لماذا تُتهم الولايات المتحدة بإفشال الثورة؟

نذير رضا

السبت 2020/10/17
الاستعادة لشعار التأييد للثورة في ايامها الثلاثة الاولى، قبل الانسحاب منها، تظهر بما لا يحمل الشك أن هناك مَن يريد شمّاعة يعلّق عليها فشله وتبعيته، بغية البقاء في الحضيض. 

لم يجد الجمهور المعارض للثورة سوى الشماعة الاميركية لتعليق خيبته عليها. يستصعب هذا الجمهور الاعلان عن تمسكه بولائه الحزبي، ولا يجاهر بتبعيته الطائفية ومخاوفه من الآخر. وعليه، لا يجد الا الولايات المتحدة سبباً لفشله. 

لا يجد المعارضون سبباً لعدم تأييد الثورة على النظام الطائفي والتبعية الحزبيّة التي فاقمت معاناة اللبنانيين، وأنزلت مستوى معيشتهم الى الدرك الأسفل. فكل الأسباب المكتومة، ستفضح النوايا المبيتة تجاه الآخر. وستفضح، حكماً، الولاء غير المبرر لنظام فشل على مدى 30 عاماً. 

هل بإمكان أحد أن يجاهر بانتقاداته لزعيمه؟ 

بالتأكيد لا. فالاسباب التي تقف وراء تلك التبعية، أكبر من أن تنتفي في ليلة وضحاها. ثمة شبكة مصلحية متينة تربط الزعامات السياسية وأحزابها، بجمهور لم يستطع الانقلاب عليها. وثمة خوف، طائفي وسياسي وأمني ومعيشي، يدفع معظم جمهور الاحزاب إلى التمسك بها.

وعليه، يتم البحث عن سبب مقنِع، يروّج له لاعبون مخفيون في الانترنت المظلم، يفضي الى الولايات المتحدة الاميركية. فالولايات المتحدة دعمت الثورة بهدف التغيير. كذلك حلفاؤها في لبنان. كان الدافع لدعم التغيير أكبر من أن يُخفى لأن حراكاً مشابهاً يحتاج الى مؤيد، من بعيد، ليمنح المحتجين حافزاً للتغيير.

جاهرت واشنطن بذلك، كذلك فعلت دول أوروبية، بهدف تحفيز القائمين بالتغيير على الاستمرار، على قاعدة انهم "غير متروكين". فأعطت ذريعة لمؤيدي احزاب الممانعة بشكل خاص لشيطنة حراك لم يخرج، بأغلب خطابه وبرامجه، عن الثوابت اللبنانية والأدبيات المعيشية. والتهمة: "الدعم الأميركي"!

لم يكن هذا الخطاب واضحاً في أيام الثورة الاولى. كان متردداً ومستتراً ومتوارياً. وبعد عام، بات أكثر وضوحاً، وأكثر فاعلية. من يتصفح "تويتر" اليوم السبت، في الذكرى الأولى لثورة تشرين 2019، سيجد الولايات المتحدة وحيدة في لائحة الأسباب التي يتحدث عنها الجمهور الحزبي المعارض للثورة، ويليها حلفاء لها في البلاد، بينهم رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وآخرون من السياسيين أو الناشطين اللبنانيين، وذلك تحت وسم "ليش فشلت الثورة؟".


والحال ان الولايات المتحدة جاهرت بدعم التغيير، بينما لم يجاهر آخرون من مناوئيها وخصومها بدعم الاستمرار ضمن فقاعة الفساد، وإبقاء لبنان رهينة المخاوف الطائفية. هو الصراع بين القادر على مواجهة مباشرة، وبين المتحرك ضمن الذباب الالكتروني. الصراع بين خطاب التغيير، وخطاب المؤامرة. 

ليست الولايات المتحدة أو سواها من الخصوم والحلفاء، جمعيات خيرية. ذلك معيار العمل السياسي. لكن ثمة من يريد تغييراً في العقلية السياسية القائمة، وبين متمسك بإبقاء الشيء على ما هو عليه. 

اللافت ان الجميع في هذه المعركة، يطالب بالاصلاح، من غير تعريف واضح لمفهوم الإصلاح. إصلاح سياسي؟ إصلاح الموقف السياسي؟ إصلاح اقتصادي؟ خصخصة تريدها مقترحات أوروبية؟ تدويل البلاد؟ إصلاح في الذهنية الاقتصادية التي تحرك البلاد؟ محاصصة بالعودة الى اتفاق 2015 بين القوات والتيار الوطني الحر؟ عودة الى التسوية الرئاسية في 2016؟ عودة الى اتفاق الدوحة في 2008 يريدها الثنائي الشيعي؟ عودة الى اتفاق الطائف يريدها الحزب التقدمي الاشتراكي؟ تغيير جوهري في بنية النظام للخروج من المنظومة ككل تطرحه "حركة أمل" عبر قانون انتخابات خارج القيد الطائفي؟ تغيير محدود يتم البحث في تفاصيله ضمن سياق المناصفة؟ أم تغيير كامل يطالب به الناشطون؟

لا اتفاق جوهرياً على الشعار. ولا جوائز ترضية للداعمين والمعارضين. وتلك معضلة الثورة، يُضاف اليها تشظي الولاءات والشعارات والخيارات. ذلك السبب الدافع لفشل الثورة، وليس طرف محدد. لا جعجع ولا حزب الله، لا إيران ولا أميركا، لا فرنسا ولا بريطانيا... هؤلاء شمّاعات تُعلق عليهم الخيبات. أما الجوهر فيقع في الذهنية. ولا يغير الله بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم. وهو أمر غير متاح في لبنان، بدليل الحشود الهزيلة التي حولت الثورة الى مجرد ذكرى، بدلاً من أن تكون عبوراً نحو التغيير. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024