الوزير حاول..الهوّة أعمق!

عصام الجردي

الخميس 2019/07/18

اصطدمت خطة وزير العمل كميل أبو سليمان بالجدار الفلسطيني من حيث لا يدري. الخطة التي أعلنها الوزير في مؤتمر صحافي بعنوان مكافحة العمالة الأجنبية غير الشرعية وحماية اليد العاملة اللبنانية، نحسب أسبابها الموجبة في البطالة اللبنانية المستفحلة. ولا توجد أرقام صحيحة في شأنها. كلام كثير له ما يسوغه بلسان مسؤولين معنيين عن بطالة بواقع 30 في المئة حداً أدنى. وتتجاوز هذه النسبة بين الفئات العمرية الشابة. خطة وزير العمل هدفت بالدرجة الأولى إلى الحدّ من مزاحمة اليد العاملة السورية اليد العاملة اللبنانية على نحو جائر في كل مرافق العمل والقطاعات، عدا المصارف والتأمين. ولا حاجة إلى دليل. فرص العمل للبنانيين باتت شحيحة. وأصحاب الأعمال خصوصاً في القطاع الصناعي والمتاجر الصغيرة العاملة بالتجزئة مسؤولون مباشرون عن هذا الواقع. يحرمون اللبناني من فرصة العمل، ويستخدمون آخر بشروط مجحفة أيضاً بلا إجازات أسبوعية وسنوية، ولا ضمان اجتماعي، وبساعات عمل تصل إلى اثنتي عَشرة.

منافع لإجازة العمل
العامل الفلسطيني له الحق بالعمل في لبنان. وضعه استثنائي طالما ولد في لبنان وله حق الإقامة الدائمة. ولا يمكن أن تسري عليه قوانين المعاملة بالمثل وبلاده تحت الاحتلال الصهيوني. وزير العمل لم يوضح هذه المسألة المهمة حين الإعلان عن الخطة. لكنه لم يلحظ حرمان الفلسطيني من العمل ولا السوري. طلب حصول الفلسطيني والسوري وغيرهما على إجازة عمل. وطلب إلى أصحاب العمل عدم تجاوز العمالة الأجنبية (كما يعرّفها القانون اللبناني) نسبة واحد في مقابل ثلاثة عمال لبنانيين. وإجازة العمل للعامل الفلسطيني معفاة من الرسوم. وسط الجلبة المبالغ فيها التي أحدثتها خطة الوزير، ضاعت مسألة في غاية الأهمية. فإجازة العامل تتيح للفلسطيني الإنتساب إلى فرع تعويض نهاية الخدمة في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، والإفادة من تقديمات الفرع ومن فرع طوارئ العمل. الأمر الذي كان محظوراً قبل 2010 حين تقرر تعديل قانوني العمل وصندوق الضمان الاجتماعي. ولو أن التعديل لم يشمل فرع ضمان المرض والأمومة والتقديمات العائلية. هذا التعديل يفترض بالضرورة عمالة نظامية على العامل الفلسطيني. أقلها إجازة عمل، كي يتمكن صاحب العمل من تسجيله نظامياً ووفق القوانين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. إنما يفرض على صاحب العمل سداد اشتراكات للصندوق عن العامل لقاء إفادته، كما يفرض على المؤسسات اللبنانية. ويبدو أن إقفال مؤسسة يملكها فلسطيني في الكورة على ما قالت وزارة العمل لمخالفتها خطة الوزارة بعد شهر مهلة حددتها الوزارة، قد أثار موجة احتجاجات فلسطينية. فصاحب العمل الفلسطيني، على خطى الكثير من أصحاب الأعمال اللبنانيين، استخدم عمالاً فلسطينيين من دون إجازات عمل. وبالتالي تحلّل من التزاماته تجاههم في صندوق الضمان الاجتماعي. وهو بذلك يخالف قانون العمل اللبناني وقانون الصندوق حتى بعد تعديله منقوصاً لمصلحة العامل الفلسطيني. وهذا الأسلوب يستخدمه أصحاب أعمال لبنانيون أيضاً. ويحول دون حصول اللبناني على فرصة عمل. الأمر الذي خلق منافسة إغراقية من العمالة السورية على حساب اليد العاملة اللبنانية، أكبر بكثير من المنافسة الإغراقية للسلع الصناعية المستوردة على حساب المنتجات الصناعية اللبنانية. وهو ما يحتل حيزاً واسعاً من اهتمام الحكومة لفرض رسوم حمائية على سلع مستوردة تنتج مثيلاتها محلياً. ولا تشغل البطالة أي اهتمام. فالمشكلة ليست بالعامل الفلسطيني المقيم على الأراضي اللبنانية.

