دولارات في السوق لتلبية الطلب المتزايد، وهو أمر غير وارد.

المصارف تعترض
تواجه المصارف مشروع القانون بالاعتراض، وتشن حملة مبطنة ضده، لما له من قدرة على كف يدها المطلقة عن التحكم بأموال المودعين. فحسب المشروع، يمكن لأي مودع التظلّم لدى مصرف لبنان عبر وحدة خاصة تنشأ لمواكبة القانون. فإذا كان قرار الوحدة لصالح المودع، على المصرف تنفيذ قرارها، وإلا سيتم تمويل حاجة المودع من حسابات المصرف المعني المتوفرة إلزامياً في حساباته بالعملة الصعبة لدى المصارف المراسلة في الخارج. على أن يقوم المصرف بإعادة تسديد المبلغ المحول للمصرف المركزي، مضاف إليه غرامة يحددها المجلس المركزي، وذلك بالعملة الصعبة من حساباته لدى المراسلين خلال مهلة أسبوعين.

وتشير المصادر إلى أن "مصرف لبنان جاد في تنفيذه القانون حين يُقَر، إذ أنه المايسترو الذي يدير اللعبة، والحاكم رياض سلامة لم يعد يمتلك مساحة للمناورة. وحين يصدر القانون يصبح المركزي مجبراً على تنفيذه، فما يصلِح الوضع هو السلطة والقوة". وتبرز قوة القانون من خلال ذهابه بعيداً في الاقتصاص من المصارف المخالفة، بدءاً بما ينص عليه قانون النقد والتسليف، وصولاً إلى اعتبار المصرف واقعاً بحالة التوقف عن الإيفاء والدفع. وهذا يستوجب إجراءات قانونية قد تصل إلى حد شطب المصرف من القطاع.

لكن المصارف لن تقف مكتوفة الأيدي، إذ تملك سلاح تأجيج السوق السوداء بالتوافق مع الصرّافين، ومن غير المستبعد تحريكها للسوق ورفع سعر الصرف لإحداث تشويش على سعر المنصة الجديدة، الذي سيكون مرتفعاً عما هو معمول به اليوم.

تفاؤل حذر
هناك بعض التفاؤل الحذر. فقد يكون القانون أحد المعابر الإلزامية لفرملة الانهيار وليس انتشال لبنان من أزمته، فالخروج يحتاج لسنوات. وتأمل المصادر أن يؤدي تخفيف الضغط على المودعين والتجار ممن يحتاجون الدولار لتحويله إلى الخارج، إلى انفراج على مستوى الداخل، فتتحقق الغاية من القانون، وتنتفي الحاجة إليه ويصار إلى إلغائه بعد سنة، كما هو مقرر. وفي حال العكس، سيجري تمديد المهلة. وهذا مرهون بمضمون التقرير الذي سيقدمه الحاكم ووزير المالية، كل ستة أشهر.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024