معاناة "سيزوبيل" التمويلية أبعد من مساهمة الدولة

عزة الحاج حسن

الثلاثاء 2019/06/11
ليست المساهمات المالية، المرتقب تحويلها في اليومين المقبلين، سبب أزمة سيزوبيل وحسب. فالمبالغ المالية التي لن تتعدى 480 ألف دولار (720 مليون ليرة) كحد أقصى، ربما ستخفف وطأة ديون متراكمة بالمليارات على الدولة، لكنها من دون شك لن تُحدث أي تغيير على مستوى معاناة مئات بل آلاف الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة والعوائل المرتبطة بـ"سيزوبيل"، فهؤلاء تبدأ معاناتهم بتجاهل الدولة لهم واستقالتها من مهامها منذ سنوات، ولا تنتهي ببضعة ملايين.

قد لا تطال إجراءات التقشف وعصر النفقات المستجدة في موازنة 2019 الجمعيات الأهلية، إلا ان التقشف لم يغادر يوماً موازناتها ومساهمات الدولة فيها، لاسيما الجمعيات المعنية برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ومن بينها سيزوبيل. فالدولة التي من المفترض أن تكون الراعي الأول للأمن الاجتماعي، لا تدفع سوى ما يوازي 37 في المئة من مجمل التكلفة التي تتكبدها سيزوبيل على أطفالها.

العجز المالي
تراكمات العجز المالي المستمر منذ سنوات، دفع بالمؤسسة الأكبر والأوسع نطاقاً في مجال رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان "Sesobel"، إلى اتخاذ إجراءات تقشفية وعصر نفقات تعد من الأساسيات بالنسبة إلى أطفال يعانون من احتياجات خاصة، ومن استبعاد المجتمع لهم وتجاهل الدولة، فسلكت سيزوبيل طريق التقشف إلى حين استعادة عافيتها المالية.

المؤسسة العاجزة رفعت صرختها منذ أيام، لتصل إلى مسامع السياسيين، فتهافتوا على "حلبة المزايدات" وتسجيل انتصارات وهمية، انتهت بإقرار تحويل جزء من المساهمات المالية المستحقة لسيزوبيل في ذمة الدولة، خلال الأيام القليلة المقبلة، لاسيما أن الأخيرة لم تدفع ليرة واحدة لكافة الجمعيات عن الفصلين الثالث والرابع من العام 2018 ولا عن العام 2019. ولكن ما لم يتطرق إليه المسؤولون هو أن أزمة سيزوبيل ليست بالمستحقات المتأخرة وحسب، بل بحجم مساهمات الدولة التي تعود للعام 2011، وتغطي نحو 37 في المئة فقط من مجمل تكلفة علاج ورعاية الأطفال ورواد المؤسسة.

مستحقات بالمليارات
"لدى سيزوبيل مستحقات على الدولة يفوق مجموعها 3.5 مليار ليرة"، تشرح مديرة مؤسسة سيزوبيل، فاديا صافي، واقع الأزمة في حديث إلى "المدن"، إذ لا تقتصر المتأخرات على مساهمات وزارة الشؤون الإجتماعية، بل أيضاً على المؤسسات العسكرية التي لم تدفع متوجباتها للمؤسسة عن العام 2018. والسبب، أن الدولة لم تسدد للعاملين لديها والعسكريين المنح التعليمية عن أطفالهم، أضف إلى تأخر مستحقات الدولة وتراكمها، تقول صافي. كذلك، المساهمات والتبرعات من المقتدرين وأصحاب الأيادي البيضاء تراجعت بشكل كبير. وقد يرتبط ذلك بالوضع الاقتصادي العام.

وإذ تأسف صافي لارتباط "الإنسانية بالميزانية" ترى أن الأزمة المالية التي تضرب المؤسسة لن تطال 1771 طفلاً وبالغاً وحسب، بل أيضاً مئات العائلات وعشرات المساعدين والمعالجين والموظفين والأخصائيين. وتؤكد ما هو أخطر من ذلك "أن سداد متأخرات العام 2018 المتوجبة على الدولة لن تفي بالغرض من دون تأمين دعم من المتبرعين أو رفع حجم مساهمات الدولة". ما يعني أن المستحقات المالية التي ستُسدد خلال يومين لن تضمن استمرار المؤسسة كما في السابق.

مساهمات ضئيلة
الإجراءات الرسمية حيال تهديد الأزمة المالية لمؤسسة سيزوبيل اقتصرت على وعد وزير المال، علي حسن خليل، بتحويل المساهمات المالية عن فصلين من العام 2018. أما بالنسبة لعقود العام 2019، التي لم يتم توقيعها حتى اللحظة، فهي وفق وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان جاهزة، لكنها تنتظر إقرار ‏الموازنة لتوقيعها. كما وعد قيومجيان بالسعي إلى رفع سعر التكلفة لكل مستفيد في سيزوبيل وغيرها من جمعيات الرعاية الإجتماعية، إلى جانب سعيه مع المنظمات الدولية والدول للمساهمة بالتمويل. ولم يتردد بدعوة المصارف ‏والمتمولين وكل الخيّرين لدعم هذه المؤسسات، التي تشكل شبكة الأمان الاجتماعي وتطال أكثر من 400 الف لبناني.

إلا أن نوايا وزير الشؤون الإجتماعية لن تغيّر بواقع الحال، طالما أن الدولة تتعامل مع الجمعيات كافة بصيغة واحدة، من سيزوبيل وباقي مؤسسات الرعاية الاجتماعية إلى تلك المعنية بإقامة النشاطات الاجتماعية والسياحية، وصولاً الى المؤسسات التي يحكى عن أنها "وهمية". وكيف يكمن أن تقتصد الدولة بإنفاقها على مؤسسة تُعنى بتأمين خدمات طبية ونفسية وإنشغالية وفيزيائية وتقويم الأعضاء وحتى ترفيهية.. للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، في حين يستمر الإنفاق على أبواب التمثيل والأعياد، والوفود والسفر والمؤتمرات والمواكب وجيش المستشارين وعلى سياسيين مرت حقبات زمنية على توليهم مقاليد السلطة.

ولا يستغرب مصدر في وزارة المال في حديثه إلى "المدن" تأخُر الدولة بسداد مستحقات الجمعيات، لأسباب تتعلّق بشح الأموال في الخزينة العامة، وتقنين سداد الاستحقاقات. ويقول: تُدار عملية الإنفاق العام بمنتهى الفوضى، في غياب المعايير الدقيقة للأولويات، فـ"الخزينة العامة مفلسة والبلد قائم على الاستدانة فقط".

تقشف على التقشف
وكانت إدارة سيزوبيل قد اتخذت في الأيام القليلة الماضية تدابير قاسية لعصر نفقاتها، تمثّلت بوقف الوجبة اليومية للأطفال، وإلغاء نشاطات أشهر الصيف (الكولوني). وأعلنت التوقف عن استقبال الأطفال ابتداء من شهر تموز، وتعديل دوام استقبال الأولاد في ‏مراكز سيزوبيل ليقتصر على 4 أيام فقط أي من الثلاثاء حتى الجمعة، إضافة إلى تقليل ساعات العمل وخفض رواتب العاملين لديها، علماً أن غالبيتهم لم يتقاضوا أي مبالغ مالية منذ قرابة ستة أشهر.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024