علاء بيه مبارك.. صورة اعلامية محيّرة

أحمد ناجي

الأحد 2019/08/11
كنت في العاشرة من عمري أو أكبر قليلاً حينما سمعت لأول مرة نكتة سياسية.  اتصل مبارك بعاطف صدقي (رئيس الوزراء في ذلك الوقت) وقال "يا عاطف، علاء ابني عايز شقة في أسوان؟"
فرد عاطف "بسيطة يا أفندم/ عينينا لعلاء بيه". قال مبارك "وكمان شقة في إسكندرية". 
 - بسيطة يا أفندم اعتبره حصل.
 فقال مبارك "وبعدين عايزين نفتح الشقتين على بعض".

فيضحك الجميع بهناء وسرور، فالمصري معروف بخفة دمه، وقدرته على استخدام الضحكة والسخرية للتغلب نفسياً على احساس الذل والمهانة.  

طوال سنوات حكم مبارك، ظلت النكات تنمو حول علاء ابنه الأكبر خصوصاً في فترة التسعينات حينما كان جمال مبارك يدرس ويعمل في انكلترا، بينما علاء هو القابع في مصر تتناثر حوله القصص والأساطير بداية من علاقته بالفنانات أو نفوذه الاقتصادي واجبار رجل الأعمال على مشاركته.

سبب انتشار الحكايات حول نفوذ علاء وجشعه، أن الرجل لم يعرف له شهادة ولا وظيفة، بل يتم تقديمه بصفته رجل أعمال، غير مهتم بالسياسة وليس فاعلاً في الحزب الوطني. 

والسبب الآخر هو الفساد الذي كان جزءاً من بنية النظام الاقتصادي في عصر مبارك. ففي هذا الزمن كان الجيش في خلفية المشهد الاقتصادي بينما تصدر حيتان الحزب الوطني المشهد، أي رجل أعمال كان يجد نفسه مضطراً لدخول الحزب الوطني أو لمشاركة أحد النافذين بداية من قيادات الحزب الوطني، وحتى الكبار في منظومة اقتصاد مبارك تحديداً حسين سالم سمسار مبارك أو علاء ابنه.

ظلت النكات تتكاثر حول علاء حتى عاد جمال من انكلترا وبدأ يظهر في الصورة، حينها حل جمال محل علاء في النكات التي تحكي عنه. تراجع علاء إلى الظل بينما ازداد لماعاً نجم جمال، في انتخابات 2005 احتل جمال كل الصور بجوار أبيه، في تلك الفترة  صعد النفوذ الاخواني بجوار أشكال متعددة من التيارات الإسلامية بداية من السلفية وحتى الدعاة الجدد، وترافق هذا مع إشاعات حول التزام علاء مبارك وزوجته -هايدي راسخ- وقيل أنها ارتدت الحجاب لذلك جرى اخفائها عن المشهد اعلامياً.

سرد هذه الإشاعات والأساطير الغرض منها ليس ترجيح أو نفي أي منها، بل ملاحظة تطور المزاج الشعبي. اتجه علاء مبارك في عصر لم يكن فيه انترنت وسوشيال ميديا وكان السبيل الوحيد لفهم ما يدور في أدمغة الناس قبل عصر "الترند" هو تتبع النكات وحكايات النميمة الشعبية.

ثم أتت الحادثة التراجيدية الأكثر تأثيراً على عائلة مبارك. توفي ابن علاء الأكبر وحفيد مبارك الأول في ظروف غامضة. وتحول المزاج الشعبي اتجاه علاء إلى التعاطف خصوصاً وقد شهدت تلك الفترة توحش جمال مبارك وعصابته الاقتصادية الليبرالية، وبالتالي بدا علاء في صورة البطل الشعبي المهزوم.

علاء هو الأقرب بالتأكيد للمزاج الشعبي، فجمال الذي تربى وعاش شبابه في انكلترا محاطاً بالنخبة الثرية فشل دائماً في التواصل مع المزاج الشعبي المصري. 

علاء يحب الكرة ويحضر المباريات ويتابع الأفلام والسينما ويطلق النكات. وفي 2010 أثناء مبارة الجزائر ومصر في ام درمان في السودان والتأهل لكأس العالم وبعدما نشبت مشاجرات بين الجمهور الجزائري والمصري كان علاء هو من خرج في التلفاز وقام بالسلوك المصري الشهير باطلاق التهديدات والوعيد، فظهر في صورة البطل الشعبي المصري المفضل، ففي العادة يحب المصريون الأبطال ذوي اللسان الطويل والفعل القليل.

