الحل أمامكم..لا تخطئوا

عصام الجردي

الإثنين 2019/09/02
على المجتمعين في قصر بعبدا اليوم الذين يمثلون سدنة النظام، تبني شعار واحد لا يعلوه شعار ولا يتقدم. ترميم الثقة بينكم وبين المواطن. هي جدارة معالجة الملف الاقتصادي والمالي والاجتماعي. وكل الملفات الأخرى الثقيلة التي ترزح على صدور اللبنانيين وتهدد البلد بالانهيار.

البداية بإعمال الدستور والقوانين وتنفيذ مندرجاتها بدقة وبالنصّ. المكان الملائم للاجتماع الإنقاذي هو مجلس الوزراء الذي لديه السلطة التنفيذية بموجب الدستور. ومجلس النواب يراقب يسائل ويحاسب. ويشرّع ما يراه ضرورة. هذا لايحول دون أن يبادر رئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور والبلاد بالقسم الى ما بادر اليه. أمّا وقد فعل، ودعا رئيسي السلطتين التشريعية والتنفيذية في غياب السلطة الثالثة القضائية، فلا عذر بعد لعدم صوغ رؤية اقتصادية واجتماعية شاملة للإنقاذ إلاّ في حالة واحدة. وهي إصرار المجتمعين أنفسهم الذين يديرون الدولة وشؤون الناس والعباد على التمسك بامتيازاتهم السياسية النفعية في القطاع العام، ووزارات الدولة ومؤسساتها واداراتها. ففي ظل هذه الامتيازات يقبع الفساد المالي والسرقات الموصوفة لحيازات الدولة وحقوق المواطن والخزانة والموازنة. إمتيازات السلطة والمال، الـ"أوليغارشيا" ومعها نظام الريوع الاقتصادي صنو النظام السياسي وحارسه الأمين.

رئيس مجلس النواب يقول أن اكثر من 50 قانوناً من دون تنفيذ. هل يحصل ذلك في دولة؟ مجلس النواب يسأل السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة. ويطرح الثقة بالوزير المعني بتطبيق القانون. ويحول السؤال استجوابًا ويطرح الثقة بالوزير وبالحكومة. 

نموذج يسدن نظامًا
كثيرون يعتقدون أن الخروج من نموذج الريوع الى نموذج الاقتصاد التنموي المستدام والركين، قضية سهلة. بينما الحقيقة أبعد من ذلك بكثير. فإحلال اقتصاد النمو المستدام والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، المستولد فرص العمل والقيمة المضافة، محلّ نموذج الريوع، يثبت كل يوم إنه ليس الخيار السهل. لأنه يفكك منظومة بنيوية اقتصادية - سياسية، ويفصل النظام السياسي عن نظام الريوع والتربح والزبائنية، الذي يحول دون الاصلاحات المالية، وتبني خطة اقتصادية لاستعادة نمو بواقع 5 الى 7 في المئة لسنوات خمس حدًا أدنى، نحن في حاجة ماسة اليه لخفض العجز، والبدء في تحقيق فائض في حساب الموازنة الأولي. لن يقبل المواطن مقولة "الاجراءات الموجعة" و"الاجراءات غير الشعبية" التي بدأنا نسمعها وكأنها تمهيد لسلسلة من الضرائب الأعباء، قبل أن يلمس اجراءات استباقية تبدأ في تنازل الـ"اوليغارشيا" عن امتيازاتها، والشروع في خطوات اصلاحية شفافة في القطاع العام والمالية العامة. وستكون هذه الخطوة الطريق السليمة لاستعادة ثقة المواطن بدولته ومؤسساته، وثقة المستثمر لتحريك الاقتصاد في بيئة ملائمة ونزيهة. 