الحِرف الحرة
المشكلة الحقيقية في سوق العمل لا تقتصر على العمالة الموصوفة لقاء أجر وحسب. في الفنادق والمطاعم والصناعة وتجارة التجزئة. بل على المهن والحرف التي يزاولها العمال السوريون خصوصاً لحسابهم، والتي تكاد تُقفل في وجه اللبنانيين. كل الأعمال الداخلية المتصلة بقطاع البناء وأعمال الصيانة. كهرباء، سباكة، حدادة، نجارة، بلاط، كهرباء، دهان، تبريد وتدفئة وليس على وجه الحصر. إلى ذلك قطاع الميكانيك والنقل وحوانيت التزيين. وقد كتبنا عن هذا الموضوع. الحرف هذه تكاد تنقرض الآن. لأن بعضها موروث ومتاح للمهنيين سواءٌ من خريجي المعاهد الفنية، أو لمن يمارسونها بالإكتساب والخبرة الذين انقطعوا عن تحصيلهم العلمي والتقني. هناك شركات الآن توفر هذه الخِدمات الحرفية عبر اليد العاملة السورية والآسيوية ومرحب بها من متعهدي البناء وكبريات شركات التطوير العقاري.

القطاع الزراعي يكاد هو الآخر يخرج بالكامل من يد اللبنانيين. لم يعد مقتصراً على اليد العاملة السورية التقليدية. بل وعلى التجارة الداخلية من البضائع المهرّبة عبر الحدود اللبنانية. أو تلك التي تدخل مواربة عبر المنافذ الجمركية الشرعية. لا تملك الدوائر الرسمية أي معلومات عن الأثر الاقتصادي الفادح الناجم عن تفلت سوق العمل والتهريب الذي نجم عن الحرب السورية منذ 2011. ولا عن مقدار تسرب العملات الأجنبية إلى الخارج. ولنا أن نقدرها بأكثر من مليار دولار أميركي سنوياً حداً أدنى. والأمر جزء من نزيف ميزان المدفوعات الذي يشكل أخطر ظاهرة يواجهها لبنان في السنوات الأخيرة. لا يتقدم عليها سوءاً سوى نظام سياسي مفلس وثقة مفقودة.

أكبر من وزارة ووزير
سوق العمل في لبنان والبطالة قضية أكبر من وزارة عمل ووزير. ومن أي خطة في معزل عن وضع الاقتصاد الكلي والنمو المستدام. لا سبيل لخلق فرص العمل بلا نمو واستثمارات جديدة توفر معروضاً من فرص العمل يلاقي نحو 35 ألف طلب عليها سنوياً من خريجي الجامعات والمعاهد الفنية وممّن بلغوا سن العمل. أياماً ثلاثة استغرقتها مناقشة موازنة أقرت بالمواربة على الدستور تكراراً، لم يطرح نائب قضية البطالة وسوق العمل، ويسأل عن حصة النمو والاقتصاد فيها. نعلم أننا في غربة عن ذلك. النفقات الجارية في الموازنة لا تستبقي شيئاً للاستثمار. والقطاع الخاص لا يستثمر سوى بالتقطير ولا يقيم وزناً لليد العاملة اللبنانية. ما بقي من إنفاق الآن مجوفٌ من قيمته المضافة في الاقتصاد. والفوائد باتت عبئاً غير مسبوق على الخزانة والاستثمار. تقارير المصرف الدولي تفيد أن لبنان حقق 3.7 في المئة نمواً معدلاً وسطاً بين 1997 و2009. لكن فرص العمل نمت بواقع 1.1 في المئة فقط. وبين 2007 و2011 سجل النمو نحو 8 في المئة معدلاً وسطاً ولم تتغير معادلة فرص العمل. لماذا؟ لأن النمو لم يكن في قطاعات الاقتصاد الحقيقي المنتجة بالتوازي قيمة مضافة وفرص عمل. أي مشكلة النموذج نفسه الذي يستولد بطالة بنيوية وليست طارئة. الوزير حاول. الهوّة أعمق!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024