المصرف ينقضّ على منزلي

وليد حسين

الثلاثاء 2019/05/07
لم يكن الاتصال الذي تلقته زوجتي من المصرف، صباح أمس، لإخبارها بضرورة الحضور للتوقيع على معاملة إعادة جدولة الفائدة للسنتين المقبلتين بنسبة 1.14% على قرض الإسكان المدعوم من "مصرف لبنان" لمنزلنا الصغير، أول الغيث الذي جعلني "ألعن" الساعة التي قرّرت فيها العودة إلى لبنان. فكل الاستحقاقات التي مررت بها خلال السنوات الخمس الماضية، بدءاً بالتعقيدات الإدارية لمعاملات رسمية لا تحتاج إلا توقيع موظّف لا يأتي إلى عمله وفق الدوام الرسمي، فتتأخر أسابيع وشهوراً... إلى فقدان وثائق زواجي بسبب إهمال موظّف، والعمل على استصدار وثائق أخرى من إيطاليا، لنعود ونكتشف بعد شهور أنها موجودة في إحدى الدوائر الرسمية... إلى الوقوف ساعات أنتظر في المستشفى لإجراء تحاليل على حساب تأميني الخاص الذي يكلّفني آلاف الدولارات سنوياً، وغيرها... كلّها أمور، أو خدمات بسيطة يفترض أن نحصل عليها بلا مِنّة من أحد، نحن دافعي الضرائب ومموّلي الدولة المصابة بالعجز.

هكذا، وبكل بساطة، يستيقظ سياسيّونا على عجز الدولة عن سداد ديونها، متناسين سنوات طوال من الفساد والهدر، ويقرّرون مدّ أيديهم إلى جيوب الناس لتحصيلها. والقطاع العام الذي أهمل وثائقنا الخاصة، وأخّر معاملاتنا، يرفض رفضاً قاطعاً أن يطاول التقشّف جيوب سلسلة رواتبه التي حصل عليها في العام 2017، بحجّة أنّ من عليه دفع الديون هم "حيتان المال"، أي المصارف.

طبعاً لم تقرّ الميزانيّة العامة للدولة التي قيل إنّها يجب أن تكون تقشّفية، والتي رفضت كل القطاعات العامة والخاصّة دفع أيّ جزء منها. ورغم ذلك، رفع المصرف الفائدة على قرض منزلنا، فكيف يا ترى ستكون الحال عندما تدفع المصارف عجز الدولة المتفاقم؟ ألن توغل المصارف في جيوبنا، إسوة بما تفعله الدولة معها؟ وإذا كان مجرّد التلميح إلى "تدفيع" حيتان المال جزءاً من العجز، قد أفضى إلى رفع أقساطنا الشهرية، فهل سنتمكن من الحفاظ على منزلنا في حال ارتفعت الفوائد المتحرّكة أكثر من 1.14%؟

عندما حصل القطاع العام على سلسلة الرتب والرواتب، انفرجت أسارير غالبية الموظفين، فتركوا الشارع وعادوا إلى بيوتهم آمنين، لكنّ هؤلاء لم يعترضوا على رفع الضريبة على القيمة المضافة وبعض الرسوم التي ساهمت في غلاء الأسعار وتآكل معاشاتنا ولو بشكل طفيف. واليوم، برفضهم المساهمة في سداد العجز، يشاركون، بشكل أو بآخر، في استسهال المصارف مدّ أيديهم إلى جيبي، إسوة بما ستفعله الدولة من إجراءات ضريبيّة تستهلك المواطنين.

أليس من حق الناس أمثالنا، السؤال عن الذنب الذي ارتكبوه لتحمّل تبعات قطاع عام متضخّم، يعيث فيه فساد التوظيف التحاصصي والانتخابي، وباعتراف المسؤولين أنفسهم؟ أليس من حقنا، كمموّلين للدولة ولقطاعها العام و"مصاريفه الخاصّة"، الطلب من أصحاب السلسلة النزول إلى الشارع واحتلال مصارف حيتان المال، والإقلاع عن بهلوانيّات الصراخ في الشارع ضدهم، وبمردود وحيد أدّى وسيؤدي إلى رفع فوائدهم علينا، نحن أصحاب الدخل المحدود؟ وهل سأل المنتفضون على المصارف، ومعهم الدولة المتوطئة، عن السبب الذي يجعلني، كموظّف في القطاع الخاص، أحسب ألف حساب قبل اختيار المدرسة المناسبة لميزانيّتي ولابنتي، بينما كثر من موظفي القطاع العام ينعمون بتقديمات اجتماعية ومنح تعليمية تمكّنهم من تسجيل أبنائهم في أهمّ المدارس والجامعات؟

عندما قرّرت العودة نهائياً إلى "ربوع الوطن"، قبل خمس سنوات، أقنعت نفسي بأنّ خياري صائب، رغم أنّي لم أعد على أساس عرض وظيفي في لبنان. وقلت في قرارة نفسي: شهاداتي وكفاءتي ستجنّباني شرّ البطالة، التي لم أمكث فيها سوى شهور معدودة، وهذا ما زاد قناعتي بأفضلية العيش في بلدي وبين أصدقائي، على العيش في إيطاليا حيث درست وتطبّبت مجاناً، أو في قطر حيث عملت لأكثر من سنة ونيف. فرغم سهولة العيش والاقتراض وتملّك السيارات والمقتنيات، من دون تعقيدات إدارية وبيروقراطية، في ذاك البلد الخليجي، فضّلت جلسات الأصدقاء ومناكفاتهم على تلك "الكماليّات". لكن العيش على "قمّة النفايات" التي تسمّى عنوة بلداً، جعلني أعيد حساباتي، وألعن الساعة أمام كل استحقاق، مئات المرّات. لم يبق لنا إلا منزلنا الصغير، الذي لا تتجاوز مساحته المئة متر مربع، في انتظار قضمه من مصرف يتحيّن الانقضاض عليه عندما نعجز عن دفع فوائده المتراكمة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024