هل تقلب الثورة الطاولة على قانون المطبوعات؟

رنا نجار

الأحد 2019/11/24
تفتح، حلقات الحوار الدائرة بين ساحتي الشهداء ورياض الصلح منذ بدء الثورة حول الانتهاكات المرتكبة بحق الصحافيين وخصوصاً تلك المتعلقة بمحكمة المطبوعات و"جرائم" القدح والذم التي تعمل على أساس قانون المطبوعات الصادر في العام 1962، النقاش حول ضرورة البتّ بقانون إعلام جديد يضمن احترام المعايير الحقوقية العالمية للصحافيين والمدوّنين والناشطين على السوشيال ميديا، وإلغاء أحكام التشهير في قانون العقوبات واستبدالها بأحكام مدنية، مع التشديد على إلغاء الأحكام بالسجن على خلفية انتقاد مسؤولين حكوميين أو أفراد نافذين.

هذا الواقع لفتت اليه الباحثة في "هيومن راتس ووتش" آية مجذوب التي أعدت أخيراً تقريراً حول "لبنان: قوانين القدح والذم لإسكات المنتقدين"، خلال حلقة نقاش نظّمها "تجمّع نقابة الصحافة البديلة" في خيمة "الكلمة للناس" في موقف اللعازارية وسط بيروت، بعنوان "محكمة المطبوعات واستغلال القوانين". 

وأكدت انه ليس مقبولاً ولا مسموحاً تقييد وسائل التعبير في لبنان، داعية الاعلاميين والصحافيين الى العمل على إنقاذ "قانون الاعلام الجديد" الموجود حالياً في أدراج مجلس النواب، وتقدمت به مؤسسة "مهارات" بالتعاون مع النائب غسان مخيبر في العام 2010. 

فالقانون الجديد الذي كان من المفترض ان يشرّع قبل أواخر 2019، ولحسن الحظ أنه لن يمرّ بسبب تعطل جلسات مجلس النواب وبدء الثورة، هو "قانون في أصله ينصف الصحافيين"، بحسب مجذوب. لكن "تعديلات كثيرة وتغييرات في مضمونه تمّت من قبل اللجان في مجلس النواب، فأصبح أسوأ من القانون الحالي الصادر في 1962، خصوصاً أنه رفع من قيمة الغرامات المالية وأثبت عقوبات السجن"، كما قالت لـ"المدن". وأردفت أن منظمات وجمعيات حقوقية تعمل اليوم لإيقاف هذا القانون الذي بشكله المعدّل يقيّد حرية التعبير". وأضافت: "الوقت الآن استراتيجي لتغيير القوانين وإلغاء صفة الجريمة عن القدح والذم، الثورة اليوم فرصة للصحافيين".

يعدّل "قانون الاعلام الجديد" المقترح أحكام التشهير الموجودة المتعلقة بالمحتوى المنشور، ويمنع الاحتجاز قبل المحاكمة لكافة جرائم النشر والمنشورات في وسائل التواصل الإجتماعي ضمناً، إلا انه لا يلغي الأحكام بالسجن للتشهير، وفي بعض الحالات يرفع من عقوبة السجن والغرامات. 

وكانت "هيومن رايتس ووتش" أكدت في بيانها الصادر في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، انه "ينبغي للبرلمان ضمان أن يحترم قانون الإعلام الجديد المعايير الحقوقية العالمية، وان القوانين التي تجيز الحبس لانتقاد أفراد أو مسؤولين حكوميين لا تتوافق مع التزامات لبنان الدولية بحماية حرية التعبير، كما ينبغي للبرلمان إلغاء أحكام التشهير في قانون العقوبات واستبدالها بأحكام مدنية". 

وعرّجت مجذوب على البحث الذي أجرته والذي يؤكد ان لبنان يشهد زيادة مقلقة في الهجمات على التعبير السلمي وصلت اوجها قبيل الثورة وخلال وبعد الاحتجاجات الجماهيرية في 2015. فقد "فتح مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية 3,599 تحقيقا في ادعاءات تشهير بين كانون الثاني (يناير) 2015 وأيار (مايو) 2019. وتشير الأرقام التي زود بها المكتب "هيومن رايتس ووتش" إلى ارتفاع بنسبة 325% في عدد قضايا التشهير المتعلقة بالتعبير عبر الإنترنت بين 2015 و2018. وتتوافق هذه الزيادة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وخيبة الأمل الشعبية بسبب الفساد وسوء إدارة المال العام".

