"القوات" يستنسخ "حزب الله" في الشارع المسيحي

نذير رضا

الثلاثاء 2020/09/15
كان يمكن لحزب "القوات اللبنانية" ان يحتفي بذكرى اغتيال رئيس الجمهورية الشهيد بشير الجميل، من دون عرض رمزي. فالعرض، تذكير بحقبة مشؤومة، واستعادة لحقبة ماضية، يمكن اسقاطها على الوضع القائم لتكون استنتساخاً لتجربة "حزب الله" في الشارع المسيحي.

والعرض الرمزي، بالبزات العسكرية غير الكشفية، يحيل المشهد الى ثلاثينيات القرن العشرين لدى شروع مؤسس "حزب الكتائب اللبنانية" بيار الجميل في استنساخ تجربة شبابية اوروبية مهّدت في وقت لاحق الى تشكيلات "الكتائب" العسكرية. 


وتحيل الذاكرة الى مشهد آخر، هو حزب "الكتائب" نفسه في السبعينيات في مرحلة سبقت الحرب الاهلية، في مقابل المد العسكري الفلسطيني والعروض والاستعراضات المسلحة الفلسطينية في لبنان. 

كان المشهد السابق، بمثابة رسالة تثبيت لتوازن الردع، كقوة مسيحية متنامية في مقابل القوة العسكرية الفلسطينية، قبل أن تصطدم القوتان في العام 1975 وتشعل حرباً لم تنطفئ حتى العام 1990. كان العرض العسكري في ذلك الوقت، أداة رمزية لتغييرات سياسية يُنوى منها تغيير هيكلية النظام السياسي القائم، وتعديل موازين الحكم في لبنان أو الدفاع عنه. بمعنى، الدفاع عن مكتسبات في محاولة انتزاع أخرى. ونجحت في النهاية في فرض تغييرات، تحت نار المدافع والتعديلات في موازين القوى السياسية.

ويتكرر المشهد اليوم، من الناحية الرمزية، بالحدّ الادنى حتى هذا الوقت. فالسلاح، أو العسكرة بحدودها الدنيا، يعطي حامله قوة مفترضة. وهجه وسطوته وحظوته، لها تأثيرات في المشهد السياسي، سواء بالحفاظ على المكتسبات، أو بتغيير التوازنات. وحين لجأ اليه حزب "القوات" الآن، كعراضة عسكرية لم يلجأ اليها في السنوات السابقة، فإنه يضع قوته في مواجهة القوة الأخرى القائمة، وهي في هذه الحال قوة "حزب الله". ويفيد، استطراداً، بأن الستاتيكو القائم لا يمكن تغييره، أو الحفاظ على المكتسبات، الا بالقوة. تماماً مثلما ساهم السلاح الشيعي، رمزياً ومباشرة، بتكريس أعراف سياسية وبإلغاء أخرى. 

ثمة تغييرات سياسية الآن يجري التمهيد لها منذ ثلاثة أشهر، بعد انغلاق الأفق السياسي وتنامي الاهتمام الدولي بالساحة اللبنانية. بدأ منذ طرح البطريرك الماروني بشارة الراعي، ملف الحياد، وصولاً الى طروحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حول "عقد اجتماعي جديد"، مروراً بطروحات رئيس البرلمان نبيه بري حول الدولة المدنية، وطروحات "القوات" و"الكتائب" حول تطبيق اللامركزية الموسعة. 


وفي مقابل "البلوك" الذي يضعه الطرف الشيعي على تغييرات معينة، مثل تكريس الحياد أولاً، وثم انتزاع ما كسبه الشيعة في اتفاق الطائف لجهة المشاركة في السلطة التنفيذية عبر توقيع وزارة المالية، يظهر أن أفق التغيير لن يحصل الا باستعراض القوة، ولو رمزياً، للايحاء بأن "القوات"، كقوة مسيحية جاهزة لتواجه القوة الشيعية المسلحة، ولن تتردد في حماية المكتسبات أو إجراء التغيير المقصود، بالقوة، في مقابل قوة الحزب. 

في الشكل، تأتي الاستعراضات في مقابل الجهود التي ينادي بها الجميع، ومن ضمنهم "القوات" نفسه، لتكريس الدولة مرجعية سياسية وعسكرية، بلا أي رسائل تقوّض تلك الشعارات. لكن يبدو أن للمرحلة ظروفها المختلفة، فلم يتردد القوت في الايحاء بأن يستنسخ التجربة من الحزب، أو يستعيد تجربة سابقة لوجود الحزب وسلاحه. 

فالحزبان العقائديان، تجمعهما الخصومة السياسية والإيديولوجية، رغم انهما لم يصطدما في السابق بتاتاً عسكرياً، لا في الحرب الأهلية ولا في الفترة التي تلتها. وهما متشابهان، كلّ على ضفته، باستثناء الشبه القائم على التسلّح. ولا يبدو أن الشارع المسيحي الآن بصدد رفض استعراض القوة هذا، كتدبير مقابل لتجربة حزب الله العسكرية، وهو ما لم يظهر في مواقع التواصل الاجتماعي بعد العرض الذي حصل في منطقة الجميزة، في ذكرى اغتيال بشير. 

يستعيد الاحتقان السياسي في لبنان المرحلة التي سبقت الانفجار في العام 1975. وما لم يُتَّخذ قرار دولي بالتهدئة، أو بالتدخل لتغيير بطيء على مدى سنوات، فإن الانفجار سيحدث إما لتكريس موازين قوى جديدة، وإما للوذ باتجاه اللامركزية الموسعة التي بدأ تطبيقها إدارياً منذ سنوات، وتنتظر دفعاً دولياً لتكريسها بالنار أو بطرق أخرى.  
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024