أنا و"تندر" و"العقل القذر"

سارة حطيط

الجمعة 2017/04/14
"مرحبا، أنت فتاة جميلة، فهل تملكين عقلاً قذراً مثلي؟". هكذا فاتحني مارتن بالحديث، بعد ساعات قليلة على افتتاح حساب لي في تطبيق "تندر". كان صادماً بتعريفه عن نفسه. لم أتذكر اسمه لاحقاً. لكن كلما راودتني فكرة الموقع، أتذكر "صاحب العقل القذر".


لم أكن لأتصور أن رواد موقع مشابه، يرتادونه لغرض العلاقات المؤقتة. الصديقة التي أرشدتني إلى التطبيق، لم تقل لي أنّ هدف رواده، يتخطى التعارف، أو بناء الصداقات. بات الموقع سمة الباحثين عن علاقات سريعة، ومؤقتة. وهو ما لم أكن أبحث عنه، حين انتابتني الوحدة.

بعد تلقي رسالة صاحب "العقل القذر"، بدقائق قليلة، وصلتني رسالة تحمل إشارة قلب من حساب رجل آخر، تحمل كلمات التعارف المعتادة، وتستكمل بسؤال: "ماذا تفعلين؟"

- "أعمل في الصحافة، وأنت؟"

*"مصور، وأبحث عن مكان الفرح"

- "جيد"

* "كيف تمضين يوم العطلة؟"

-"لا شيء استثنائياً، فسحة على الخفيف؟"

يتوقف التواصل هنا. وفي اليوم التالي يسألني عن غيابي:

*"لا أفتح كثيراً هذا التطبيق ما رأيك بالتحدث على واتساب؟"

- أجيب: "أرى هنا المساحة جيدة للحديث؟"

* "طب، ما رأيك أن تأتي لقضاء عطلة الأسبوع في شاليه عندي في الجبل؟"

يختلف أسلوب رواد الموقع. لكن مقاصد معظمهم، واحد. كان الهدف من إطلاق حساب فيه، خوض تجربة "تندر"، واكتشاف مجهول إلكتروني بالنسبة إليّ. كل ما كنت أعرفه عنه بأنه مساحة للتعارف، ألتقى مع حاجتي للتحدث مع أشخاص جدد في لحظة ما. وفي الوقت نفسه لم أكن أرغب في الخروج واللقاء بالرفاق والأصدقاء و"سولفة" الحكي. كل ما كنت أريده مساحة خاصة، التحدث مع غرباء لا أكثر ولا أقل.

و"تندر"، هو مساحة افتراضية، يجمع بعض المعلومات من صفحتي في "فايسبوك"، وينقلها إلى حسابي في "تندر". تتضمن صوراً ونشاطات واهتمامات، وحتى الأصدقاء المشتركين. إلا أنه يتميز بتحديد صفات الجنس الآخر، وتحديد أعمار مَن أفضل الحديث إليهم، إضافة إلى النطاق الجغرافي الذي يتحدد بالكيلومترات، بعد أن يحدد التطبيق موقعك.

رواد الموقع، يلهون بالانتقال من صورة شاب/صبية إلى صورة أخرى. فإذا حصل إعجاب بالمظهر، يُرسَل الـ"لايك"، والعكس صحيح. وفي حال كانت مساحة الانجذاب أكبر، يرسل المستخدم "سوبر لايك". وفي حال الاستجابة، يستطيع الطرفان الانتقال الى خانة الرسائل والمحادثات. وهنا تكمن عملية التطابق، وهي الخطوة الأساسية في "تندر"، ليبدأ الطرفان بالحوار.

من جهتي، لم أحتمل الاستمرار في اللعبة طويلاً. تكاثرات الطلبات الراغبة في الانتقال من العالم الافتراضي إلى الواقع، وهو ما لم أستوعبه. وحالي، مثل حال كثيرين أيضاً، اكتشفوا أن المستخدمين للموقع في المناطق المحيطة بهم، يرتادونه لتحقيق تلك الغايات. فيقول لي صديق أنه تعرَف على فتاة جميلة جداً، وعرضت عليه قضاء ليلة سوياً. وأخرى رأت في "تندر" مكاناً مسلياً "لهيدي الحركات"، فاستعملت هذا التطبيق بعد انفصالها عن حبيبها، وتعرفت على شاب من خلال هذه المساحة الافتراضية.. بعضهم انسحب، وآخرون استمروا، مقتنعين بأن الموقع مساحة للعلاقات المؤقتة، وأن هذا ما يريدونه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024