سقوط رجالات الأزمة

نور الهاشم

الإثنين 2019/11/11
الاعتقاد السائد بأن الشارع في واد، والخطاب السياسي في واد آخر، هو تصغير لعمق المعضلة التي يعانيها السياسيون، ذلك انهم لا يقيمون في منأى عن المشهد، بل باتوا محاصرين به، ما دفعهم لمحاولة أن يكونوا جزءاً من الثورة المضادة على انتفاضة شعبية، هددت بجرف سمعتهم على الاقل، وستطيح حكماً بعضَ أزلامهم من المشهد السياسي. 

ولم تعبّر الخطابات الرنانة والمؤتمرات الصحافية والتصريحات الاعلامي، حتى الآن، الا عن فرضية واحدة تقول إن هؤلاء تحولوا الى منظّرين بالأزمة والأسباب، ولم يرتقوا بعد الى مستوى الفعل. يتبادلون الاتهامات، ويرمون بثقل الازمة على الآخرين. ولولا ارتفاع موج الاحتجاجات الذي يلزمهم خفض رؤوسهم، فلن يجدوا حرجاً في تحميل الشعب مسؤولية هذه الأزمة. 

بخطاب مكرر، اتهم الامين العام لحزب الله حسن نصر الله اليوم الولايات المتحدة الأميركية بالوقوف وراء أزمة لبنان. البدائل التي طرحها، تتمثل في تغيير وجهة المحور، من الغرب باتجاه الصين أو ايران أو روسيا. وعلى غراره، رمى حاكم مصرف لبنان رياض مسؤولية الأزمة النقدية على "العرض والطلب" في سوق الصرافة الموازية، كما أرجع الأزمة الى السحوبات النقدية التي تعادل في شهرين، ما تم سحبه خلال الأعوام الثلاثة الماضية. 

والحال ان المسؤولين الاثنين، تهربا من أسئلة الشعب الملحة. لماذا لم يتحدثا في الأزمة في الفترة الماضية؟ لماذا لم يعرضا الأسباب قبل اندلاع الثورة؟ هل يبرئهما ذلك من تغطية الفاسدين على الاقل؟ هل يعفيهما من مسؤولية انقاذ البلاد؟ 

لا تقنع الايضاحات، الناس في الشارع، فيما ذهب هؤلاء في مواقع التواصل الى السخرية من ذرائع، لا تخرج من اطار الكلام الممجوج والخطاب المكرر. فالمسؤولون في لبنان، لا يجدون مقاربات لحل الأزمات الا بهذا الصنف من الخطاب الذي يبرئهم، أو يحرف الانظار باتجاه المؤامرات. فسلامة لطالما تحدث عن أن الليرة بخير، ونصر الله لم يفوّت فرصة تدويل الأزمات ليهرب منها باتجاه مفردات الصراع مع اسرائيل. وكلاهما، أداة في دعاية مكررة، تنسحب على كافة السياسيين، وتتباين في المحتوى والمفردات، ولا تقدم ما يرضي الشعب. 

فكل طرف سياسي في لبنان، له مفرداته الخاصة. يتحدث رئيس مجلس النواب نبيه بري باستمرار عن ضرورة تفعيل العمل التشريعي، ويذهب بعيداً في اتجاه مخرج يراه متمثلاً في دولة مدنية، علماً أن البرلمان الذي يرأسه منذ العام 1992، لم يقدم طرحاً جدياً للتحول في اتجاه الغاء الطائفية السياسية واستكمال تنفيذ اتفاق الطائف. 

ولم يفوت رئيس الحكومة سعد الحريري فرصة الكلام عن "نهوض اقتصادي"، وتعزيز الثقة في الاقتصاد اللبناني. علماً ان الرجل الذي يحكم فريقه منذذ العام 2005، لم تسهم حكوماته في تحقيق نقلة نوعية على صعيد الاستقرار الاقتصادي وزيادة العائدات. 

ولم يتوقف وزير الخارجية جبران باسيل عن الحديث عن مكافحة الفاسدين، منذ العام 2009، رغم أن فريق الرجل تحوم شبهات حول انخراطه في صفقات فساد، ويجري التحقق فيها في القضاء إثر استدعاءات قضائية. أما الرئيس ميشال عون، فلم يفوت، منذ العام 2016، فرصة للحديث عن ملف النازحين السوريين بوصفه سبباً في الأزمات الاقتصادية وارهاق ميزانية الدولية وخدماتها، كما لم يفوت فرصة للحديث عن "أكاديمية الإنسان" التي لا تسمن ولا تغني من جوع شعب لبنان العظيم. 

ومثلهم، يتمسك رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، بمفردات متعلقة بسلاح حزب الله والشرعية ومحاربة الفساد، مع ان الحزب شارك في الحكومات الثلاث الأخيرة، الى جانب ممثلين عن "القوات". 

والواقع ان تلك الخطابات المكررة، التي تعبر عن توجهات سياسية بما يتخطى أي آلية لمخاطبة المحتجين في الشارع وتلبية آمالهم وطموحاتهم، سقطت عند أول اختبار جدي في الشارع منذ العام 2005. وإذا كان هؤلاء يقدمون أنفسهم على أنهم رجالات الإنقاذ من الأزمة، فإنهم سقطوا في الأزمة نفسها. رجالات الأزمة تهاووا، وسقطت معهم ذرائعهم الانقاذية وخطاباتهم. ولم يبقَ إلا اعلان وفاة تلك المفردات عند أول تغيير حقيقي يحققه الشارع ويثبته كتحول سياسي في البلاد سيكون الأول في الألفية. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024