سوريا تُعاقب لبنان: المرور بأراضينا مُكلِف

خضر حسان

الأربعاء 2019/03/13
نجح المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، في تشرين الأول 2018، في التخفيف من حدة موقف النظام السوري من بعض الأطراف في الحكومة اللبنانية، وتداعياته، التي وصلت الى حد تلويح النظام (بشكل غير رسمي) بعدم السماح للبضائع اللبنانية بالعبور من الأراضي السورية بإتجاه الأردن، عن طريق معبر نصيب، ومنه الى الخليج والعراق. لكن تليين الموقف السوري لم يكن بالمجّان، إذ رفع النظام نسبة التعرفة التي يتقاضاها على كل شاحنة لبنانية تعبر الأراضي السورية، ما أدى الى رفع كلفة التصدير.

محاولة لخفض التعرفة
استبشر المزارعون والتجار خيراً حين فتح معبر نصيب أبوابه. فبعد ثلاثة أعوام من الإغلاق، أجبرت التجار على التصدير بحراً، وتحمّل ارتفاع الكلفة، وهو ما انعكس سلباً على القدرة التنافسية للمنتجات اللبنانية، التي عانى بعضها من الكساد، نتيجة عدم القدرة على التصريف والتصدير.. كان معبر نصيب بمثابة إعادة ضخ دم جديد في أوعية التصدير اللبناني.

الفرحة لم تكتمل، إذ سرعان ما أضاف النظام السوري نسبة 8 في المئة إلى المعادلة، التي يتقاضى بموجبها رسم مرور على كل شاحنة لبنانية تعبر أراضيه باتجاه الأردن. فالنظام يتقاضى حالياً رسماً وفق معادلة تحتسب وزن الشاحنة مع عدد الكيلومترات التي ستقطعها الشاحنة داخل الأراضي السورية، يُضاف إليها 10 في المئة بعد أن كانت 2 في المئة قبل إغلاق معبر نصيب.

وعليه، زادت التعرفة على كل شاحنة، بنحو 800 دولار، مقارنة مع ما كانت عليه قبل العام 2015. وإلى جانب التعرفة الرسمية، يُضطر سائقو الشاحنات (وبالتالي التجار) إلى دفع "خوَّات" على صورة تكاليف إضافية، تُدفع لعناصر أمنية وغير أمنية، لتسهيل مرور الشاحنات. ما يرفع كلفة عبور كل شاحنة، إلى نحو 1000 دولار، مقارنة مع الفترة السابقة.
إثر ذلك، يعتزم وزير الزراعة حسن اللقيس زيارة سوريا، في الأيام المقبلة، لمحاولة التوصّل إلى حل مع النظام السوري، يُخفف العبء عن التجار اللبنانيين، حتى وإن لم يتراجع الجانب السوري إلى حدود ما قبل إغلاق المعبر.

خِداع سوري
حجم ما يُدفع في سوريا لقاء عبور كل شاحنة لبنانية، يؤشّر إلى ما هو أبعد من الإجراءات الاقتصادية، لأن الزيادة الأردنية لم تتعدَّ 200 دولار على كل شاحنة لبنانية تمر ترانزيت، وفي السعودية هناك تعرفة تصل إلى 5 في المئة، وكذلك النسبة نفسها في الإمارات. فالإجراءات السورية تحمل أبعاداً سياسية واضحة، حاولوا إخفاءها لبعض الوقت، والإيحاء بأن زيارة إبراهيم رطّبت الأجواء وجعلت النظام أكثر انفتاحاً تجاه لبنان، فيما الحقيقة كانت أن النظام "ورّط" لبنان أكثر في لعبة الانقسام السياسي حول الموقف من العلاقات مع سوريا. وأكّد لخصومه أن قنواته ما زالت مفتوحة مع لبنان عبر حلفائه، وأن أي تواصل بَرّي مع المحيط العربي، لا يتحقق إلاّ من خلال السعي لإرضاء سوريا. ومن يريد المكابرة، فليتحمّل التكلفة والمسؤولية أمام المزارعين والتجار اللبنانيين. 

كما ان استقبال النظام لوزراء من جهات سياسية حليفة له، يُقوّي موقف تلك الجهات أمام جمهورها، ويُظهرها بصورة المنقذ، سياسياً واقتصادياً. وهو ما ترجَمه وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية، حسن مراد، يوم الاثنين 11 آذار، حين "غرّد" عبر موقع تويتر قائلاً: "إن ما سمعناه من المسؤولين السوريين، حول نيتهم تسهيل عبور الصادرات اللبنانية إلى البلاد العربية عبر سوريا، يعيد الأمل بانتعاش الإقتصاد اللبناني. ‏من مصلحة لبنان التعاون والتواصل والتآخي مع سوريا وشعبها، ولا مفر من ذلك، عاجلاً أم آجلاً. فليكن عاجلاً، لنتجنب المزيد من الدمار الاقتصادي".

انطلاقاً من ذلك، يريد النظام السوري لزيارة اللقيس أن تُنتج بوادر إيجابية، قد تتمثّل بتخفيض نسبة التعرفة، كمدخل لجر لبنان إلى مزيد من التواصل، لتحقيق أكبر قدر من تخفيض كلفة عبور بضائعه للأراضي السورية. غير أن اللقيس ينفي أن تكون لزيارته أهداف سياسية، وإنما محصورة في "مسألة الكلفة العالية لتصريف الإنتاج اللبناني عبر معبر نصيب".

المعاملة بالمثل
تتوافق رغبة اللقيس مع رغبة المزارعين اللبنانيين، بإيجاد حلول تحمي إنتاجهم وتُصرّف بضائعهم، وفي مقدّمتها تطبيق روزنامة زراعية ومكافحة التهريب. كما تصب مفاعيل زيارة الوزير، في حال نجاحها، في صالح التجار الذين يطالبون بفصل السياسة عن الاقتصاد، وهو ما يتقاطع مع الرغبة السورية، لأن الفصل يعني تواصل الحكومة اللبنانية مع النظام، حتى وإن كان الهدف اقتصادياً. فالنتيجة تعني اعتراف الأطراف اللبنانية كافة بالنظام السوري، أو إبقاء الوضع الاقتصادي للتجار على ما هو عليه، فالخاسر الأكبر هو لبنان، خصوصاً وأنه لا يُطبّق سياسة التعامل بالمثل، أي فرض رسوم مرتفعة على عبور الشاحنات السورية إلى أراضيه، أو حتى عبور سيارات نقل الركاب، وهو إجراء يمكنه أن يكون مدخلاً للضغط على النظام السوري من دون تقديم التنازلات السياسية له.

بالإضافة إلى فرض الرسوم، يمكن للبنان التوقف عن استيراد البضائع السورية، خصوصاً الزراعية منها، كإجراء موازٍ للإجراء السوري. وكان وزير الزراعة السابق غازي زعيتر، قد امتنع مطلع العام 2018، عن إعطاء إجازات استيراد للخضار والفواكه السورية، ما أثّر سلباً على المنتجات السورية، التي لم تكن تسلك خط العراق بسبب ارتفاع كلفة التصدير حينها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024