موازنة 2020 والكهرباء والمعابر

عصام الجردي

الإثنين 2019/09/09

يُرسل الحكم والحكومة إشارات يستفاد منها أن موازنة 2020 ستنجز هذه السنة في موعدها الدستوري، بإقرارها في مجلس الوزراء لتحال إلى مجلس النواب في العقد الأول من تشرين الأول المقبل. ويكون لبنان قد خطا خطوة أولى جِدّية في مهلة الشهور الستة التي اتفق عليها مع منسق مؤتمر سيدر بيار دوكان.

ويبقى مضمون الموازنة والخطوات الإصلاحية. واضح أن الفجوة البنيوية في الأزمة المالية المتعلقة بالنمو والانكماش الاقتصادي، لن تُجسر في وقت قريب، ما دام العجز المالي هو الهاجس في المقام الأول. في صرف النظر عمّا يمكن أن يدخل من خفض النفقات على موازنة 2020. تنفيذ خطة الكهرباء لو وجد طريقه ضمن الأصول والشفافية سيخفض من عجز الكهرباء نحو مليار دولار أميركي. سيكون التركيز على زيادة الإيرادات أقوى في انتظار الدفعة الأولى من تعهدات سيدر من جهة، والبدء في إشراك القطاع الخاص في مشاريع حيوية. المتاح من الإصلاح الضريبي هو تحسين نظام الجباية فحسب.

الإيرادات أم عدّ المعابر؟
الإيرادات الجمركية مفتاح مهم لدعم الموازنة، لرفع حصة الإيرادات الإجمالية من نحو 20 في المئة إلى الناتج المحلي. وهي 26 في المئة في الدول النامية، ونحو 36 في المئة في الدول المتقدمة. يستدعي الأمر الشروع فورًا في غلق المعابر غير الشرعية مع سوريا. ووقف التجاوزات على المنافذ الجمركية الشرعية. لكن يبدو أن هناك قطبة سياسية مخفية حتى حيال هذا الشأن. تصريح رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أثناء تفقده مرفأ بيروت عن التهريب عبر المنافذ الجمركية والمعابر غير الشرعية، أثار رد فعل غير مألوف من وزير الدفاع الياس أبو صعب. الذي ردّ على الحريري من خلال تويتر من دون أن يسميَه فوصف ما قاله "أكبر عملية تضليل للرأي العام ولتغطية عمليات التهريب الكبيرة من المعابر الشرعية". أضاف "نسمع العودة إلى نغمة الـ150 معبرًا غير شرعي. هذا ليس صحيحًا وليس مسؤولًا ولا يساعد الجهد المبذول للحد من التهريب على اختلاف أنواعه عبر كل المعابر ولاسيما الأساسية منها". أبو صعب عزا لنفسه حين أعلن وزير المال علي حسن خليل عن عدد المعابر غير الشرعية بأنه هو أول من كشف ذلك. ماذا بعد؟ وهل عدنا إلى عدّ التجاوزات أم إلغاؤها هو المبدأ؟ بقي تنفيذ قرار قفلها الذي اتخذه مجلس الدفاع الأعلى وضبط المنافذ الجمركية الشرعية لتوفير مئات ملايين الدولار أميركي. هل يُعقل خلاف سياسي في هذا المجال؟

الشراكة
أمّا الشراكة مع القطاع الخاص فلا يفرضها افتقار الدولة إلى المال فحسب، بل وعجز الإدارة السياسية في المقام الآول. الاستخصاص سيطال القطاعات والمؤسسات المربحة. الكهرباء، والمرفأ، والمطار، والاتصالات، والبريد، والنقل وخلافها. هذه القطاعات التي تشكل ركيزة للاقتصاد والنمو. وتتسم بصفة سيادية لأهميتها. في غياب البدائل منها ومن خِدماتها. في لبنان فقط تتحول خاسرة وعاجزة. وخِدمات ليست موفورة ولا جيدة. لماذا؟ ببساطة لأنها واقعة في فخّ الإدارة السياسية الفاسدة. وفي كنف الاستحصاص السياسي – الطائفي. القطاع الخاص يبحث عن استثمارات مربحة تُدر المليارات. ويأتي في الوقت المناسب. يكتنز المال الذي لا يعاد تدويره في الاقتصاد وفي استثمارات القطاع الخاص شبه الجامدة منذ نحو ثماني سنوات. وهناك الكثير ممّا يسوغ ذلك من مخاطر على أنواعها. أهمها فقدان الثقة بالدولة والبيئة الاستثمارية غير الملائمة.

