الرواية الإسرائيلية لهروب علي وفرح من جنوب لبنان:وهم الاندماج

أدهم مناصرة

الثلاثاء 2020/01/14
ثمّة فرصة جديدة كي تستغلَّ الصفحة الفايسبوكية "إسرائيل تتكلم بالعربية"، زوجين لبنانيين شابّين كانا ضمن موجة العائلات الهاربة من لبنان إلى الدولة العبرية في أعقاب حرب تموز 2006.. فقط للترويج لأمرين؛ "الإندماج" الموهوم و"الأمان" المزعوم في إسرائيل.

عبر فيديو مدته ست دقائق، جسّدت الصفحة الفايسبوكية- التي تُمثل وزارة الخارجية الإسرائيلية وتستهدف بمحتواها الشعوب العربية أولاً وأخيراً- الإستغلال ذا البعد الانتهازي.. إذ يُظهر هذا الفيديو، اللبنانية الثلاثينية الهاربة فرح رسلان، وزوجها علي شيث، وقد استُخدِما كوسيلة للقيام بالبروباغاندا الموجّهة لمحاولة طمس الحقيقة بشأن الظروف الصعبة والمُهينة التي يعيشها اللبنانيون الهاربون إلى إسرائيل، لدرجة أن أعداداً كبيرة منهم قد هاجرت إلى أوروبا أو الولايات المتحدة وغيرها، فيما قرر جزء منهم العودة إلى وطنهم لبنان.

فرح رسلان ولدت في قرية العديسة الحدودية جنوب لبنان وعاشت فيها حتى عمر الـ18 عاماً.. بعدها، قررت الهروب بمعية عائلتها إلى الأراضي المحتلة في صيف 2006، لتسكن منذ ذلك الحين في مستوطنة "كريات شمونة" قبالة قريتها اللبنانية. فتروي فرح، حكاية الهروب بنفسها، رغم أنها لم تسخدم- واقعياً- هذا المصطلح، واستبدلته بكلمات من قبيل "دخلنا" و"طلعنا".


مَن أنتج هذا الفيديو كان حريصاً على استخدام فرح وحتى زوجها علي. كلمات معينة تدعم فكرة الدعاية المرجوّة من وراء إعداده، فهو أراد من تعبير "لمّا دخلنا إلى إسرائيل".. لا "هربنا"، أن يرسّخ مزاعم أنهم "لم يأتوا إلى هنا مضطرين وهاربين؛ بل مُخيّرين كباحثين عن حياة أكثر رخاءً وأمناً"!

اللافت أن فرح وظّفت مصطلح "الهروب" فقط عندما تحدثت عن خروجها وعائلتها من الجنوب اللبناني خوفاً من الحرب الثانية المشتعلة إلى شمال لبنان، ثم ما أن وضعت الحرب أوزارها، حتى اتخذت قرار "الدخول" إلى الدولة العبرية.. هي أرادت من استخدام مُصطلحين في سياقين مختلفين، أن تُبرز- بائسة- جانباً دِعائياً ولو ضمناً بشأن "البُعد الإنساني لإسرائيل.. بدليل أنها سمحت لهؤلاء اللبنانيين باللجوء إليها"!.

أما زوجها علي شيث فقد هرب أيضاً إلى الأراضي المحتلة بمعية عدد من العائلات اللبنانية في العام نفسه الذي هربت فيه فرح، أي قبل نحو 14 عاماً.. حينها، كان علي في عمر الـ15 عاماً.

"لما كنت ازغر من عمرِك كنت عايش هونيك".. بهكذا جملة مرفقة، وبتنهيدة الحنين إلى ما مضى، خاطب علي طفلته الصغيرة التي يحملها بموازاة تركيز نظراته على الأراضي اللبنانية في الجهة المقابلة، فيروي لها حنينه إلى أيام الطفولة والصبا "الحُلوة"- كما يصفها.. مروراً بتقافزه في السهل المقابل لصيد العصافير وفلاحة الأرض مع أسرته.

هو أسلوب "مدروس". حاول علي، بمساعدة مخرج الفيديو، أن "يؤنسن" فكرة وجوده أصلاً في الدولة العبرية، كمحاولة لإستبعاد تهمة "الخيانة" بحقه ومَن سار على نهج الهروب من الوطن اللبناني.. لعلّ، هذا الأسلوب بمثابة مسعى إسرائيلي لتغيير الوعي الجمعي العربي، بطريقة تجعل العملاء الهاربين وأبناءهم، مقبولين في الذهنية العربية، لا منبوذين.

يروي علي شيث رحلة "الدخول" إلى إسرائيل، ويستذكر الطريق التي مرّ بها، ومن ثم البوابة الإسرائيلية التي فًتحت له ومَن هرب معه أثناء إنسحاب جيش الإحتلال من المناطق التي احتلها خلال توغّله البري في حرب 2006.

