البنك الدولي: إعمار مرفأ بيروت ينتظر "إصلاح الموانئ اللبنانية"

عزة الحاج حسن

الثلاثاء 2021/01/05
ليس انفجار مرفأ بيروت المأساوي وحده ما أفقد المرفأ وقطاع الموانئ عموماً دوره الأساسي كعنصر محفّز للتنمية الاقتصادية في البلاد، نظراً لعدم قدرته على ضمان عمليات آمنة وفعالة. فالإخفاقات على مدار السنوات في إدارة مرفأ بيروت ليست سوى نتيجة مباشرة لسوء الإدارة وغياب أنظمة الحوكمة الصالحة، والتي تم اعتمادها في ظل فراغ قانوني، وهي تتبع نهجاً يعكس الواقع السياسي والاقتصادي المعقّد في البلد. وبالتالي فهي تتعارض مع العديد من الممارسات الفضلى المعترف بها عالمياً.

انطلاقاً من ذلك المشهد غير المجدي، ونظراً لأهمية مرفأ بيروت كبوابة رئيسة للتجارة الخارجية للبنان، أعد البنك الدولي وثيقة تحت عنوان "إصلاح وإعادة بناء قطاع الموانئ في لبنان: الدروس المستفادة من الممارسات العالمية" مشدّداً فيها على أن إصلاح قطاع الموانئ في لبنان يُعد شرطاً أساسياً لإعادة بناء مرفأ بيروت على نحو أفضل ولتنشيط الاقتصاد اللبناني.

وقدّم البنك الدولي من خلال الوثيقة الإرشادات إلى صانعي السياسات بشأن المتطلبات الإضافية الأساسية لإعادة بناء مرفأ بيروت، ولخّص من خلال الوثيقة التجارب العالمية الفضلى في مجال إصلاح إدارة الموانئ وإدارة الحدود، مقدّماً مجموعة من المبادئ التوجيهية للمساعدة في عملية إصلاح قطاع الموانئ في لبنان، وتمهيد الطريق لإعادة بناء مرفأ بيروت على نحو أفضل. فما هي تلك التوجيهات؟ وأين مرفأ بيروت منها؟

لإصلاح كافة الموانئ
بعد مرور خمسة أشهر على الإنفجار المأساوي، لا تزال هناك حاجة إلى تأمين التوازن بين الإجراءات الفورية اللازمة لتوفير الواردات الحيوية التي يحتاجها لبنان، وبين الفرصة التي تتيحها هذه الأزمة "لإعادة بناء نظام الموانئ في لبنان على نحو أفضل" وتحفيز التجارة والنمو الاقتصادي.

ويعتبر البنك الدولي أن إنشاء إطار مؤسسي متين لقطاع الموانئ يُعتبر شرطاً أساسياً لإعادة بناء المرفأ. ومن شأن إطار كهذا أن يمهّد الطريق لإعادة بناء مرفأ حديث وشفّاف وفعّال، ويساهم في استعادة ثقة المجتمع اللبناني ومستخدمي المرفأ في قدرته على تعزيز النسيج الاقتصادي، والمساهمة في التغلب على الأزمة الاقتصادية في البلاد.

أما بالنظر إلى واقع الحال في لبنان، فيرى مصدر مطلع على عمل المرافئ، في حديث إلى "المدن"، أن مشروع إصلاح القطاع المرفئي في لبنان هو مشروع استراتيجي حساس يستلزم الكثير من الوعي لدى السلطات السياسية. وهو أمر صعب الحصول حالياً، لاسيما أن المرافئ في كافة المناطق محسوبة على أطراف سياسية وطوائف، وتحكمها زُمر وأطياف وليس موضوع مأسستها بالأمر السهل، من هنا يصعب ربط إصلاح مرفأ بيروت بكامل المرافئ.

إصلاح مرفأ بيروت
أما إصلاح العمل بمرفأ بيروت، وهو الأكثر إلحاحاً في الوقت الحالي، فمن المقرر أن يبدأ بعد انتهاء شركة خطيب وعلمي للهندسة من وضع الخطة الرئيسية أو الـmaster plan لاستعادة العمل بكامل مرفأ بيروت وتوسيع إمكان الإستفادة من مساحات إضافية. ووفق الرئيس المدير العام لادارة واستثمار مرفأ بيروت، باسم قيسي، في حديث إلى "المدن"، فإن الشركة تقوم حالياً بتحديث الخطة التي كانت وُضعت قبل انفجار 4 آب، وعند الإنتهاء من تحديث الخطة ستباشر إدارة المرفأ بإطلاق المناقصات، أو العمل على الإستحصال على دعم لإصلاح المرفأ. ويشدد قيسي على أن الحديث عن إعادة إعمار مرفأ بيروت غير دقيق. فالمرفأ يعمل اليوم بنحو 70 في المئة من قدرته. إذ أن نحو 70 في المئة من مداخيل مرفأ بيروت تعود إلى محطة الحاويات، وهي ناشطة اليوم بنسبة 100 في المئة. أما الـ30 في المئة الباقية فتعود لعمل المستودعات في المنطقة الحرة، والجنرال كاربو.

كلام قيسي يلتقي مع حديث رئيس الغرفة الدولية للملاحة إيلي زخور لـ"المدن". في حين يرى الأخير أن لا إمكانات لإعادة المرفأ إلى سابق عهده وانطلاقه من جديد وإدارته كما يلزم، سوى عن طريق عقد BOT من تجمع كونسورتيوم شركات خاصة أو شركة عالمية أو دولة. فلا جدوى من إعادة المرفأ إلى كنف الدولة، وهي مفلسة وغير مؤهلة لإدارته كما القطاع الخاص.

ووفق الدراسة المحدثة التي تعمل على إنجازها شركة خطيب وعلمي، سيتم استحداث جوانب أخرى في المرفأ، ووضع إجراءات جديدة من شأنها زيادة عمل المرفأ وإنتاجيته. ووفق تقديرات القيسي، قد لا تتجاوز تكلفة الإصلاحات بحسب الدراسة قيمة 350 مليون دولار.

حوكمة وشفافية
أما بحسب البنك الدولي، فإن عملية إعمار مرفأ بيروت تتطلب العديد من الركائز التنظيمية والشفافية، ولا تقتصر العملية على الإصلاحات التقنية. وحسب وثيقة البنك الدولي، تتطلب إعادة إعمار المرفأ: نظام جديد للحوكمة قائم على نموذج المرفأ المالك (landlord port model)، وإجراءات فعالة وحديثة على مستوى الجمارك ووكالات إدارة الحدود والتجارة، تساهم بشكل أساسي في معالجة قضايا الشفافية والقدرة على تقدير سير الإجراءات وحفظ الأمن، ومناقصات شفافة لاختيار المستثمرين والمشغلين وأصحاب الامتياز، وبنية تحتية ذات جودة تعتمد على استراتيجية وطنية لقطاع الموانئ ومخطط رئيسي منقّح لمرفأ بيروت.

وقد علّق ساروج كومار جاه، المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي بالقول: هناك حاجة إلى استراتيجية جديدة لقطاع الموانئ لتحسين بنيته التحتية في جميع أنحاء لبنان، وتوفير الخدمات على أعلى المستويات والمساهمة في تحسين حركة العبور والتجارة. إن إعادة البناء على نحو أفضل تعني إعادة النظر في موقع وحجم مرفأ بيروت، وإعادة التوازن في الأدوار والاستثمارات في الموانئ الأخرى والبنية التحتية اللوجستية باستخدام نهج الممر الاقتصادي لتمكين لبنان من الاستفادة من الفرص المستقبلية في المنطقة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024