قضية شربل خوري: القضاء يلجأ للتسويات

نذير رضا

الجمعة 2018/07/20
لا يُقرأ الحكم القضائي بحق شربل خوري وجوي سليم، إلا من زاوية "التسوية". فالهجمة الإلكترونية على خوري، بعد تعليقه الفايسبوكي المرتبط بالقديس شربل، وضعته في موقع التهديد. وآثر القضاء تحييده، لمدة شهر، عن التغريد، في ما بدا أنها تسوية، تُسكِتُ الهجمة عليه، بدعوى معاقبته، بالنظر الى أن الهجمة أكبر من القدرة على تبرئته، في ظل تمادي المتدينين، والمزاودين بالنَفَس الديني على "المساس بالقديسين".

ويستدعي الانصاف في هذا الصدد، قراءة الحكم القضائي على هذا النحو، رغم أن إسكات الرأي في مواقع التواصل وغيره، هو، في المبدأ، محل إدانة واستنكار، ويخالف التشريعات الدولية. ويقاتل اللبنانيون، كما قاتل قبلهم مواطنو العالم الحر، لتعزيز الديموقراطية وحرية إبداء الرأي خارج سياق سلطات القمع.

لكن السلطات، عادة ما تذهب الى تسويات منعاً لاثارة الرأي العام، خصوصاً حينما تكون القضية حساسة، ذات بُعد مذهبي، أو طائفي، وتحديداً في بلد مثل لبنان، لا يزال فيه الدين يقبض على مفاصل الرأي والولاءات، وهو ما لحظه القانون اللبناني في معرض توقفه عند منع "إثارة الغرائز الدينية".

حجم الحملة، قاد الى حكم ينظر اليه الحقوقيون على انه قاس، وينظر اليه المتدينون بوصفه مخففاً. ولو كانت الحملة أقل شدة، لذهب القضاء الى حكم يشابه أحكاماً اصدرها خلال الأشهر الماضية، مثل قاصرين في الشمال بقراءة آيات من سورة مريم، حينما مسوا بالسيدة العذراء.

يشبه الحكم القضائي، الى حدّ بعيد، تسويات تُعقد في خلافات إجتماعية كان يلجأ اليها ما يُسمى بـ"الفعاليات" وقادة الرأي في المجتمع المحلي. تفضي أحكام "المصالحات المحلية" في لبنان، لدى الاشتباك بين شخصين، الى إبعاد الطرف المسؤول عن الاشتباك لفترة، قد تمتد من ايام الى سنوات، بحسب طبيعة الخطأ. وهو ما قام به القضاء، لاخماد الحملة الالكترونية على شربل خوري، بمنعه من التغريد لمدة شهر.

على أن الادانة للحكم القضائي في هذا الصدد، تنطلق من ثوابت حقوقية ومبدئية لحماية ابداء الرأي. من هنا يمكن قراءة بيان الاستنكار الذي أصدرته "مهارات"، أو منظمات حقوقية أخرى، الى جانب تغريدات دفاعاً عن حرية إبداء الرأي. بنظر هؤلاء، يجب حماية الفضاء العام من تقويضه أو إسكاته، حماية لعرف ديموقراطي يتغني به لبنان، ومنعاً لسلطة "كمّ الافواه". واستطراداً، طالت الادانات حملات مستعرة بغطاء ديني ضد شربل وجوي، وصلت الى حدود سخرية مغرد من الواقع، بقوله: "مسيحي تضامن ودافع عن شارلي ايبدو والان يهدد ويتوعد ويشتم شربل خوري".

ما ورد في الحملة الإلكترونية، أكبر من أن يتم تخطيه، تجعل احتوائه ضرورة، حفاظاً على سلامة المغرد "المُدان" إلكترونياً. وهي حملة تستدعي ادانتها، والعمل على منع تكرارها، والاستعاضة عنها باللجوء الى القضاء في حال مسّت مشاعر مواطنين متدينين.

غير أن ما ورد في مداولات إلكترونية، يظهر أن الهوّة بين الضرورة ومراعاة المشاعر الاجتماعية والدينية، سحيقة. فمنطق الدولة يستدعي اللجوء الى مؤسساتها لفض الخلافات، لا كشف أمن ناشط ابدى برأيه ساخراً، وتعريض حياته للخطر.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024