الثورة التي أنقذت سعد الحريري

قاسم مرواني

الجمعة 2020/10/23
لم تكن عودة سعد الحريري سهلة، فـ"انتصاره" من وجهة نظر جمهوره، تحقق بعدما دفع الثمن غالياً ولُقّن درساً قاسياً طوال سنوات التسوية مع التيار الوطني الحر، والتي أتت بالمجلس النيابي الحالي ورئيس الجمهورية وسلّمت البلد رسمياً إلى محور الممانعة. 

بدأت تتشكل صورة في ذهن الطائفة السنية، بأن سعد الحريري شخصية ضعيفة، غير قادر على مواجهة حزب الله وجبران باسيل اللذين حولاه إلى دمية ينفذ ما يطلبانه منه. والتخلي الإقليمي عن الطائفة في لبنان، فتح الساحة لخصوم الحريري، ليحصدوا النقاط على حسابه. هذه الصورة لم تكن موجودة لدى الطائفة السنية وحدها، بل ترسخت أيضاً لدى جمهور الخصم الذي ناسبه وجود الحريري الضعيف في رئاسة الحكومة. 

عندما اندلعت الثورة في 17 تشرين، وقفت الطائفة السنية ضد سعد الحريري، نادوا في طرابلس وصيدا والبقاع بسقوطه مع "كلن يعني كلن". أنصاره في طريق الجديدة التزموا الصمت، لم يجرأوا على التحرك، إلا قليلاً. النتيجة أن الثورة أطاحته، ثم ما بدا أنها ثورة ضده، لعبت لصالحه. 

تعلم سعد الحريري درسه جيداً، كان ممسكاً للورقة الأهم، الاقتصاد، مع كل ما يحتاجه نهوضه من علاقات دولية، أوروبية وعربية. ترك خصومه يتناحرون في ما بينهم في حلقة مفرغة، ينتقلون من فشل إلى فشل ومع كل قرار يتخذونه كانوا يعمقون الانهيار أكثر. 

تعاطى في البداية مع السياسة كمسألة شخصية، علاقته بسمير جعجع ووليد جنبلاط منذ العام 2005 غلب عليها الطابع الشخصي، علاقة أخوة وصداقة. تعلم مع الوقت أن السياسة مصالح، وأن الأخوة والصداقة تعقدها المصالح أو تلغيها، تعلم ألا يأخذ النقد على الصعيد الشخصي بل كرسالة سياسية يريد خصومه إيصالها إليه.

كذلك، دخل اللعبة السياسية اللبنانية القذرة بعد الصفعات التي تلقاها إثر التسوية الرئاسية مع التيار الوطني، تعلم معها أن يحمل مطالب الشعب، أن يتحدث بلغة الناس وأن يكذب، أن ينافق للوصول. 

تعلم أن يعقد صفقاته تحت الطاولة. رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" كان رافضاً تسميته لرئاسة الحكومة. وفي مقابلته مع تلفزيون "الجديد" طالب بأن يتمثل في الحكومة متهماً الآخرين بمحاولة إلغائه، عاد لاحقاً ليسمي الحريري بعدما تواصل معه، أي بعدما عقد معه صفقة تحت الطاولة. 

صفقات مشابهة لا بد تم عقدها بين الحريري وحزب الله وحركة أمل والطاشناق، على ماذا تنص؟ هذا ليس شأن العامة، بالنسبة إلى العامة، الجميع متفق على الإصلاح والنهوض الاقتصادي وحماية لبنان. ما تحت الطاولة، يبقى تحتها. تعلم الحريري ألا يظهره إلى العلن كي لا يقيده. 

صمد عاماً كاملاً، متحيناً فرصته للانقضاض، ولا بد أنه لعب دوراً في صب الوقود فوق كل الأسماء السنّية التي أحرقت: حسان  دياب، نواف سلام، مصطفى أديب وغيرهم، كانوا ضحايا، يبنون بأجسادهم جسر عودته، ليس إلى سدة الرئاسة فقط، بل إلى سدة الشعبية والزعامة. 

بعد عام على استقالته وضع خصومه، إثر الانهيار الاقتصادي والعزلة اللبنانية، أمام خيار وحيد: سعد الحريري. وبعدما صمد كل الزعماء في مواقعهم، وتحلّقت كل طائفة حول زعيمها طالبة الحماية، وبعدما بدأ البؤس ينهش لبنان، وجد السنّة أنفسهم أمام خيار وحيد: سعد الحريري. أما انتصاره الكبير فهو شطب اسم جبران باسيل كخيار لدى جميع اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين. 


عاد سعد الحريري مظفراً بعدما كُلّف تشكيل الحكومة الجديدة في الفترة نفسها التي قدم فيها استقالته قبل عام، إثر انتفاضة 17 تشرين. الطائفة السنية التي احتفلت في طرابلس وصيدا وساحة الشهداء في بيروت باستقالته، عادت لتحتفل بعودته، واشتعلت مدن الشمال وبيروت الطريق الجديدة برصاص الابتهاج الذي أدى إلى سقوط إصابات عديدة. فما الذي دفع الجمهور السنّي الى هذا الانقلاب؟



©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024