وانتقدت مجذوب إدانة المحاكم الجنائية ثلاثة أشخاص على الأقل وحكمت عليهم بالسجن بتُهم التشهير في هذه الفترة. أحدهم الصحافي فداء عيتاني الذي اضطر الى ترك لبنان والمكوث خارجه من دون عمل، بعدما صدرت تسعة أحكام بالسجن بحقّه تتراوح بين شهرين وستة اشهر في قضايا جزائية مختلفة رفعها ضده سياسي واحد. وأصدرت محكمة المطبوعات على الأقل حكماً واحداً بالحبس خلال الفترة نفسها، وأصدرت المحكمة العسكرية ثلاثة أحكام، منها اثنان نُقضا في الاستئناف.

واستغربت كيف لا يوجد في لبنان قانون واضح ينظّم النشر على الانترنت؟ (18 قضية تشهير في 4 سنوات)، وكيف يسمح القانون اللبناني محاكمة مدنيين وصحافيين في محاكم عسكرية (بين 2015 و2019 سُجّل 3 أحكام حبس بحق صحافيين من المحكمة العسكرية). 

وتوصلت الى نتيجة أن قوانين القدح والذم بالية وفضفاضة وتُطبّق بطرق استنسابية كما حصل مع فرقة "مشروع ليلى"، معتبرة ان هذه القوانين تسهم في انخفاض حرية التعبير، غير خافية تخوّفها من أن يتكرّر اليوم خلال الثورة ما حصل في 2015 من انتهاكات وتجريمات بحق حرية التعبير في حق ناشطين وصحافيين ومحتجين. وختمت بجرعة تفاؤل: "الناس اليوم كسرت حاجز الخوف ولا يجوز الرجوع الى الوراء". 

وكان حديث مجذوب سبقته مداخلة صغيرة للناشطة والصحافية مايا عمّار تحدّثت فيها عن خلفيات نشوء "تجمّع نقابة الصحافة البديلة" التي ولدت مع الثورة وهي تنشط تحت سقفها في ظل ترك الصحافيين والعاملين في الاعلام "عراة" لا أحد يحميهم وتُهتك حقوقهم وحقوق مهنتهم الامر الذي يعرقل عملهم في كثير من الاحيان. وهو تجمّع يخاطب كل العاملات والعاملين في قطاع النشر والاعلام والصحافة المكتوبة والالكترونية سواء كان موظفاً او يعمل بشكل حرّ. 

من هنا كان لا بد من تسليط الضوء على قانون المطبوعات الذي يُستغل مع قوانين العقوبات من قبل النافذين، لينتهك حرية التعبير وحرية تحرّك الصحافيين في كثير من الاحيان، مع العلم انه نشأ كي يضمن حرية الاعلام.

وعن هذه الانتهاكات عرض كل من الصحافيين محمد نزال ورشا أبو زكي تجاربهما المرّة والحلوة مع جرائم القدح والذم، هذا السيف المسلّط على رقاب الصحافيين لترهيبهم في كل مرّة يضعوا إصبعهم على الفساد. 

وناقش الحضور كيفية تسخير القضاء لمعاقبة الصحافيين والناشطين على الانترنت، وكيف تحوّلت قضايا الفساد منذ شهر حتى اليوم قضايا رأي عام وبدأ النظام الحاكم يتابعها ويلاحقها القضاء، وكيفية إعلاء سقف الحريات خلال الثورة وما بعدها، وكيفية "حماية أنفسنا" في حال انتهت الثورة؟ 

والأهم أن "لا خوف بعد اليوم من السلطة عندما يكون الحق معنا والدلائل بين أيدينا، هذه الثورة كسرت كل القيود وعلينا رفع الصوت عبر الوسائل كافة، وعلى المشرعين مسؤولية في تغيير القوانين لحماية حرية التعبير"، كما قالت إحداهن في ختام جلسة. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024