دبلوماسية الكتيبات.. تركيا وشعلة القضية الفلسطينية

جو حمورة

السبت 2020/02/22
تحاول تركيا الرفع من شأن القضية الفلسطينية قدر المستطاع. هي بعيدة نسبيباً من الصراع العربي – الإسرائيلي مقارنة مع بقية المعنيين العرب، إلا أنها تبادر حيناً، وترفع الصوت أحياناً أخرى، وتصطف غالب الأحيان إلى جانب الفلسطينيين. 

لا يمكن لتركيا المشغولة بشمال سوريا وليبيا، تقديم الكثير لفلسطين، ولا تفيد مواقفها وأفعالها في شيء عملي في هذا الزمن، إلا أنها تبقي شعلة القضية الفلسطينية مضاءة في الأوساط الدبلوماسية على الأقل، وسط تقاعس قسم من العرب عن حمل تلك الشعلة ونفض أيديهم منها.

يأخذ رجب طيب أردوغان مواقف، باتت شبه مكررة، تدافع عن الفلسطينيين في المؤتمرات والقمم الدولية، ولا ينسى التطرق للجرائم الإسرائيلية في معظم خطاباته ومقابلات. كما أنه بات يتعمد الترويج لبعض الكتب والكتيبات لتعزيز صورته كمدافع عن فلسطين وأماكنها المقدسة.

في زيارته الأخيرة إلى باكستان، حمل أردوغان معه كتيباً صادراً عن "دائرة الاتصال في الرئاسة التركية"، وقدمه لنظيره الباكستاني عارف علوي، ورئيس الوزراء عمران خان. يحمل الكتيب عنوان "احتلال القرن: فلسطين في ظل الخطط الأحادية"، ويهدف، كما يذكر في مقدمته، إلى "زيادة الوعي حول المسألة الفلسطينية".

ويتناول الكتاب نضال الشعب الفلسطيني في وجه الإحتلال الإسرائيلي، كما انتهاكات هذا الأخير للقانون الدولي، ودعم تركيا للنضال الفلسطيني... بالإضافة طبعاً إلى تفاصيل خطة "صفقة القرن" التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الفائت.

وفي الكلمة الإفتتاحية للكتيب المكوّن من 56 صفحة، يذكّر رئيس "دائرة الاتصال في الرئاسة التركية"، فخر الدين ألطون، بالموقف التركي التاريخي المعارض لضم أراضٍ فلسطينية إلى إسرائيل، ويستشهد بتصرح الرئيس أردوغان القائل: "الخطة المعلنة لن تخدم الحل والسلام، فهي تتجاهل حقوق الفلسطينيين، وتضفي الشرعية على الاحتلال الإسرائيلي. القدس مقدسة بالنسبة للمسلمين، ولا يمكن قبول خطة إعطائها لإسرائيل"، جازماً أن "صفقة القرن محكوم عليها بالفشل". 

لم تكن هذه المرة الأولى التي يعمد فيها أردوغان إلى إهداء من يلتقيهم من الدبلوماسيين كتيبات تظهر مواقف بلاده من الأحداث الآنية. ففي نهاية العام 2019، أهدى أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وكبار المسوؤلين المشاركين في المنتدى العالمي للاجئين في مدينة جنيف السويسرية، كتيباً بعنوان "دعوة من تركيا الميناء الآمن إلى العالم: التعاون من أجل اللاجئين".

ومثلما يركز الكتيّب الأولى على القضية الفلسطينية ويقدم شرحاً لها من وجهة النظر التركية، كذلك يحمل الكتيب الثاني وجهة نظر الأتراك منها. إذ ركز الكتيب على الخدمات التي قدمتها تركيا للسوريين في مجالات مختلفة، كالتعليم والسكن والصحة والعمل والمساعدات الانسانية، وذلك بالأرقام والرسوم البيانية والتوضيحية. 

تتوسع تلك الظاهرة لتشمل عدداً لا بأس به من المسؤولين الأتراك الذين يحملون بأيديهم كتيبات ويهدونها لنظرائهم في دول العالم. فكما يفعل الرئيس، كذلك يفعل المرؤوسون، وينشرون أفكار بلادهم وحججها وأرقامها من خلال الكتيبات والكتب التي يقدمونها للعالم. 

هذا وكانت الإدارة التركية قد ركزت، خلال السنوات الماضية، على لحظ تمويل للإدارات الرسمية، وخاصة الرفيعة المستوى، لغرض إنتاج كتب وكتيبات. يخضع هذا الإنتاج لتدقيق في المحتوى، فيكون مراعياً لنظرة الدولة الرسمية، كما تُطبع أعداد كبيرة منه وتوزّع على المكتبات والإدارات العامة والمساجد والمراكز الثقافية، وطبعاً على الدبلوماسيين. فيما تتولى بعض الإدارات الأخرى ترجمة هذه الكتيبات إلى اللغات الإنكليزية والعربية والروسية بشكل أساسي، وأحياناً للغات الكردية والفرنسية والإسبانية.

تهتم تركيا بإظهار موقفها من كل ما يجري في العالم، في محاولتها الدائمة الظهور بمظهر الدولة العصرية والقوية التي تهتم بما يجري من أحداث وتطورات في الإقليم. بالإضافة إلى الرفع من شأنها كدولة فاعلة في أحداث العالم، وتعزيز من مكانتها كدولة لها دبلوماسية رفيعة المستوى والقدرة، وذي كلمة في كل ما يجري.

بالعودة لـ "احتلال القرن: فلسطين في ظل الخطط الأحادية"، لا تنكر تركيا حق إسرائيل في الوجود، لكنها تؤكد على موقفها المتقدم من القضية الفلسطينية. فيقول الكتيب على سبيل المثال: "لا ينبغي السماح هذه المرة بسياسات الاحتلال والألم والإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني منذ عقود، كما لا يمكن تحقيق خطة سلام حقيقية إلا عبر احترام قرارات الشرعية الدولية وفي إطار يضمن حقوق الشعب الفلسطيني". كما مواقف وزارة الخارجية التركية من أحداث ارتبطت بتطور مسار الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي خلال العهود الماضية، والتي تندد غالبيتها بالاحتلال، وتدعم الفلسطينيين في مساعيهم لتأسيس دولة وفق حدود العام 1967.

يقلل البعض من أهمية هذه الكتيبات، ولا يرى فيها سوى المزيد من النحو والهجاء والكلمات المنمقة التي لا تحتاج فلسطين شيئاً إضافياً منها. إلا أن تركيا، لا تزال من البلاد النادرة التي لم تنطفئ القضية الفلسطينية في وجدانها، ولم تبعها بأبخس الأسعار. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024