طرابلس "أم الفقير": الاقتصاد في الحضيض

جنى الدهيبي

الثلاثاء 2018/10/23

إنّها "أمّ الفقير"، هكذا يقولون عن طرابلس. لكنّ هذا اللقب، وإنّ وجد فيه كثيرون منحىً إيجابيّاً لكونها عاصمة تحتضن فقراءها بعاطفة "الأمّ"، إلّا أنّه يحكي عن واقعٍ صعبٍ من الفقر الناتج عن البطالة التي بلغت ذروتها. عامٌ بعد عام وطرابلس تتدهور اقتصاديّاً نحو الأسوأ. حالُ أبنائها تشبه حال الإنماء فيها. قد تبدو المدينة أقرب لقريةٍ نائيةٍ منسلخةٍ عن لبنانيّتها. هكذا يقول الطرابلسيون دوماً: "نسيونا، ما كأننا لبنانيين".

في السنوات الأخيرة، شهدتْ طرابلس تدهوراً اقتصاديّاً بلغ الحضيض، بدا نوعاً من الارتدادات لحقبة الفلتان الأمني الذي أثّر في اقتصادها ومجتمعها. نسبُ البطالة ارتفعت، تدفقات أموال المستثمرين تراجعت، مؤسسات وشركات أغلقت أبوابها معلنةً الإفلاس، أمّا ما تبقى منها، فهو في حالة صمودٍ خوفاً من الإنهيار.

لا شيء في طرابلس كفيلٌ باعطاء جرعةٍ من الأمل، في ظلّ فقدانها لطاقتها الشبابية والعلمية، وغياب مشاريع الدولة التنموية الكفيلة بتوفير فرص العمل وتأمين البنى التحتية لجذب رؤوس الأموال وأصحاب الاستثمارات. نظرةٌ سريعة على بيانات التقرير الذي صدر عن البنك الدولي في العام 2017 حول "فرص العمل لشمال لبنان"، يختصر واقعاً بائساً تعيشه المدينة. إذ أظهر أنّ الشمال يضم الأكثرية المطلقة من عدد الفقراء في لبنان، ما يعادل نحو 290 الفاً أي ما نسبته 36 في المئة من عدد اللبنانيين، وهو معدل أعلى بكثير من المعدل الوطني. أضف إلى ذلك، كان التقرير قد كشف أنّ نحو 90 في المئة من العاملين في طرابلس، يعملون في قطاع غير قانوني، وهم غير مسجلين في الضمان الاجتماعي. وهناك نحو 54 في المئة من الموظفين يعملون لمصلحة شركات لا يتجاوز عدد عمالها 9 أشخاص، و41 في المئة يعملون لمصلحة شركات لا يتعدى عدد عمالها 5 موظفين.

الواقع المأساوي، كان دافعاً لافتتاح مؤتمر "البطالة وفرص العمل الكامنة في طرابلس والشمال" أعماله في نقابة المهندسين في الشمال، السبت في 20 تشرين الأول 2018، برعاية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، ممثلاً بالنائب بهية الحريري، ومن تنظيم نقابة المهندسين ولجنة متابعة الإنماء، وحضره عدد من النواب والوزراء والاقتصاديين إلى جانب حشدٍ من المهندسين والناشطين والمدنيين.

هذا المؤتمر، الذي يأتي بعد المؤتمر الأول الذي عقد في العام 2016 تحت شعار "التحديات والفرص الإنمائية لطرابلس"، فتح باب النقاش واسعاً عقب انتهائه، حول واقع طرابلس الذي يواجه أزمات اقتصادية معقدة للغاية.

في الشكل، بدا المؤتمر ناجحاً ومفيداً من الناحية التثقيفية والمعلوماتية لجهة عرض والدراسات والإحصاءات وإدارة النقاشات حول التحديات التي تواجه تفعيل الدورة الاقتصادية والعوائق التي أفرزت شريحةً واسعة من العاطلين عن العمل.

أما في المضمون، فقد كان سوداوياً للغاية. في العادة، يعطي المحاضرون من سياسيين واقتصاديين ومسؤولين، صورةً إيجابيّة عبر تقديم الحلول وبثّ التفاؤل لدى الناس، إلّا أنّ الطابع التشاؤمي قد غلب عليهم. مثلاً، اعترف الوزيران السابقان ريا الحسن وفادي عبود أنّ الواقع اللبناني صعب وأنّ لبنان في مأزقٍ اقتصادي كبير، كما أشارت الحسن إلى أنّ "أسباب البطالة في معظمها، أسباب هيكلية تعود لطبيعة النمو الاقتصادي".

أكثر ما تحدث عنه المحاضرون هو البيروقراطية والبطء في المعاملات اللذين يعرقلان تطور ونمو وتشغيل الناس وتطوير المرافئ. كذلك، تطرقوا إلى أزمة النازحين السوريين التي اعتبروها تأخذ من درب اللبنانيين كثيراً من فرص العمل، وهو ما أكده عبود الذي اعتبر أنّ لبنان هو بلد الاستثمارات الفاشلة وأنّه ألدّ عدّو في العالم للاستثمارات.

وبعد التركيز على الفساد والهدر وفشل البنى التحتية في المدينة، واعتبار لبنان عموماً بلداً منفراً للاستثمارات، خرج الحاضرون متشائمين وقد رأوا الوقائع أمامهم، وشاهدوها على حقيقتها.

لكن، ما الفائدة من المؤتمر إذن؟

المؤتمر الإنمائي الأول في العام 2016، خرج بتوصيات كان من بينها المطالبة بتشكيل لجنة خاصة لمتاعبة شؤون الانماء في طرابلس والشمال تكون بالشراكة مع المجمتع المدني، وفق رئيسة لجنة متابعة الإنماء في طرابلس الدكتورة المهندسة ربى دالاتي. فـ"هذه اللجنة المكونة من أكثر من 60% من المهندسين باعتبارها تابعة للنقابة، بالإضافة إلى شخصيات ناشطة من اختصاصات متنوعة، خرجت في ذلك المؤتمر بتوصيات بشأن موضوع الفقر والبطالة. إذ استطعنا أن نسلط الضوء على المقومات التي يمكن فيها الاستثمار، وانتجنا فيلماً أخذ رواجاً في الخارج، وكان كفيلاً بجذب بعض المستثمرين".

أمّا المؤتمر الحالي، وفق دالاتي، فهدفه الخروج بخطة انمائية سريعة لانقاذ طرابلس، ويكون من خلال الخروج من ثقافة المركزية إلى الإنماء المتوازن. تقول: "عندما تكون طرابلس هي الافقر على حوض البحر المتوسط، يجب ان تركز استراتيجتنا عليها انطلاقاً من واقعها، وهي تحتاج لتمويل أكثر من غيرها".

ترفض دالاتي وصف المؤتمرات بالتنظير الذي لا فائدة منه. أحياناً، "تعبّر الناس عن يأسها من المؤتمرات، لكنها وحدها كفيلة بتسليط الضوء على المشاكل وحمل التوصيات للضغط على أصحاب القرار في السلطة".

وبيد أنّ اللون الأزرق كان طاغياً على المؤتمر، من دون الالتفات أنّ تيّار المستقبل بوجوده في السلطة هو شريك أساسي في المشاكل التي يطالب بحلّها، أشارت دالاتي إلى أن المؤتمر سينتج عنه لاحقاً لائحة من التوصيات، "سنأخذها للرئيس سعد الحريري، ونقدمها له بوصفها خلاصة استنتاجات وحلول مقترحة بالشراكة مع المجتمع المدني، على أن نضغط ونطلب تنفيذها".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024