"المدن" تلتقي ريان وسميح اللذين سحرت خطوبتهما الفايسبوك

زكي محفوض

السبت 2020/07/18
في الآونة الأخيرة، انتشرت في السوشال ميديا وتناقلتها وسائل إعلامية، صور فوتوغرافية من جلسة تصوير تمهّد لخطوبة ريان سكر وسميح محمود. وشكّلت نوعاً من المفاجأة السعيدة حيث اختار الشاب والشابة مخيّم شاتيلا وحواضره، أمكنة لالتقاط صور المناسَبة. وأشيدَ بجماليتها وأصليتها (originality) وأصلية معدّيها: العروسان وزميلهما المصوّر عمر أحمد.

والبهجة العارمة التي خلّفتها الصور في نفوس من تابعوها في لبنان والعالم مع فلسطينيي الداخل والشتات، جعلتهما "عِرسان أنترناشونال"، وفق كلمات ريان عبر صفحتها في "فايسبوك". وقد اكتسب الثلاثة شهرة واسعة وانهالت على العروسين طلبات الصداقة، وتساقطت على عمر أفواج الفوتوغرافيين.

والحال أن صفحتَي ريان وسميح الفيسبوكيتين تشيان بمنبع سمة "الأصلية". فكل منهما يتبنى الشعار نفسه "أنا أنتمي لمن هم تحت"، وهو قول لناجي العلي في أحد رسومه الكاريكاتورية الشهيرة "متهم بالانحياز، وهي تهمة لا أنفيها، أنا منحاز لمن هم (تحت)"، بينما يشهد حنظلة على القول.



وأوضح سميح سبب اعتمادهما هذا الشعار: "لأننا فلسطينيون عاديون. مستضعفون في لبنان كما في داخل المخيّم. لكننا نقاوم وكلّنا أمل. ننفّذ كل شيء وننجزه بأيدينا وبأنفسنا". هم فعلاً ينتمون لمن "تحت" ولسان حالهم، كونهم من نحو 15 من الصحافيين الشبان والشابات العاملين في منصة "كامبجي" (Campji) الإعلامية، التي يديرها وينفّذ مشاريعها مركز "الجنى".

إعلاميون من قلب المخيمات، "تعوّد علينا أهلنا واستأنسوا بوجودنا وباتوا يشاركوننا شؤونهم وهمومهم،" توضّح ريان، "ويرتاحون لنا أكثر مما يفعلون في حضور صحافيين أجانب". مضيفة: "كل واحد منّا تلقى التدريبات ذاتها. ولذا ترانا نتعاون على تنفيذ التحقيقات المصوّرة؛ ونتبادل الأدوار أمام الكاميرا وخلفها".

إذاً هم أخوة "حنظلة" ناجي العلي، يرفعون هموم أهل المخيّم وشؤونهم إلى المهتمين بالشأن الفلسطيني في العالم. ويرمونها في وجوه مسؤوليهم، الفاسدين منهم خصوصاً، كتلك السيدة المعترضة على التنظيمات التي توزّع المساعدات "كل على حواكيره بس"، أي المحسوبين عليه، كما جاء في تقرير من فقرة "أصوات". ويلقون بالهموم أيضاً في وجه "مفوّضية اللاجئين"، المنظّمة العالمية المسؤولة عن شؤونهم... "تلك القطة الحلوة المْرَيّْحَة النصحانة عالقعدة"، كما يصفونها في إحدى فقرات "أخبار الاسطوح" التي تتوسّل "مسرحة" المواد الأخبارية. وجمهور المنصة يتزايد أكثر فأكثر، رغم أنهم ينقلون "ما لا ينقله الإعلام السائد الذي يهتم فقط بسيل الدماء والتقاتل والتفجيرات والإدمان"، كما يوضح العروسان.

وهنالك ميزة تصب في مصلحتهم كصحافيين، وهي أنهم هم أنفسهم من أهل المخيّم ويعانون المشاكل نفسها. ولذلك، تراهم يؤدون دور الصحافي الذي يستقصي تفاصيل الحدث ومكوّناته، وفي الوقت ذاته يكونون أحد هذه التفاصيل والمكوّنات. كأن ترى ريّان الصحافية في تحقيق ميداني حول غلاء الأسعار، تسأل أهل المخيّم عن تأثير ذلك في حياتهم، "الشامبو غِلي (ثمنه).. عمره ما حدا يتحمّم،" تتهكم السيدة بكل ظرف. ثم تقف ريان أمام صورة لقطعة لحم حمراء قانية شهيّة، تعبّر لها، أسوة ببقية الأهالي، عن اشتياقها لها بعدما فقدوها في المخيّم، ولبنان.



