طهران تعترف بقتل المتظاهرين.. وشيطنة إضافية للسنّة والنساء

المدن - ميديا

الثلاثاء 2019/12/03
أقر التلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء، بأن قوات الأمن أطلقت النار وقتلت من وصفتهم بـ"مثيري شغب" في مدن عديدة، وسط احتجاجات ضد رفع أسعار الوقود، وهي المرة الأولى التي تتحدث فيها السلطات عن العنف الذي استخدم لإخماد التظاهرات.

جاء هذا الاعتراف خلال تقرير انتقد تغطية قنوات تلفزيونية دولية ناطقة باللغة الفارسية، للأزمة التي بدأت في 15 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حسبما نقلت وكالة "أسوشييتد برس".

وفيما قالت منظمة العفو الدولية "أمنستي" الاثنين، أن ما لا يقل عن 208 متظاهرين قتلوا في إيران خلال الاحتجاجات المناهضة لرفع الحكومة أسعار الوقود والحملة الأمنية التي أعقبت خروج تلك الاحتجاجات، رفضت بعثة إيران في الامم المتحدة تقرير المنظمة صباح الثلاثاء، رغم أن طهران لم تقدم دليلاً لإثبات مزاعمها.

ولم تصدر إيران أي إحصاءات حول الاضطرابات التي اجتاحت الجمهورية الإسلامية مع ارتفاع أسعار الوقود المدعوم من الحكومة بنسبة 50 في المئة. وحجبت إيران الإنترنت في خضم الاضطرابات، وهو ما منع متظاهرين من نشر مقاطع فيديو ومعلومات عن الاحتجاجات، كما منع العالم الخارجي من معرفة حجم الاحتجاجات والعنف. وبعد إعادة الخدمة في الأيام الماضية بمعظم أنحاء البلاد، نشرت بعض المقاطع.

وقالت منصورة ميلز، الباحثة الإيرانية في "أمنستي": "رأينا أكثر من 200 شخص قتلوا في وقت سريع للغاية، خلال أقل من أسبوع هذا حدث لم يسبق له مثيل في تاريخ انتهاكات حقوق الإنسان في الجمهورية الإسلامية".

وفي حين لم تجتذب هذه الاحتجاجات أعداداً كبيرة من الايرانيين كما حدث في الاحتجاجات على انتخابات الرئاسة العام 2009 المتنازع عليها، إلا أن هذه الاحتجاجات تحولت الى أعمال عنف أسرع من اي احتجاج سابق، ما يظهر انتشار الاستياء جراء الاحوال الاقتصادية المتردية في البلاد منذ أيار/مايو 2018 عندما فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات ساحقة على البلاد بعد انسحابه أحادياً من الاتفاق النووي المبرم مع ايران وقوى عالمية في 2015.

وسعى تقرير التلفزيون الرسمي لوصف عمليات القتل في أربع فئات، زاعماً أن بعض القتلى "كانوا مثيري شغب هاجموا مراكز عسكرية او حساسة بأسلحة نارية او مدى، او خطفوا رهائن في بعض المناطق". كما وصف التقرير آخرين قتلوا بأنهم كانوا من المارة او رجال الأمن أو المتظاهرين السلميين، من دون القاء اللوم على اي جهة في مقتلهم.

وذكر التقرير أنه في احدى الحالات واجهت قوات الأمن مجموعة انفصالية في مهشهر مسلحة بأسلحة متوسطة. وأضاف: "لساعات قام مثيرو شغب مسلحون بأعمال عنف. وفي مثل هذه الظروف اتخذت قوات الأمن إجراءات لإنقاذ حياة الناس في مهشهر".

وتقع مهشهر في محافظة خوزستان جنوب غرب البلاد، ويعتقد أنها الأكثر تضرراً في حملة الملاحقة. وكثيرا ما اشتكى السكان العرب في الولايات الغنية بالنفط من التمييز ضدهم من جانب الحكومة. واظهرت تسجيلات مصورة نشرت عبر الإنترنت ويقال أنها من المنطقة، احتجاجات سلمية، إضافة الى اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الامن.

وأشارت وسائل إعلام أميركية، الأسبوع الماضي، إلى أن طريقة تعامل الإعلام الحكومي مع الاحتجاجات، تميزت بإلقاء اللوم هذه الاضطرابات على مجموعات الأقليات، في محاولة منها لتبرير تضييق الخناق عليهم أكثر، في وقت وصف فيه بعض المسؤولين الاحتجاجات بالمؤامرة المعادية بقيادة الولايات المتحدة ومساعدة من مجموعات المعارضة المنتمية إلى الأقليات، مثل الأكراد في الشمال الغربي وعرب الأهواز في الجنوب الغربي.

