صواريخ "بائتة" و"أبابيل" في مواجهة الدرون

منال نحاس

الثلاثاء 2018/07/10
قبل أيام تصدت الدفاعات الجوية في قاعدة حميميم الروسية في سوريا لهجوم طائرة من غير طيار، درون. ومرّ هذا الخبر مرور الكرام من دون أن يستوقف المراقبين. ولكن هجوماً أوسع وقع في مطلع العام الجاري على قاعدتي طرطوس وحميميم الروسيتين، استوقف الخبراء العسكريين في عدد من المواقع الاميركية والروسية، وسلط الضوء على خطرها.

ويبدو أن التصدي لسلاح من القرن الحادي والعشرين يقتضي الجمع بين خبرات راكمها الانسان القديم في الصيد، مثل رصد الكواسر والاحتماء بظل الأشجار، من جهة، وبين تكنولوجيا القرن العشرين والحادي والعشرين، من جهة أخرى. فخطر طائرات الدرون الصغيرة أو "أبابيلها" تعاظم. وكتب موقع "ذي درايف.كوم" أن الجيش الاميركي يسارع الى زيادة قدراته الدفاعية القصيرة المدى. لذا، ينفض الغبار عن صوايخ "ستينغر" المحمولة على الكتف والتي مدّ بها المجاهدين الافغان في الثمانينات في الحرب على السوفيات. ووسع "المجاهدين الافغان" إسقاط نحو 270 طائرة ومروحية بصواريخ "ستينغر"، بحسب وكالة "سبوتنيك" الروسية.

و"العودة الى ستينغر، يردم هوة حفرها الجيش (الاميركي) نفسه (حين استغنى عن ستينغر)، وهو يقر اليوم بالثغرات والشوائب الناجمة عنها"، يقول اللوفتانت كولونيل آرون فلتر. ويبدو أن الجيش الاميركي يعود على بدء أو الى "الأسس" الدفاعية في فرق المناورة، على قوله. وكان الجيش هذا درج على تزويد مثل هذه الفرق بصواريخ ستينغر في الفصل الاخير من الحرب الباردة، وطوى استخدامها في التسعينات مع تبدد خطر هجمات الاعداء الجوية وانهيار العدو اللدود، الاتحاد السوفياتي.

لكن، والحق يقال، لم يكتفِ الجيش الاميركي بالعودة الى هذه الطائرة "زيّ ما هي"، ولم يتركها من دون تعديل وتطوير في سبيل مجابهة طائرات بلا طيار. فأضاف إليها نوعاً من صمامات محملة أجهزة استشعار ورادارات تلف رأس الصاروخ لتوجيهه الى الهدف وتحدد كذلك موعد انتهاء صلاحيته. وبدأ الجيش الاميركي تدريبات على استخدام هذه الصواريخ مع الحلفاء في أوروبا مطلع العام الجاري، ويُعد 600 فرقة لاستخدام وسائل الدفاع الجوي القصيرة المدى. ولكن الاميركيين لن يكتفوا بهذه الصواريخ، فهي ليست "الحل" النهائي بل هي حل موقت أو مرحلي، على قول موقع "ذي وور زون". لذا، يطور مركبات مجهزة بأسلحة الكترونية ولايزر وصواريخ ومسدسات تقليدية. وعدل قاذفة محمولة على مركبة وزودها بمنظومة دفاعية ضد الطائرات من دون طيار، وبدأ اختبارها في أوروبا.

ويبدو أن الدرون، منعطف في الحروب غير المتكافئة، وفي حروب المنظمات المسلحة التي ليست بدولة. ففي وقت أول، كانت طائرات الدرون سلاحاً أميركياً بامتياز، يتوسل به الجيش الاميركي حين "تصفية" الاعداء من تنظيمات مثل "القاعدة" أو "طالبان" في باكستان وأفغانستان. وكان هذا السلاح فتاكاً، ويخبط أحياناً خبط عشواء فيُخطئ الهدف ويصيب حفلة زفاف أو تجمع فلاحين. وكان السلاح الرئيسي في الحرب "النظيفة"، أو الحرب "صفر خسائر" (بشرية)، على ما سميت. لكن مع ذيوع التكنولوجيا ودمقرطتها، برز الدرون كخطرا لا تمسك بمقاليده الجيوش التقليدية فحسب، وصار في متناول الهواة والارهابيين أو "المتمردين" أو "الثوار" وعصابات الجريمة المنظمة.