من هنا تأتي "أصلية" هؤلاء الشباب. من هنا يأتي انتماؤهم وانحيازهم المعلن في بروفايل العروسين. فناجي العلي وحنظلته وسيرته كلها، من تراثهم الغني. تراث يستخدمونه براحتهم. يشرّعونه للقاصي والداني، ولو فقط على جدران المخيّم. فلا متّسع هنا لمكتبات أو لأرشيف يرتاح فيها تراثهم حتى التعفّن، وهكذا يبقى حيّاً.

وتنقل صور "فوتوشُوتْ الخطوبة" الشهيرة، أن اللاجئين الفلسطينيين يَدَعون محمود درويش "يتهوّى" في الهواء الطلق، في ذلك الزقاق الضيّق ككل أزقة المخيّمات، يسقي أحلامهم بشِعره: "ولنا أخلاقنا الصغرى؛ كأن نصحو من النوم معافين من الخيبة نحلم بأشياء عصيّة! نحن أحياء وباقون وللحلم بقية..."، وإلى جانب العبارة، قلب أحمر، تحية للشاعر، فيما العروسان يتأمّلان ساهيَين مبتسمَين.

الزقاق الضيق نفسه شكّل ديكوراً للاحتفال بغسان كنفاني، روائي وقاص وصحافي من تراثهم أيضاً، في جولة مع رنا زيدان، عبر برنامج "بوستر"، فعرّفت عنه ثم علّقت صورة له على جدار زقاق، ليتهوّى كزملائه، ويتجدّد. ثم ألقت رثاء محمود درويش، لكنفاني الذي اغتاله الإسرائيليون في بيروت، يوم 8 تموز/يوليو 1972: "قولوا للرجال المقيمين في الشمس أن يترجّلوا ويعودوا من رحلتهم لأن غسان كنفاني يبعثر أشلاءه ويتكامل. لقد حقق التطابق النهائي بينه وبين الوطن".

الرثاء لم يدوّن على الجدار، لكن لا شك في أن صوت الصبية تسرّب إلى آذان سامعة خلف الجدران المرتجلة الرقيقة، فالتقطت الرثاء ومررّته إلى أفواه أصحابها ليردّدوه على مسامع آذان أخرى. وهكذا دواليك... وإلاّ لا تكون احتفالية.



أما الهجرة فمبتغى لاجئين كثر هنا، وسيرتها على كل لسان: "إذا اللبنانيين ما قادرين يعيشوا في بلدهم، إحنا بدنا نعيش فيها؟"، كما ورد في برنامج "عالمكشوف".

ومن متعة اللقطات أنها تُظهر الوله والهيام والخفر بين الشابين المُغرَمين. وفجأة، يصبح الركام والعشوائية مجرّد ديكور، يقوّي حدّة المأساة على قماشة مرتجلة من الفرح. أما لقطة رأسيهما خلف إطار خشبي يمسكانه، فلا شك أنها ستثير حسد عرسان كثر.

لعلّ صورة العروسين الملتقطة من الخلف فيما ينظران إلى مغيب الشمس فرحَين، يأملان خيراً لحياتهما، تصحّ ختاماً لهذا التحقيق مع كل التمنيات الطيبة، لولا أن ما يشغل البال أكثر، هو صورة العريس سميح حاملاً على ظهره جرة غاز خضراء وأكياساً من الحاجيات، فيما تقف العروس ريان خلفه تنظر إليه ضاحكة. لذلك، يجب على العريس أن ينتبه من تكرار هذه الأشغال الشاقة، خصوصاً تلك التي تظهر خلفها ضحكات "مشبوهة"!

كانت هذه قصة أخوة حنظلة ناجي العلي، حراس التراث الفلسطيني من التلاشي، وحاملي لواء العامة من الناس. يبقى أن عمر أحمد، مصوّر الفوتوشوت، يتبنى شعاراً لا يتعلّق بالحياد ويوحي بجرعة من التفاؤل: "ولا مرة الليل بيدوم".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024