"تصدير" المازوت تهريباً إلى سوريا: استنزاف آخر الدولارات

عزة الحاج حسن

السبت 2020/05/09
عندما انخفض سعر النفط عالمياً، ظن البقاعيون وأهالي الجبال أنهم سينعمون للمرة الأولى بملء خزاناتهم بالمازوت بأثمان زهيدة، تمهيداً للشتاء. إلا أن مافيات المحروقات حالت دون ذلك. استولت على ملايين الليترات من المازوت مدعوم الثمن من مصرف لبنان. احتكرته، وحرمت منه آلاف العائلات.. لتَعبُر به خارج الحدود، طمعاً في تسويقه بأضعاف سعره المحدّد في لبنان.

لم يعد خافياً على أحد تهريب المازوت إلى سوريا. فأهل القطاع يؤكدون أن أكثر من مليوني ليتر من المازوت تخرج من الحدود البريّة، عبر معابر غير شرعية، تربط منطقتي البقاع والشمال بسوريا. تخرج بشكل غير قانوني.. إنما غير سرّي.

المعابر المكشوفة
وكيف لمعابر غير شرعية أن تكون مكشوفة لكافة الحكومات المتعاقبة، كما الحكومة الحالية، ما لم يكن عابروها من التجار المهرّبين محميين من سياسيين وأحزاب، وربما طوائف ممثلة في الحكومات نفسها؟ وكيف يمكن أن يصف وزراء مختلف الأقطاب السياسيين تلك المعابر بـ"غير الشرعية"، من دون أن يتمكّنوا من اتخاذ إجراءات جدّية لضبطها، وحماية السوق اللبناني من التهريب عبرها؟

وليس وزير الدفاع السابق، الياس بو صعب، الوزير الوحيد الذي أكد وجود 10 معابر غير شرعية، وحدّد مواقعها. إنما سبقه وزير المال السابق علي حسن خليل، الذي أكد وجود 124 معبراً برياً للتهريب. كذلك، جزم وزير الاقتصاد السابق محمد شقير وجود أكثر من 14 معبراً مخصّصاً من قبل المهرّبين لتهريب نوع محدّد من المنتجات. أما الحكومة الحالية فتدير الأذن الطرشاء، مكتفية بإدراج بند في خطتها الاقتصادية يشير إلى ضرورة ضبط عمليات التهريب وإغلاق المعابر غير الشرعية، من دون ان تحرّك ساكناً حتى اللحظة إن في ملف المازوت، أو في ملف تهريب الطحين المدعوم أيضاً.

كبار التجار
ونظراً للنقص الحاصل في مادة المازوت في السوق المحلية، وتأكيد بعض القيمين على القطاع لعمليات التهريب، ووقوف الدولة موقف المتفرّج، بات خروج ملايين الليترات من المازوت إلى سوريا أشبه بعمليات تصدير أكثر منها تهريب.

لا شك أن حماة معابر التهريب هم أولئك المستفيدون منها، لاسيما في ملف المحروقات. ففي ملف المازوت تحديداً، هناك من يستورد ليُهرّب إلى سوريا، يقول مصدر متابع للملف في حديث إلى "المدن". فالشركات المستوردة للنفط تعمل على تقنين تسليم مادة المازوت للموزعين ومحطات المحروقات منذ أشهر، في مقابل تسهيلها تسليم بعض كبار التجار كميات كبيرة، حسب المصدر، هم الحلقة الأقوى في قطاع النفط. وكما تعجز الدولة عن ضبط مخالفاتهم لجهة استيفائهم رسوم جمركية، ضمن تسعيرتهم للمحروقات هي أصلاً معفية منها، أو لجهة إلزام المحطات بسداد 15 في المئة من قيمة البضائع بالدولار، وغيرها من المخالفات.. فإنها تعجز بالطبع، أو أنها تلعب دور العاجزة، عن ضبط معابر تهريب المازوت، والتحقق من إمكان ضلوع الشركات المستوردة بعمليات التهريب.

أرباح خيالية
تحتاج السوق اللبنانية يومياً لنحو 5 ملايين ليتر من المازوت كمعدل عام، يُهرّب منها أكثر من 2 مليون ليتر إلى سوريا، بحثاً عن مزيد من الأرباح. يبلغ سعر صفيحة المازوت في لبنان (20 ليتر) أقل من 8 آلاف ليرة فقط، وبإضافة تكلفة النقل والتوزيع وغيره يصل سعر الصفيحة إلى 9100 ليرة. ما يجعل من تهريبها وبيعها في سوريا تجارة مربحة جداً. إذ أن سعر صفيحة المازوت في سوريا لا يقل عن 22 ألف ليرة. من هنا، تقوم بعض الشركات بتسهيل تهريبه وجني ملايين الدولارات. 

أما محطات المحروقات والموزعون، فيعمد بعضهم إلى التفنّن بأساليب الاحتيال لتحقيق مكاسب مالية. فالبعض يحتكر المازوت منذ أكثر من شهر، لا سيما في منطقة البقاع، حيث ترفض غالبية المحطات بيع المواطنين كميات وافرة من المازوت. في حين تقوم بتخزين المادة في خزاناتها، بانتظار عودة الأسعار إلى الارتفاع، لتحقيق أرباح إضافية. أضف إلى أن الغالبية الساحقة من المحطات تبيع صفيحة المازوت بأسعار مرتفعة، تصل إلى 13 ألف ليرة للصفيحة، خلافاً لجدول تركيب الأسعار المحدّد من قبل وزارة الطاقة. 

استنزاف الدولارات
ولا تسلم المحطات من عمليات التهريب. فقد أكد مصدر في حديث إلى "المدن"، أن أكثر من محطة محروقات في منطقة البقاع يمتنع أصحابها عن بيع المازوت محلياً، ويقومون بتهريبه  بصهاريج إلى سوريا، من دون حسيب أو رقيب.

إذا كانت الحكومة غير آبهة بحرمان أهالي الجبال، لاسيما الفقراء منهم، من مادة المازوت. وهي المادة الأساسية للتدفئة والمزروعات والصناعات المحلية. فكيف بها أن تتغاضى عن استنزاف ما تبقى من دولارات لدى مصرف لبنان، الذي يدعم استيراد المحروقات بتأمين 85 في المئة من مجمل قيمته بالدولار، وفق سعر صرف 1515 ليرة؟ ألا يستحق ملف تهريب المازوت واستنزاف مصرف لبنان تحرك القضاء اللبناني؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024