وعلى غرار الدولة تخسر والقطاع العام يربح، فالدولة هي التي ستضمن ما عجزت عنه لنفسها، من البيئة الملائمة للقطاع الخاص في عملية التشركة والاستخصاص على أنواعها ربط التوظيف والعمالة بالإدارات الجديدة. فواتير الخِدمات تسدد على كعبها، أو تتوقف الخدمة على الفور. القوى الأمنية ملزمة حماية القطاع الخاص. القضاء أيضًا، وقد يحتاج الأمر إلى إنشاء محاكم جديدة لتسريع صدور الأحكام، أو اللجؤ إلى التحكيم الدولي بالقرارات الملزمة.

تدابير قبل الزيادة
نعم لا بدّ من زيادة تعرفة الكهرباء. وسيكون مرحبّاً بها لو تمكنت مؤسسة كهرباء لبنان من توفير التيار على مدار الساعة والاستغناء عن المولدات. في لبنان مصدران للطاقة. النفط والكهرباء. لا ثالث لهما. الثاني يتغذى من الأول، لزوم استيلاد الكهرباء من المعامل المتهالكة. نحن متخلفون عن كثير من البلدان التي شرعت من زمان اعتماد مصادر الطاقة البديلة من الشمسية ومن مساقط المياه وسواها. رغم توفرها للأولى قرابة نحو ثمانية شهور في السنة. ولا نحسن إدارة مساقط المياه وطاقة الرياح بجدارة. النفايات مصدر مهم لاستيلاد الطاقة والتخلص منها. هي نعمة للبلدان التي تحسن معالجتها، ونقمة عندنا تكاد تتحول معضلة. زيادة سعر الكهرباء يفترض أن يسبقه في الضرورة إلزام المستهلك بوقف التعديات على الشبكة. وسداد فواتير الكهرباء، لخفض الإهدار الفني المقدّر بنحو 35 في المئة من خسائر مؤسسة كهرباء لبنان. يعتمد ذلك على قدرة الدولة على منع المخالفات في مناطق لا تزال محظورة عليها. وإلاّ يكون هناك تمييز بين المواطنين خلافًا للدستور والقوانين. فلا يكتفى بالمنطق المعوجّ مواطن يدفع ثمن الكهرباء وآخر لا يدفع. بل ويكافأ المتجاوز ويعاقب المواطن الصالح. فيتكرر مشهد التهرب الضريبي. فيكافأ المتهرب كل مرة من إعفاءات الغرامات على عدم السداد، بينما يلتزمه حين استحقاقه مواطنون حريصون على التزام القوانين. ولا بدّ أن تُسهم زيادة سعر الكهرباء - مع التأكيد على الإجراءات الاستباقية التي سبق ذكرها - في خفض استهلاك الكهرباء واستيراد الوقود، بعد غلق مزراب استهلاك الطاقة الرخيصة والمجانية وعدم سداد الفوتير. أمّا فرض الضريبة على البنزين فمسألة أخرى مختلفة. ولا بدّ أن تنعكس على أسعار النقل في غياب وسائط النقل العام البديلة. وعلى أسعار الجملة والتجزئة لنقل البضائع والسلع لاسيما الغذائية منها. ربما يحتاج الأمر إلى تسريع مشاريع قطاع النقل في لائحة مؤتمر سيدر. الكهرباء والوقود أثقل فاتورة على الاقتصاد. فلبنان مستورد صافٍ لمشتقات النفط والغاز. تتصلان مباشرة بالعجز التجاري وميزان المدفوعات والبيئة والصحة العامة. ويعاني لبنان على الصُعد جميعها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024