ثم أخذ علي، يؤدي دور المتناغم و المنسجم أكثر مع الفكرة الدعائية، فيُخبر مَن يشاهد الفيديو عن شعوره المرتبك الأوّلي حينما دخل إسرائيل، فقال "فتنا ع دولة جديدة ما بنعرف لغتها وثقافتها.. ولكن، شوي شوي اندمجنا وحسينا حالنا جزء من الدولة"..

عمل علي بائساً ويائساً، على إخفاء عنصرية المجتمع الإسرائيلي التي ترفض تقبل الآخر، وميّزت ضد فلسطينيي عرب 48 من قبلهم، مروراً بيهود افريقيا، وحتى اليهود العرب، ومن بعدهم معاملة إسرائيل المهينة للعملاء القادمين من لبنان وحتى الفلسطينيين الهاربين من الضفة الغربية.

يعيش في مستوطنة "كريات شمونة"- دون احتساب المقيمين في مناطق أخرى بالدولة العبرية- نحو 130 عائلة لبنانية هاربة، وفق علي شيث.

وسعى علي جاهداً إلى أن يُبرز عمله وباقي العائلات الهاربة إلى كريات شمونة الحثيث، على المحافظة على عاداتهم اللبنانية قدر الإمكان- كما يقول، فيشير إلى مجموعة "واتس آب" لإتاحة التواصل الدائم في ما بينهم، لا سيما في الأعياد والأفراح والمناسبات.

يعيش الآن حوالي 2500 لبناني هارب (مسلم ومسيحي) في إسرائيل، كما تذكر صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية"، بعضهم جاء بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان العام 2000، وآخرون بعد حرب لبنان الثانية قبل 14 عاماً.

وكي تُدلل على أكذوبة الاندماج وعدم العنصرية، تسلط الصفحة الإسرائيلية الضوء على اللبنانية فرح، من خلال القول إن "فرح اكتسبت الشهرة مؤخرًا في إسرائيل بعدما بلغت المراحل النهائية من مسابقة (ماستر شيف) للطهي، حيث ادهشت الإسرائيليين بالأطباق اللبنانية.. فرح تتمنى حلول السلام بين إسرائيل ولبنان".

كما عمل الفيديو الدعائي المذكور على إثارة معلومة موجّهة حول فرح لطرحها "كقصة نجاح للهاربة"، علّها تدعم "دعاية الاندماج"، عبر القول إنها أكملت دراستها الجامعية في إسرائيل وحصلت على شهادة الماجستير في مجال البيوتكنولوجي.

فرح تعبر عن غبطتها وسرورها؛ لأنها أصبحت بفعل برنامج "ماستر شيف" الإسرائيلي مشهورة و"سفيرة المطبخ اللبناني"؛ إذ قالت إن "الكُبّة اللبنانية" كانت أكثر أكلة لاقت تفاعلاً في الشارع الإسرائيلي بعد صنعها على هامش برنامج "مسابقات الطبخ"، ليستنفر إسرائيليون كثر في السوشيال ميديا لسؤالها عبر "انستغرام" و"فايسبوك" عن طريقة صنعها، حسب روايتها.

ولم تنتهِ هنا الرسائل الدعائية للفيديو.. فقد حرصت فرح- بناء على توجيه المُعدّ الإسرائيلي- على توظيف أسلوب الاستمالة للبنانيين آخرين يعيشون في وطنهم، وكذلك أطياف شعبية من دول عربية أخرى، حيث تمنت فرح التي تصفها الصفحة الفايسبوكية بأنها "إسرائيلية من أصل لبناني" أن تزور لبنان، مدعية أن "ثمة قواسم مشتركة وتقارباً كبيراً بين الشعبين اللبناني والإسرائيلي، وهو العيش بسلام"، فتمنّت "لو لم تكن الحدود بين الدولتين قائمة.. يا ريت لو كان سلام وما في حدود!".

بهذه الجملة الأخيرة، أراد مهندسو دعاية إسرائيل، الزعم بأن إسرائيل منفتحة على المحيط العربي، وأنها قد تفيده بالتكنولوجيا "الخارقة"، وأنه لا مشكلة لديها مع العرب، لكنهم "هُم مَن ينكر ويعادي"!

في المقابل، رصدت "المدن" ردوداً مضادة على محتوى الفيديو المنشور في صفحة "اسرائيل بالعربية". فكتبت الاعلامية الفلسطينية من القدس رولين تفكجي: "ليه ما قالوا سبب ليه اجو!! ليه ما حكوا قصة قوات لحد وعلاقتها بإسرائيل.. يعني بس من باب المصداقية لا أكثر".

كما علقت ناشطة، على الفيديو، قائلة: "العمالة لا حدود لها والقاع مخزوق".

أما اللبناني محمد مؤذن، فقد كتب عن الفيديو: "واضح اليأس على وجهكن".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024