قنبلة قرض البنك الدولي تنفجر: النواب يتناهشون أموال الفقراء

خضر حسان

الثلاثاء 2021/02/16
عملت الحكومة على تسريع عملية الحصول على قرض من البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار، مخصصة لمساعدة العائلات الأكثر فقراً، وتمكينهم من تفادي الأزمة الراهنة التي فاقمها انتشار فيروس كورونا بشكل قاسٍ.

وكان من المفترض أن تسير اتفاقية القرض بسلاسة نحو مجلس النواب لإقرار مشروع القانون المقدّم من الحكومة، فيُشرِّع المجلس بذلك خطوة وزير المالية غازي وزني، والقائمة على توقيعه اتفاقية القرض مع البنك مطلع العام الجاري. فحينها، استند وزني إلى إمكانية إحالة الاتفاقية بمشروع قانون إلى مجلس النواب لإقراره. إلا أن اللجان النيابية المشتركة، فخَّخَت اتفاقية القرض في جلستها اليوم الثلاثاء 16 شباط، وبدَّدَت التوقعات الإيجابية التي حملتها جلسة الحكومة يوم أمس الاثنين، حين أكّد وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال رمزي المشرفية، "إنجاز وضع الهيكلية المطلوبة لإدارة وتنفيذ المشروع"، لافتاً النظر إلى "الشفافية المطلقة في إدارته وتنفيذه".

عرقلة مسار القرض
روَّجَت كل القوى السياسية للقرض من على منبر الحكومة، واختلفت من على منبر البرلمان. فخلال جلسة اللجان النيابية المشتركة، أعلنت قوى المنظومة الحاكمة أن تفاصيل القرض ما زالت مبهمة، وآلية توزيع الأموال غير واضحة. فيما ذهبت بعض وجهات النظر باتجاه "تأثير القرض على سيادة لبنان"! وهي أوهن حجة تُطلَق لعرقلة أمر ما.

لم تنتبه قوى المنظومة حين ناقَشَ وزراؤها اتفاقية القرض داخل الحكومة، فانفصمت القوى عن نفسها، وارتأت بوجهها البرلماني، أنَّ قاعدة البيانات التي ستعتمد خلال توزيع المساعدات على الكتل الأكثر فقراً، متباينة. كما أنه لا يوجد معيار محدد للعائلات المستهدفة.
بعض قوى المنظومة رَبَطَ الحصول على القرض بـ"وقف التهريب للسلع والعملة الصعبة وترشيد الدعم". وكذلك، وضع البعض سعي الحكومة للحصول على القرض بصورة سريعة، في إطار التعمية على قضية وقف الدعم، وبالتالي رمي هذا الملف على الحكومة المقبلة.
أما توزيع المساعدات بالليرة وفق سعر صرف 6200 ليرة، فكان العقبة الإضافية، حين اعترضت بعض القوى على الاحتفاظ بالدولار وإعطاء الناس مساعدات بالليرة، وفق سعر صرف لا يتناسب مع سعر الصرف المعمول به في السوق، فيما الأجدى هو توزيع المساعدات بالدولار كما تأتي من البنك الدولي. ورأى آخرون أن آلية توزيع القرض تحتوي على باب للتوظيفات وهدر في نفقات اللوجستيات بقيمة 18 مليون دولار، في حين يمكن توفير هذا المبلغ.

إستماع للحكومة
اتفقت الكتل النيابية على عقد جلسة استماع واستفسار من الحكومة، الأسبوع المقبل. لكن واقع السجالات التي حصلت اليوم، تشي بعقد جلسات استماع متكررة. كما أن الاتفاق على آلية القرض لن تكون سهلة، بل إن الاتفاق برمّته معرّض للفسخ.

