شركات التأمين كالسلطة المجرمة: لا تعويض لضحايا انفجار بيروت

عزة الحاج حسن

الجمعة 2021/02/19
لم يُطو ملف انفجار مرفأ بيروت حتى اليوم، لا قضائياً ولا مادياً. فبعد نحو 6 أشهر و15 يوماً لم تسلك التحقيقات بجريمة انفجار مرفأ بيروت طريقها السليم. كما لم تصل إلى نتائج رسمية واضحة. وليس ما خلّفه الانفجار من آلاف الضحايا والجرحى والمتضررين أشد ظلماً من السلطات السياسية والقضائية، التي تتعمّد هدر الوقت وتضليل العدالة، وتتجاهل في الوقت عينه الظلم الذي يتعرض له المتضررين، جراء حرمانهم من أي تعويضات مالية، وتقف موقف المتفرج أمام تقاعس شركات التأمين عن القيام بواجباتها.

ولم تخف شركات التأمين موقفها الرافض سداد التعويضات لمتضرري الانفجار بذريعة انتظار صدور نتائج التحقيقات الرسمية، في حين أن عدم صدور تقرير رسمي يوضح المسبب الحقيقي للانفجار، هو أمر وارد جداً في بلد يتقاسم مجرموه مراكز السلطة ويتحاصص سارقوه ثرواته.

تعويضات بالـ"لولار"
تقدّر قيمة الأضرار الإجمالية الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت بنحو 1659 مليار ليرة، أي ما يقارب مليار و100 مليون دولار (وفق سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة للدولار) حسب تقديرات وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال، راوول نعمة. ولم يتجاوز ما سددته شركات التأمين حتى اللحظة 60 مليار ليرة. أي ما يقارب 3.6 في المئة فقط من مجمل قيمة الأضرار. فهل ستسدّد شركات التأمين قيمة الأضرار؟ وهل ستتم عملية التعويض بالدولار نقداً، على غرار تقاضي شركات التأمين من معيدي التأمين في الخارج fresh dollar، أو أن الدفع سيكون بالشيكات أم بالليرة اللبنانية؟

باشرت بعض شركات التأمين مؤخراً في سداد التعويضات المترتبة عليها لبعض فئات المتضرري من انفجار 4 آب. لكن وحسب مصدر مطلع، فإن التعويضات تطال فقط الأضرار اللاحقة بالسيارات والمقتنيات وبعض أضرار المنازل. بمعنى الأضرار غير المُكلفة. أما أضرار المؤسسات التجارية والمباني وغيرها من الأضرار البالغة والمُكلفة، فلم يتم تعويضها حتى اليوم، بانتظار صدور التقرير النهائي للتحقيقات، والذي يبيّن طبيعة الانفجار وسببه، وتحديد ما إذا كان ناتجاً عن عمل حربي أو إرهابي أو عمل مقصود، أو عن إهمال، طالما أن عقود التأمين تستثني أضرار الحروب وأعمال الإرهاب. ويُقدّر عدد المباني والمؤسسات التجارية المتضررة جراء الإنفجار قرابة 62 ألف وحدة سكنية، ونحو 20 ألف مؤسسة تجارية، حسب "المؤسسة الدوليّة للمعلومات".

وعلى الرغم من أن الغالبية الساحقة من عقود التأمين مُبرمة بالدولار الأميركي، إلا أن التعويضات تتم حالياً بالشيكات المصرفية المقوّمة بالدولار (أي الدولار المحلي أو ما يُعرف باللولار). ما يعني أنها فاقدة حكماً لنحو 70 في المئة من قيمتها، نظراً لحجر المصارف على الحسابات، وتحديد سعر صرف الدولار لديها بـ3900 ليرة، في حين أن سعر الصرف الحقيقي للدولار فاق 9300 دولار.

جانب من التعويضات المُقدّمة من مؤسسات دولية يتولى الجيش اللبناني توزيعها على المتضرّرين. وقد جرى توزيع الدفعة الأولى منها وقيمتها 100 مليار ليرة لبنانية، استفاد منها نحو 12400 متضرر. لكن التعويضات لا تزيد عن 20 مليون ليرة للمتضرر الواحد. ويبلغ جزء كبير منها قرابة 500 ألف ليرة. أما شركات التأمين، فتتمسّك بصدور تقرير رسمي عن مسببات الانفجار، للمباشرة بسداد التعويضات. لكن هل كافة شركات التأمين تملك الملاءة الكافية لدفع التعويضات على المتضرّرين، أم أنها تتذرّع بالتقرير الرسمي للتهرب من مسؤولياتها؟

تهرّب ومخاطر إفلاس
قلة من شركات التأمين بدأت سداد التعويضات لفئات من المتضرّرين، خصوصاً الذين لا تزيد تعويضاتهم عن 20 ألف دولار فقط، يقول مصدر في إحدى شركات التأمين في حديث إلى "المدن". أما باقي الشركات، فليس لديها القدرة على سداد التعويضات للمتضررين لضعف ملاءتها ومواجهتها خطر الإفلاس، لاسيما الشركات التي تواجه أزمة في تحويل الأموال إلى معيدي التأمين المتعاقدة معهم في الخارج، أو تلك التي لم تتمكّن منذ بداية العام من تجديد عقودها مع معيدي التأمين. وهذه الفئة من الشركات هي الأخطر على المؤمّنين والمتضررين من انفجار مرفأ بيروت.

تتزايد الشكوك بقدرة شركات التأمين على تغطية الأضرار الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت، خصوصاً أن عدداً غير قليل منها يعتمد سياسة تبادل المخاطر، يقول المصدر. أي أنها تتقاسم التغطية فيما بينها. لكنها -وعلى الرغم من ذلك- لا يمكنها مواجهة تعويضات بحجم الأضرار التي خلّفها انفجار مرفأ بيروت، ناهيك عن أن الغالبية الساحقة من شركات التأمين مملوكة من المصارف. وحالها كحال القطاع المصرفي.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024