خيبة أبلة فاهيتا في "نتفليكس".. لقد انتصر السيسي!

وليد بركسية

الإثنين 2021/03/29
ربما لم تنجح سياسة القمع الرسمية التي اعتمدتها السلطات المصرية، اتجاه الدمية المصرية "أبلة فاهيتا"، في إزالة الشخصية المحبوبة تماماً من الفضاء العام، مع لجوء "الأرملة الشاطرة" إلى منصة "نتفليكس" ضمن سلسلة "دراما كوين" الكوميدية. لكن أثر تلك السياسة كان واضحاً في طبيعة أفكار المسلسل المخيبة للآمال، والخالية، ليس فقط من أي نقد ساخر، بل أيضاً من القدرة على الإضحاك، وهي الوظيفة التي كانت "الأبلة" تسعى إليها طوال عشر سنوات.

ومنذ تحولها من فكرة بارعة عبر "يوتيوب" العام 2010 إلى بطلة مسلسل في "نتفليكس"، كانت التوقعات أعلى مما قدمته أخيراً الدمية التي حركها أشخاص مجهولون حينها، مروراً بمشاركتها في برنامج "البرنامج" مع الإعلامي الأشهر في العالم العربي آنذاك، باسم يوسف، وصولاً إلى انطلاق برنامجها الخاص "الدوبلكس" قبل محاربتها ومنعها وحذف أرشيفها. وكانت مسيرتها بالتالي دائماً أقل من الحدود التي يمكن أن تصل إليها، أو تتجاوزها، في بيئة عمل صحية تدعم الإبداع وحرية التعبير.

ويتفاقم الإحساس بوجود طاقات مهدورة ضمن "دراما كوين"، للأسف، حيث تستخدم الأبلة لسانها الحاد لتقديم عباراتها المعتادة التي حفظها الجمهور، من دون سياق متماسك ضمن القصة الهزيلة التي تبدو ساذجة لدرجة أن طفلاً في الخامسة من عمره قد يكون قادراً على كتابة وتأليف ما هو أكثر إثارة للاهتمام. ويتناقض ذلك، إلى حد ما، مع لسان الأبلة في "الدوبلكس" حينما كان الإسفاف و"الشوارعية" أسلوبين يعكسان تناقضاً مع الموضوعات التي تناقشها، اجتماعياً وإعلامياً وفنياً، وبالتالي سياسياً، مع حقيقة أن السياسة في الدول العربية تتدخل في كافة قطاعات الحياة الأخرى. وكان ذلك التناقض بالتالي مدخلاً للسخرية والنقد، بدرجة كافية، وإن كانت أقل مما قدّمه باسم يوسف، بالطبع.

ويمكن القول أن الفراغ الذي تركه يوسف في المشهد الإعلامي العربي، بعد سفره إلى الولايات المتحدة، كان كبيراً. ومن بعده امتدت حملة القمع التي طاولته لأسباب سياسية بالدرجة الأولى، نحو "وريثته" فاهيتا التي تسلّمت مسرحه وقناته وتوقيته، لتقديم برنامجها من "الدوبلكس" الذي ورثته عن "المرحوم زوجها". ومعها لم يعد القمع المصري الرسمي محصوراً في المعارضين والحقوقيين والصحافيين والناقدين، بل بات يطاول الدعابة والسخرية والضحكة. فاتهمت فاهيتا بالإرهاب وهدم المجتمع وتخريب قيم العائلة والإباحية وعشرات التهم المؤامراتية المماثلة.

وكنتيجة لحملة الملاحقة، اكتسبت فاهيتا، ربما، صيتاً وهمياً بكونها لساناً ناقداً للسلطة السياسية، وعملت هي شخصياً على تعزيز ذلك الوهم بشكل غير مباشر ضمن "الإيفهات" والنكات التي كانت تلمح فيها إلى سقف الحريات المنخفض ومواقف سياسية لا تكتمل مع جملتها الشهيرة "أسكت يا لساني". وكان ذلك كافياً لاجترار الضحكات وتعزيز الوهم والشعور بالخيبة في آن معاً، وخلق الأمل بأن الأبلة ستتمكن يوماً من الحديث بحرية مثلما تشاء ومثلما ينبغي.

لكن ذلك لم يكن ليحدث أبداً، لأن حديث الأبلة في حال حدوثه يعني نهاية وجودها، لأن لزومها كشخصية وهمية ساخرة، ينتفي بزوال السبب الذي يدعو الأشخاص للحديث من خلاف ستارة في المقام الأول، أي القمع الرسمي وسقف الحريات المنخفض الذي وقع حرفياً على رأس الأبلة في إحدى حلقات "الدوبلكس". وهي، بخلاف دمى شهيرة في العالم الافتراضي، مثل شخصيات "شارع سمسم" التي تخاطب الأطفال، أو "آرلو" الذي يقدم مقاطع فيديو تحليلية وناقدة لعالم الألعاب الإلكترونية بالتركيز على شركة "نينتندو"، وجدت كوسيلة للالتفاف على ذلك القمع بطريقة إبداعية، لا تنشد الإبداع بحد ذاته كغاية.

وفيما باتت شهرة فاهيتا أكبر من أن تتجاهلها صناعة الإعلام والإعلان والدعاية في العالم العربي، كان الحفاظ على ذلك الصيت ضرورياً، لتصبح الأبلة، كجزء من المنظومة الإعلامية العربية غير المستقلة، جزءاً من السيستم نفسه، لا عنصراً غريباً عنه، فكرياً وسياسياً. وحتى ضمن مسلسلها في "نتفليكس"، لا يمكن تلمس أي أفكار خلاقة، حتى على مستوى التمثيل والتصوير والإخراج. والأسوأ هو الأفكار التي تمتلئ بالعنف المجاني واستغلال الأطفال وتمجيد البؤس و"الرخص" الذي يمكن الشعور به تماماً كما هو في آلاف المسلسلات العربية الأخرى.

وعليه، يصبح "دراما كوين"، النتيجة الطبيعية التي تصل إليها الأفكار المبدعة في بيئات ظلامية، سياسياً واجتماعياً، بسبب الرقابة السياسية والأخلاقية، التي لم تتوقف عند منع "الدوبلكس" من العرض العام 2018، بضغوط مارسها "المجلس الأعلى للإعلام"، مع تراجع الحريات المخيف في مصر في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، بل  طاولت أيضاً أرشيف "أبلة فاهيتا" في الإنترنت، مع حذف جميع مقاطع الفيديو الخاصة بها من "يوتيوب" ومن جميع حساباتها في مواقع التواصل، مع إغلاق الصفحة الرسمية لبرنامج "الدوبلكس" في "فايسبوك" أيضاً.

وإن كانت السخرية في جوهرها تسعى للاستهزاء بالسلطة الغاشمة، فإن مسيرة أبلة فاهيتا مع القمع الذي رقصت معه "التانغو" طوال عشر سنوات، تحيل إلى "تهزّيء" السلطة لنفسها بنفسها، لمجرد ملاحقتها دمية لا تقدم أصلاً ما ينبغي أن يثير الغضب الرسمي. وتلك النوعية من السلطة التي لا يقتصر وجودها على مصر السيسي، بل تتكرر في بقية الدول العربية أيضاً، لا تصبح غاشمة فحسب، بل تافهة أيضاً.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024