وفي السياق، تجدر الإشارة إلى أن جزءاً من علامات الاستفهام المطلوب توضيحها، هو الترجمة المتعلقة بمصير القرض في حال عدم إقراره بصورة قانونية في مجلس النواب. ففي حين يرى البعض أن نص الاتفاق بين الحكومة والبنك الدولي، تضمّن إلغاء الاتفاق نهائياً ما لم يُنَفَّذ بعد انقضاء مهلة 120 يوماً على توقيعه، يرى آخرون أن إمكانية التمديد متاحة "إذا ارتأى البنك أن حجج التأجيل مقنعة".
ما حصل ليس من قبيل المصادفة ولا ظهور أمر لم يكن معلوماً من قبل. فكل القوى السياسية موجودة في الحكومة، أي انها تعلم تفاصيل العقد ومساره منذ لحظة بحثه مع البنك حتى لحظة توقيعه. وما حجة الاستماع إلى الحكومة سوى لكسب الوقت، ريثما يتم الاتفاق على تحاصصات سياسية داخلية، بعضها على علاقة بكيفية استغلال أموال القرض، وبعضها الآخر من اليوميات الروتينية لتحاصص النفوذ السياسي.

أين مصلحة الفقراء؟
قبل الأزمة الاقتصادية والنقدية، لم يكن من مصلحة الفقراء أن تقترض حكومتهم، لأن القروض تعني زيادة الدين العام من دون استفادة إنتاجية. لكن في الظروف الحالية، يحتاج الفقراء لأي مبلغ، سواء بالدولار أو الليرة. فمع توقعات وصول نسبة الفقر في العام الحالي إلى نحو 60 بالمئة، وسقوط نحو 22 بالمئة منهم تحت خط الفقر، لن يأبه الفقراء بكيفية الحصول على الأموال، سواء من قروض أو هبات. وبالتالي، يحتاج الفقراء هذا الدعم في ظل غياب آليات الدعم الرسمية. فالمنظومة بددت الأموال، وتبحث الآن في كيفية رفع الدعم، لكنها ما زالت تدرس كيفية السيطرة على الشارع، وتبرير ارتفاع الأسعار، وفقدان المزيد من السلع الغذائية والأدوية.. وانعكاسات أخرى.

قرض بأمر واقع
البنك الدولي مستعد لأي إخراج تراه المنظومة مناسباً، ففي المحصلة، هو يريد توريط لبنان بقرض إضافي لأغراض سياسية واقتصادية تخصّ أصحاب النفوذ الدوليين. أما السجال الحاصل لبنانياً، فأسبابه سياسية داخلية فقط. والبنك في نهاية المطاف عازم على إيصال الأموال إلى اللبنانيين، ليس حباً بهم، وإنما لتحقيق هدفين كبيرين تندرج تحتهما مكاسب متعددة. الهدف الأول يتمثّل بقطع الطريق أمام تهريب الدولارات والسلع المدعومة إلى الخارج، وخصوصاً إلى سوريا. فإيصال المساعدات للناس مباشرة، يفرمل التهريب الذي تسهّله أطراف سياسية. والهدف الثاني هو تخفيف الاحتقان بين اللبنانيين والنازحين السوريين، فالطرف الثاني يحظى بمساعدات دولية فيما اللبنانيون يزدادون فقراً من دون أي دعم. وهُنا يتوقع المجتمع الدولي انفجاراً قريباً بين الطرفين، قد لا تُحمَد عقباه ولا يمكن السيطرة على تداعياته بسهولة، إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو حتى الأمني.

وعليه، في حال عدم إقرار القرض قانونياً، قد يلجأ البنك الدولي إلى إيصال المساعدات إلى اللبنانيين عبر الجمعيات المحلية والدولية، فيلتفّ حول الأطر الرسمية، لكنه بذلك يعطي المنظومة قرضاً بأمر واقع، يُستردُّ عن طريق استكمال مخطط سابق لرفع الدعم وبيع مؤسسات الدولة وتخفيض التقديمات الاجتماعية ورفع معدّل الضريبة على القيمة المضافة.. وما إلى ذلك من شروط ذُكِرَت في مؤتمرات باريس المتكررة، وجرى تأكيدها في مؤتمر سيدر.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024