ثم أتت ثورة 25 يناير، وكان أول من تم إلقاء القبض عليهم أحمد عز ذراع جمال مبارك السياسي والاقتصادي. الخطة الأولى هي التضحية برجال جمال مبارك وتقديمهم أضحية للجماهير الغاضبة، لكن الأحداث تسارعت، وخرج القطار من المحطة، ولم يتوقف إلا بدهس مبارك الأب والحزب الوطني.

رفض مبارك الخيار الأفضل في تلك الحالات وهو الخروج من مصر إلى المنفى، بل تمسك بوجوده في مصر. البعض برر ذلك بأن مبارك رجل عسكري، والشرف العسكري، والتاريخ، والبلا بلا. لكن الإجابة ببساطة هي الفلوس. فلو خرج مبارك إلى السعودية في المنفى لانتهى مثل الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، شحاذاً ينتظر المنحة والإكرامية من مستضيفه. 

في المقابل حدث أسوأ السيناريوهات له وللعائلة، بضع سنوات جالساً في مستشفى عسكري يسخر من كل ما يحدث، ويسرب أحاديث صحافية يمرح فيها، ويظهر في محاكمات هزلية يلعب في أنفه. وعلاء وجمال في سجن المزرعة في قضايا فساد بالمليارات. ثم خرج الجميع أخيراً يسكنون في أرقى الفيلات في أغلى تجمع سكني في مصر مع نجوم المجتمع.

مبارك يطل كل فترة بلا صبغة شعر، بصور تذكارية، بينما يحافظ الأبناء علاء وجمال على صبغ شعرهم. اختار جمال أن ينفي نفسه داخل أسوار الكمباوند السكني، ويصرف كل انتباهه إلى هوايته الجديدة التصوير الفوتوغرافي منفقاً وقته في متابعة ابنته وتصويرها بعد سنوات من حرمانه منها خلف أسوار السجن. أما علاء فرفض الاختفاء أو النفي. 

بل بدا كأنما تحرر من القيود البروتوكولية التي فرضت عليه لسنوات كإبن رئيس الجمهورية فانطلق يسرح ويمرح في الشوارع، يلتقط الصور مع كل من يقابله ويعتبرها دليلاً على الشعبية والحب، يشجع المنتخب ويحضر المباريات الرياضية، يعلق على الشؤون الكروية والفنية، بل ويشارك في الترندات على السوشيال ميديا وأحياناً ما يكون هو نفسه الترند.

أداء علاء مبارك في "تويتر" وفي الشبكات الاجتماعية متطور للغاية ولا يكتفي بالكلام الرسمي، بل يرد على المتابعين، ويعلق مستخدماً المميز والجيفات. البعض خمن أن هناك من يدير الصفحة له. 

منذ شهر تم إلقاء القبض على أحد  مديري صفحة "أحنا آسفين يا ريس" لكن علاء استمر في التدوين، وأكد أنه يدير حسابه في "تويتر" بنفسه.

رويداً رويداً وبفضل حساب "تويتر" تحول علاء مبارك ليصبح من نشطاء الإنترنت، ويا لسخرية القدر فلقد ضم إليه نشطاء الانترنت، فوائل غنيم من متابعي حسابه بل ويضع "قلب احمر حبوب" على تويتات علاء بيه، كذلك المعارض الوسطى الحاج عمار علي حسن يرد على علاء بيه ويتناقش معه في المسائل الوطنية وكيفية الحفاظ على سمعة مصر، بينما يهاجم علاء بيه صحافيي اليوم السابع و"نباطشية" إعلام النظام. 

وتزايد هذا الهجوم بعد تدوينته الأخيرة حينما انتقد تصريحات وزيرة الهجرة التي هددت فيها بتقطيع من يتكلم على مصر.

يقدم علاء للمصريين التمثيل الفعلي لمسألة "العود الأبدي". فالذين يتحسرون على زمن مبارك أبو علاء سيكون أمامهم الفرصة لاستعادة الزمن مع علاء نفسه، والنادمون على الثورة يمكن أن يكفروا عن ندمهم مثل وائل غنيم بعمل اللايكات والقلوب لعلاء واشباع رغباتهم المازوخية السياسية، والأجيال الجديدة التي لم تعاصر كل ما سبق ستجد في علاء صورة البطل الشعبي الذي يشجع الكرة والرياضة ويستخدم المميز من أفلام "اللمبي" وهو متواضع يرد على من يناقشه في تويتر. 

وفي ظل التصحر السياسي الذي تعيشه مصر تحت حكم السياسي، يبدو علاء تمثيلاً للسراب المناسب لتلك الصحراء. عاطل بلا وظيفة ولا علم، يقضي وقته على المقهى والانترنت، ينفق من الملايين التي سرقها هو وعائلته، يداعب أسراب مستخدمي الشبكات الاجتماعية ويداعبونه.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024