المستوردون "يفتعلون" أزمة الوقود: ما حقيقة الإضراب؟

خضر حسان

السبت 2019/10/12
في ساعات قليلة، استطاع مستوردو المشتقات النفطية أن يسببوا أزمة (أو يفتعلوها)، انعكست إضراباً في قطاعيّ الموزعين والمحطات. كما انعكست قلقاً عند المواطنين مع تواتر الأزمات الاقتصادية. 
وبالخفة ذاتها، انتهت "الأزمة". فما حقيقة ما حدث؟

هدأت موجة التوتر التي رافقت شح الدولار في السوق، بعد إصدار مصرف لبنان القرار الوسيط رقم 13113 الذي أجاز للمصارف التجارية فتح اعتمادات مستندية مخصصة لاستيراد المشتقات النفطية أو القمح أو الأدوية. غير أن الأزمة تفرّعت إلى إضرابات متكررة لأهل القطاع النفطي، بدءاً من المستوردين وصولاً إلى المحطات، مروراً بالموزعين. وبرغم اختلاف أسباب الإضراب، بقيت النتيجة واحدة وهي تضرر الناس.

غياب آلية التنفيذ
لم تتمكن الشركات المستوردة للنفط من تبديل الليرة التي حصّلتها من الموزعين والمحطات، بالدولار، ولم تفلح بفتح الاعتمادات المستندية في المصارف. فالمحطات والموزعون دفعوا ثمن المحروقات بالليرة استناداً إلى قرار المركزي، لكن الليرة علقت في جيوب المستوردين ولم تُصرَّف إلى دولار، فالتصريف الذي يفترض فتح الاعتمادات المستندية لم يُنفّذ.

أحال نقيب أصحاب الشركات المستوردة للنفط جورج فياض، عدم التنفيذ إلى "المشكلة في فتح الاعتمادات للمستوردات الجديدة". وظهرت المشكلة بفعل "عدم التنسيق بين مصرف لبنان والمصارف والشركات". وعليه، لم تعرف الشركات المستوردة "كيفية الحصول على الدولار". لذلك، أعلن فياض يوم الجمعة 11 تشرين الأول "العودة إلى اعتماد الدولار حتى تتوضح الصورة".

رفضُ المستوردين تسليم المحروقات بغير الدولار، ترافق مع تراجع عملية شرائهم للمحروقات بفعل عدم تأمينهم العملة الخضراء، وهو ما حث فياض على التحذير من عدم كفاية المخزون النفطي لأكثر من 20 يوماً.

اتجاه المستوردين إلى عدم تحمّل مسؤولية شح الدولار، انعكس على موزعي النفط وأصحاب المحطات، الذين أعلنوا الإضراب هم أيضاً، رفضاً لعدم إيجاد حلّ لأزمة تصريف الليرة مقابل الدولار. فهم أيضاً لا يريدون دفع ثمن الشح، عبر شرائهم المحروقات بالدولار والقبض من الزبائن بالليرة، واضطرارهم للبحث عن الدولار مجدداً لشراء المحروقات من التجار.

وسط هذا المنحى السلبي، تحرك المستوردون للاجتماع مع رئيس الحكومة سعد الحريري. وخلص الاجتماع إلى فك الإضراب ومواصلة الشركات المستوردة تسليم المحروقات بالليرة اللبنانية. وبالنسبة إلى مخزون الشركات، سيتم تأمين كلفتها بالدولار على أن تُسلم للموزعين والمحطات بالليرة اللبنانية.

رفض تجميد الأموال
من المؤكد أن أصل الأزمة متفق عليه. فالدولار غير متوفر بسهولة والمصارف لا تفرّط به. حتى أن المواطنين الأفراد باتوا يستصعبون التخلي عن الدولار، تحسباً لما قد يحصل مستقبلاً. لكن هل يستدعي واقع الحال عدم تطبيق قرار مصرف لبنان، وهو الذي شكّل منذ اتخاذه خطوة أولى نحو حل الأزمة في القطاع النفطي؟

تنفي مصادر مصرفية في حديث لـ"المدن"، أن يكون سبب اعتكاف مستوردي النفط، عدم وضوح قرار المصرف المركزي أو عدم إمكانية تطبيقه، أو حتى وجود قرار بعدم التطبيق. وتؤكد أن "كل ما في الأمر هو عدم رغبة المستوردين تجميد مبلغ مالي يوازي قيمة المبلغ المدفوع للإستيراد، وذلك إنفاذاً لقرار مصرف لبنان".

وللتوضيح، طلب المصرف المركزي إيداع على الأقل 15 بالمئة من قيمة كل اعتماد مستندي مطلوب بالدولار، و100 بالمئة من قيمة الاعتماد المستندي المطلوب بالليرة.
يتذرع أهل القطاع النفطي بعدم قدرتهم على تجميد مبلغ والشراء بآخر، فهذا يزيد من الضغط المالي عليهم. كما ان التجميد يلزمهم تأمين الدولار، فالاستيراد بالليرة غير ممكن، فضلاً عن أن سعر صرف الليرة بات متقلباً، ما قد يرتّب على المستوردين خسائر فيما لو انخفض سعر الصرف. لذلك، لا يجد هؤلاء سوى السير في خيار إيداع الدولار والاستيراد به، وفي الحالتين، الدولار غير متوفر بكثرة في السوق.

استعملوا أموالكم
هذه الحيثية التي ينظر المستوردون من خلالها إلى القطاع النفطي، غير منطقية حالياً. فالمستوردون يملكون حسابات مصرفية بالدولار وفوائدها تصدر بالدولار، ما يعني أنهم يملكون الدولار في حساباتهم، فلماذا لا يشترون النفط بواسطتها؟ ومن المعلوم أن أزمة شح الدولار وامتدادها إلى القطاع النفطي لم تتعدَّ الشهر، أي أن الحديث عن خطورة تتهدد القطاع النفطي ما زال مبكراً. لذلك يستطيع المستوردون سحب الدولار من حساباتهم وشراء النفط، لأن هذا هو عملهم قبل الحديث عن شح الدولار.

وفي السياق، تذهب المصادر المصرفية إلى حدود اعتبار قرار مصرف لبنان ترفاً لصالح المستوردين، لأنه ليس من شأن المصارف المركزية إيجاد مثل هذه الصيغ "فلم يعد ينقص المصرف المركزي سوى استيراد النفط بطريقة مباشرة وتوزيعه في السوق". ومع ذلك، لا تقف المصادر ضد قرار المركزي، بل تدعو المستوردين إلى تحمل الواقع كما يفعل كل اللبنانيين، وفي حال حصول متغيرات أخرى، يُبنى على الشيء مقتضاه، وليتوقفوا حينها عن بيع النفط بحجة عدم تأمين الدولار.

وتدافع المصادر عن الجانب المتعلق بإيداع الأموال لدى مصرف لبنان "لأن الإيداع يبيّن حجم الكمية المستوردة، والتي يجب أن تخصص للاستهلاك المحلي. فيما عدم الإيداع يعني غياب الرقابة على الكميات المستوردة، وهو ما يعزز إمكانية تهريب جزء من المحروقات إلى سوريا".
وفرضية التهريب ليست موجهة بالضرورة ضد المستوردين، وليست اتهاماً لهم بالتهريب، لكن "مصرف لبنان يحق له طلب ضمانات معينة لقاء تأمين الدولار حتى لا يستنزف احتياطاته بالعملة الأجنبية".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024