غير ذلك سينظر المواطن الى هذا اللقاء الموسع في القصر الرئاسي، وكأنه "مجمّع الجندرمة" القادر على فرض أعباء جديدة في المكان الخطأ لاستدامة النظام السياسي – الاقتصادي. والأسوأ، أن تتزيّن له قدرة على قمع أي تحرك شعبي لمواجهة هذا المسار المعوجّ من خلال تسويات سياسية ومصالحات، يعتقد سدنة النظام أنها مظلّة واقية لإمرار قرارات "موجعة وغير شعبية". فقط ليتشبثوا بامتيازاتهم وتربحهم من المال العام، متكئين على نفوذهم الزبائني لدى الرعية، ومتجاهلين حقيقة أن الدولة الهشّة المنقوصة الثقة والشفافية المضروبة بالفساد، لا يمكنها أتيان اصلاحات صلبة وعميقة في المكان الخطأ. بينما الدولة قادرة على تصويب الوضع المالي والنفاذ من خانة التصنيفات الدولية السالبة التي ضيّقت سبل المزيد من الاستدانة على لبنان، ورفعت تكلفتها وتكلفة التأمين عليها ضد مخاطر عدم السداد. وقت لم يعد مصرف لبنان قادرًا على تمويل الدولة كما في السابق، وتكبد خسائر في ميزانيته. 

وكالات التصنيف التي شكّكت في الوصول الى 7.6 في المئة عجزًا كما تقديرات موازنة 2019، إنما انطلقت من واقع أن نصف جهود خفض الانفاق في الموازنة، يعتمد على قيام الحكومة بإصدار سندات خزينة بفائدة 1 في المئة أي أقل بكثير من أسعار السوق والتي تبلغ (في حينه) 7 في المئة على سندات خزينة أجل سنتين، كما قالت وكالة فيتش. "وتفاصيل هذه العملية غير واضحة بعد، لكن يبدو أن مصرف لبنان سيشتري هذه السندات ويحاول هندسة الصفقة بطريقة لا تؤثر على ميزانيته العمومية. واعتبرت الوكالة أن الاقتراض بمعدل منخفض على نحو مصطنع، يشير إلى نسبة الضغوط المالية التي تتعرض لها الحكومة كما ويثير تساؤلات حول استدامة الدين العام، نظرًاً إلى الاعتماد الكبير على مصرف لبنان في التمويل". تقرير وحدة الاستخبارات المالية في "الإيكونوميست" تحدث صراحة عن "الخلافات التي تعكس المصالح الخاصة لمختلف الجماعات الطائفية التي  ستستمر في تقويض صنع السياسات". وشكّك التقرير في تنفيذ اصلاحات الهياكل القائمة التي "تعطي أولوية لمصالح المجموعات الفردية على الكفاية والفاعلية".

النمو الفيصل
النمو الاقتصادي تائه في الهاجس المالي. وهو الفيصل والأساس. وقد وصلنا الى مرحلة جعلت من خفض العجز وتسريع النمو صعبة ومعقّدة. علمًا، أن كلاهما ليس مناوئًا الآخر إلاّ في حال أزمة بنيوية كالتي نمر بها. نفتقد الى المال في الموازنات، فلا ننفق على الاستثمار رافعة النمو وأصله. فتتراجع عائدات الدولة من النشاط الاقتصادي. وقد ناهزت حصتها نحو 35 في المئة من الناتج المحلي. نتوجه الى الاستدانة فنرفع الفوائد غير الملائمة على تسليفات القطاع الخاص المفترض إنه محرك النمو. لقد واجهت كل الدول الاوروبية هذا الاشكال بعد أزمة 2008 وتصدت له. ليس بجريرة وجود راسخين في علم الاقتصاد. بل لسبب بسيط يتعلق بوجود دولة وحكم دستور ومؤسسات. كيف نحل هذه الشيفرة في لبنان؟ بكل بساطة، جباية الضرائب ومعاقبة المتجاوزين بدلًا من مكافأتهم بإلغاء الغرامات. ووقف التهريب المزدوج من سوريا، ووضع حد لعصاباته السياسية الداعمة والحاضنة. إحلال الضرائب الجديدة لتنوب عن عجز الدولة، و/ أو عدم رغبتها في جني إيراداتها، لا يمكن أن يحفز النمو. ووضع حدّ للتهريب والتزوير على المنافذ الجمركية الشرعية. الخطوة الثانية التي يجتنب الحكم والحكومة مقاربتها، هي مؤسسات الدولة وحيازاتها ومصالحها المستقلة. نطلب الى المجتمعين في قصر بعبدا اليوم، أن يسألوا أنفسهم لماذا يفرضون الزبائنية الادارية على تلك الحيازات وحقوق الدولة وفي كل المرافق؟ المؤسسات معروفة وتنتج مالًا وفيرًا. الحلّ أمامكم لا تخطئوا.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024