أزمة الموز في سوريا: دعوات لفرض قانون طوارئ اقتصادي

المدن - ميديا

الإثنين 2020/06/29
ربما لا توجد سلعة ترتبط بمعنى الحياة في سوريا الأسد أكثر من الموز، الذي كان في ثمانينيات القرن الماضي حلماً للسوريين بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتحول بعد انخفاض أسعاره مطلع التسعينيات إلى مرادف لكل ما هو نفيس لدرجة جعله مقياساً للأسعار في اللغة الدارجة بالقول "أغلى من الموز"، وبات اليوم مجدداً رمزاً للأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام، بعد نحو 10 أعوام على انطلاقة الثورة السورية التي طالبت بالديموقراطية والتغيير السياسي وقوبلت بالرصاص الحي وسياسة الأرض المحروقة.

وانتشر جدل في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الإعلام الرسمي على حد سواء، بعدما عاد الموز ليصبح سيد السلع، مع ملامسة الكيلو منه سعراً قياسياً بنحو 11 ألف ليرة سورية، ما يعادل نحو 5 دولارات بحسب أسعار الصرف المتقبلة في السوق السوداء. فيما تحدثت تقارير إعلامية عن أن الموز بات سلعة نادرة في الأسواق أصلاً، بالتوازي مع أنباء عن منع أحد المستوردين في اللاذقية من إدخال شحنة من الموز إلى الأسواق، يبلغ حجمها 100 طن، ليضطر إلى تحويلها الى الأسواق اللبنانية، علماً أن رجل الأعمال المقرب من النظام محمد الجود يحتكر استيراد الموز ويتحكم بسعره في البلاد منذ عقود.

واللافت أن الإعلام الرسمي تعامل مع المشكلة من باب الترويج لسياسة طوارئ اقتصادية، عبر المقارنة مع فترة الثمانينيات التي شهدت حصاراً على سوريا بالتزامن مع القرار الذي اتخذه الرئيس السابق حافظ الأسد بالوقوف إلى جانب إيران ضد العراق، ما أدى ذلك إلى توقف المساعدات المالية الخليجية، وبداية أزمة اقتصادية خانقة تضاعفت أثارها على السوريين بالقرار الذي اتخذه النظام بوقف عمليات الاستيراد للكثير من المواد الأساسية بحجة الحفاظ على القطع الأجنبي، مع رفع شعار تحقيق الاكتفاء الذاتي، ما أنعش أعمال التهريب مع الدول المجاورة.

ويكرر خبراء اقتصاديون استغرابهم من أن النظام يعتقد أنه قادر على أن يدير الاقتصاد السوري كما حدث في حصار الثمانينيات الاقتصادي، حيث كانت سوريا تتمتع بحالة من الاكتفاء الذاتي، على الأقل من ناحية المواد الأساسية، بعكس حالته اليوم والتي يحاول الإعلام الرسمي الكذب بشأنها رغم وجود تصريحات رسمية تظهر الواقع الاقتصادي الهش، بما في ذلك تصريح عضو لجنة تجارة سوق الهال أسامة قزيز، قبل أيام، بأن "الدولة السورية" لا تستورد الكماليات بل تسعى لاستيراد المواد الأساسية ومنها البصل.

ويكشف هذا التصريح نوعية التضليل الذي يمارسه الإعلام الرسمي، بما في ذلك الافتتاحية التي كتبتها صحيفة "الثورة" واعتبرت فيها الموز سلعة كمالية لا يجب على الناس السؤال عنها، وجاء فيها: "في الثمانينيات كنا نحتاج الأساسيات ولم تكن الكماليات في حياتنا، أما اليوم فإننا ننتج كل الأساسيات وبما يكفي الاستهلاك، ولكن أيضاً توجد كل الكماليات ولم تغب عن أسواقنا أي مادة أو سلعة بل حضرت منتجات وأصناف جديدة إلى أسواقنا...".

واللافت أن الافتتاحية التي كررتها صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، بما بدا أنه توجيه رسمي كما جرت العادة في البلاد، دعت إلى فرض "قانون طوارئ اقتصادي يتعامل مع السلع المستوردة والتي لها مقابل محلي ومع الكماليات والمواد غير الأساسية على أنها ممنوعات، كما يجب أن يتم تغيير الأنماط الاستهلاكية لهذه الشريحة حصراً لأن بقية الشرائح غيرت أنماط استهلاكها نتيجة ارتفاع الأسعار وعجزها عن الشراء حتى وصلت لمرحلة المفاضلة بين الأساسيات"، في إشارة إلى الموز تحديداً بوصفه واحداً من "الفواكه الغريبة عن نمط استهلاكنا" والذي "يمكن الاستغناء عنه".

ولعل المشكلة الأساسية في هذه السردية، أنها تدعو للتوفير والتقشف كأسلوب للحياة في ظل الفقر الممنهج الذي يفرضه النظام السوري، إلى جانب أنها تتصور إمكانية تقديم السلطة للحل رغم أن السلطة نفسها تتحمل المسؤولية على الانهيار الحالي. والأسوأ ربما أنها تميل ضمناً إلى لوم السوريين أنفسهم على ما وصلت إليه حال البلاد، بالقول أن السوريين عمدوا إلى خيارات اقتصادية غير حكيمة يجب تصحيحها اليوم بموازاة الصبر والابتكار في الاحتجاج ضد جشع التجار.

وكانت وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة، حذرت قبل أيام من أن سوريا تواجه أزمة غذاء غير مسبوقة، حيث يفتقر أكثر من 9٫3 مليون شخص إلى الغذاء الكافي في وقت قد يتسارع فيه تفشي فيروس كورونا بالبلاد رغم أنه يبدو تحت السيطرة الآن. وقالت أكغمال ماغتيموفا، ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أنه بعد تسع سنوات من الصراع المسلح، يعيش أكثر من 90 في المئة من سكان سوريا تحت خط الفقر البالغ دولارين في اليوم، بينما تتزايد الاحتياجات الإنسانية، حسبما نقلت وكالة "رويترز".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024