واليوم، في وقت يدور الكلام عن شراء تركيا منظومة الدروع الصاروخية الروسية "اس – 400"، ومخاطر تسلل روسيا الى منظومة الناتو في هذا البلد، يُغفل أن مثل هذه الدرع باهظ الثمن، غير ناجع، إلا في مواجهة أسلحة تقليدية مثل الطائرات "المسيرة" (مع طيار في قمرتها) والصواريخ، سواء كانت محملة برؤوس نووية أم لا. لكن موقع "ذي درايف" أشار أكثر من مرة الى قدرات مجابهة الدرون وأمثالها من المخاطر، المحدودة. فالهجوم المزدوج  الذي تعرضت له قاعدتا حميميم وطرطوس، في كانون الثاني/ يناير الاخير، يظهر قدرات عدد صغير من الطائرات "بيتية الصنع" على خرق أنظمة دفاع متعددة المستويات، منها رادارات جوية تقليدية وأنظمة دفاعية قصير المدى، وأجهزة الحرب الالكترونية.

ويخشى الاميركيون ألا يكون الدرون سلاح "الارهابيين" أو الثوار فحسب. فهم ينبهون الى أن دولاً مثل روسيا والصين قد تلجأ الى الدرون، شأن التنظيمات الارهابية "النامية". ففي عدد تشرين الثاني- وكانون الاول 2017 من "فايرز بولتين"Fires bulletin، تناول الجنرال ماكإنتاير، التكتيكات الروسية في أوكرانيا، والتي تشمل الحرب الالكترونية والدرون وغيرها من الوسائل، وأطلق على هذه التكتيكات اسم "الجيل الروسي الجديد من الحرب". ولا يقتصر خطر الدرون على ما تحمله من متفجرات فحسب، بل تتخطاه إلى قدرات الرصد المتواصل. وانضمت شركات اميركية مثل "بوينغ" و"رايتون"، وشركات اسرائيلية، منها "رافايل"، الى سباق تطوير أسلحة تتصدى للدرون، بعد قضم روسيا القرم في 2014. فالنزاع الروسي – الاوكراني كان وراء قرار "بعث" صواريخ ستينغر من المخازن. فأوكرانيا، شأن روسيا، تلجأ الى الدرون. وبرز دور صواريخ ارض–جو المحمولة على الكتف الحيوي في حرب الانفصاليين الذين تدعمهم موسكو على الجيش الاوكراني. لكن تسريع وتيرة نفض الغبار عن مثل هذه الصورايخ بدأ مع الهجوم الذي تعرضت له روسيا في سوريا. فالجيش الاميركي على ما ينبه موقع "ذي وور زون"، يسعى الى ردم الهوة بين وسائل الدفاع الحالية واحتمالات المخاطر المتفاقمة.

من السينما إلى الصقور "الزاجلة"
وتطور شركة "كلاشينكوف" الروسية مدفع موجات راديو- مغناطيسية، تشوش قنوات توجيه الدرون (أنظمة التوجيه بواسطة الأقمار الصناعية: جي بي أس، وغاليلو، وغلوناس) وقنوات نقل المعلومات، وتزود المدافع هذه بأسلحة كهربائية- مغناطيسية، والأشعة ما تحت الحمراء تسقط الدرون على بعد كيلومترين، على ما أسر الى "روسيا ما وراء العناوين"Russia beyond the headlines في نهاية العام المنصرم، نيكيتا خاميتوف، رئيس مشروع مجموعة "زالا آرو". ويبرز خاميتوف أوجه شبه، بين السلاح هذا، وبين محاكاة ما يجري في الأفلام: "فكما يُبطِل اتصال هاتفي أو رسالة قصيرة، المتفجرة، يطفئ المدفع هذا الاشارات الخارجية الموجهة الى الدرون ويمنح فريق نزع المتفجرات الوقت لنزع فتيل الذخائر". وكما الخيال السينمائي، ينهل الروس وغيرهم من معين خبرات الانسان القديم.

ونقل موقع "ذي موسكو تايمز" عن قوات الأمن الروسية، خبر حيازة الكرملين صقوراً ونسوراً في إمكانها رصد الدرون وصيدها إذا ما حلقت فوق المجال الجوي في وسط موسكو. فجهاز دراسة الطيور الحكومي، ويعود تأسيسه الى 45 سنة خلت، يربي الجوارح منها الصقور والنسور والباز لمواجهة الغربان، ويسعى الجيش الروسي الى الاستفادة من "خبرات الصقور" هذه. ولكن يبدو أن الاستغناء عن طيور الباز مرجح. فـ"وزنها بالغ التدني ولا يسعها رصد طائرات الدرون والتصدي لها ولو كانت بالغة الصغر"، يقول مصدر أمني لوكالة الانباء الروسية، ريا نوفوستي. وسبق أن سعت الشرطة الهولندية الى التوسل بالطيور الجارحة في إسقاط الدرون، قبل ثلاثة أعوام. ولكنها لم تواصل السعي هذا جراء ارتفاع كلفته.

والحيرة أمام الدرون المسلح، وهو سلاح القرن الحادي والعشرين، جلية. فمن استخدام أسلحة حَسِب الخبراء أنها بائتة (صواريخ ستينغر) إلى استخدام أساليب بدائية، البحث جار عن سلاح فعال يرجح أن يؤذن بفصل جديد من فصول التسلح والحرب.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024