هذه الرواية على ما يبدو تبرر العنف الذي كشف عنه تقرير التلفزيون الإيراني الأخير. ونقلت إذاعة "صوت أميركا" عن كمران ماتين، الباحث الإيراني بجامعة ساسكس والمقيم في بريطانيا، أن المسؤولين الإيرانيين يتهمون علناً عناصر من المعارضة الكردية بالعمل مع وكلاء للولايات المتحدة وإسرائيل. مضيفاً أن تلك الحملة هي محاولة لاستقطاب القوميين الإيرانيين والمخلصين للنظام. وقال: "في الظروف الحالية، سيكشف النظام الإيراني على الأرجح عن أقسى أساليبه القمعية ضد الأكراد، كوسيلة لترهيب بقية الشعب الإيراني وإجباره على الإذعان"، مضيفاً أن الحكومة استمرت من قبل في إلقاء اللوم على الأقليات محاولة نزع الشرعية من الحركات الشعبية.

من جهته، قال رامان غافامي، المحلل المقيم في لندن، أن السلطات الإيرانية تحاول خلق رواية لصرف انتباه المواطنين عن القضايا الأكثر إلحاحاً المتعلقة بسوء الإدارة الاقتصادية وتفشي الفقر، من خلال تصوير المتظاهرين كوكلاء أجانب. وبحسب تقرير "أمنستي"، وقعت أكثر من نصف الخسائر المبلغ عنها في المناطق الكردية. ويبين هذا مدى خوف النظام من الأكراد واحتمال تزعمهم للاحتجاجات.

ويزيد التعداد السكاني في إيران عن 80 مليون نسمة، ويغلب فيها العرق الفارسي، وتعد ديانتها الأساسية هي الإسلام وخصوصاً المذهب الشيعي. ويحتضن البلد ملايين الأقليات العرقية الدينية، مثل الأكراد وعرب الأهواز والآذريين والبلوش. وقال باباك تاغفاي، المحلل الإيراني المقيم في مالطا، أنه بالإضافة إلى الأكراد، يلقي المسؤولون الإيرانيون باللوم أيضاً على عناصر من عرب الأهواز المتواجدين في محافظة خوزستان الغنية بالموارد في الجنوب الغربي. وقد اتهم المسؤولون الإيرانيون في الماضي، السعودية والمجموعات السنية المتطرفة، مثل تنظيم "داعش"، بمحاولة وضع أقدامهم في المنطقة، كمبرر استباقي للعنف ضد سكانها.

وأوضح تاغفاي أن الحكومة تحاول دائماً تصوير المنطقة في الإعلام الحكومي على أنها معقل للإرهاب، حيث "يظهر شباب الأهواز على شاشات التلفزيون ويتم تقديمهم بوصفهم وكلاء للمنظمات المسلحة المتطرفة سيئة السمعة، ويتلقون التدريبات والتمويل والأوامر من أعداء إيران لإثارة الاضطرابات"، فيما قال شاهد علوي، الصحافي والخبير المقيم في واشنطن الذي يتابع عن كثب التطورات في إيران، أن الحملة التي شنتها الحكومة لإنهاء الاحتجاجات هذا الشهر استهدفت أيضاً الناشطات الإناث اللواتي قدن الحركات النسائية في الدولة المحافظة.

وبحسب المعلومات المتداولة، اعتقلت السلطات في الأيام الأخيرة عشرات الناشطات الإناث، "ويبدو أن السلطات تضيف النساء إلى القائمة الجديدة من أعداء الدولة، من خلال وصفهن بالعناصر التخريبية وذكر دور القائدات النساء في الانتفاضة الأخيرة". حيث أذاعت وسائل الإعلام الحكومية الأسبوع الماضي، تقريراً يحدد سمات الناشطات الإناث اللواتي قدن المتظاهرات. ويأتي التقرير في أعقاب برنامج تلفزيوني آخر، أظهر امرأة كردية تدعى فاطمة دافاند، وهي "تعترف" بأنها تم استئجارها من جانب مجموعات معارضة كردية لقيادة المتظاهرات وارتكاب أعمال العنف.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024