"التيار العوني" يحمي القسطنطينية من "الفتح الإسلامي"

قاسم مرواني

الخميس 2021/06/17
لكل معركة سياسية زواياها القابلة للتدوير، يتلاعب بها ذوو الحنكة. لكل معركة مساراتها القابلة للتحريف، بحسب المصلحة الضيقة، أبعاد وأهداف عميقة لا يدركها الجمهور المأخوذ، عن طيب قلب، بالنوايا الحسنة للسياسيين. 
هكذا، ليس كل ما يلمع ذهباً، ليس كل شجار في السياسة هدفه كسر الآخر، أو حتى لو  كان الكسر هو الهدف، هذا لا يعني أن طرفي النزاع سيخرجان من المعركة منتصرين. 

تعطي معركة البيانات الدائرة بين رئيس الجمهورية من جهة، ورئيس المجلس النيابي من جهة أخرى، مثالاً واضحاً على ما ذكر أعلاه. بشكلها الضيق، الواضح للعيان، تبدو المعركة صراعاً على تأليف الحكومة، والجمهور يحاول، بينما يتفرج على تقاذف البيانات، إماطة اللثام عن الوجه الحقيقي للمعطّل. 

وقد يبدو لنا، نحن المتابعين، الساذجين إلى حد ما، أن الرئيس عون زج بنفسه في معركة خاسرة بمواجهة أكثر السياسيين حنكة في البلد، خصوصاً أن ضلوعه في تعطيل تشكيل الحكومة بات واضحاً جداً، إلا أن المعركة جرى تدوير زواياها وحرف مسارها، من معركة للتشكيل، إلى معركة صلاحيات واستهداف للموقع المسيحي الأول وهجوم إسلامي على المسيحيين.

أول مظاهر هذا التحريف بدأت بالظهور في مواقع التواصل الاجتماعي، في تغريدات لأنصار التيار الوطني الحر الذين لم يروا في بيان الرئيس بري شديد اللهجة، سوى تشبيهه للانهيار اللبناني بسقوط القسطنطينية، دلالة على فداحة الكارثة الآن وغداً. السجال وجد فيه أنصار التيار تشبيهاً لسقوط عاصمة الارثوذكس حينها في أيدي المسلمين، وكأن تحالف بري الحريري هو تحالف إسلامي هدفه إسقاط قصر بعبدا الرئاسي. 

المعركة بين بري والحريري وعون، معركة لا خاسر فيها، الجميع رابح على أبواب انتخابات نيابية قد تجري، مهما خسر الثلاثة في جولاتهم الصغيرة، إلا أن المكسب الأكبر هو شد عصب طوائفهم حولهم.

يستعيد سعد الحريري شعبيته شيئاً فشيئاً، بعدما كان قد خسر الكثير منها منذ 17 تشرين، بوصفه حامي السنّة في لبنان. الرئيس بري، الذي تطاوله فريقه اتهامات بالفساد وسوء استغلال السلطة، عاد إلى لملمة شتات جمهوره بوصفه الرجل القوي المتصدي لغطرسة جبران باسيل وميشال عون. هذان الأخيران أكبر الرابحين، بعدما أصبحا، معاً، الممثل المسيحي الأوحد على الساحة. هما، في نظر الجمهور المسيحي، وخصوصاً اليميني منه، حماة القسطنطينية من الفتح الإسلامي.

الخاسر الأكبر هو من وقف يتفرج على حرب أعدائه، علّ قتالهم يضعفهم جميعاً، فينقض عليهم. فاته أن الناس ستنسى وجوده. هكذا وقفت "القوات اللبنانية" على الحياد منذ ما بعد 17 تشرين الأول 2019، مكتفية بالمطالبة بانتخابات نيابية مبكرة تعلم حق العلم أنها لن تحدث، وأن الأفرقاء الآخرين لن يخوضوا معارك نيابية خاسرة. 

فضلت "القوات اللبنانية" ترك الساحة لـ"التيار الوطني الحر" على أمل أن يخسر من رصيده مع كل خطوة يخطوها، وفاتها أن لكل حرب مساراتها القابلة للتحريف.

"حزب الله" رابح دائماً، يشارك في المعارك من تحت الطاولة، حريصاً بذكاء على الحفاظ على شعرة معاوية مع كل حلفائه بينما يتمسك حلفاؤه بذقن معاوية كلها بينهم وبينه. يحاولون استمالته ناحيتهم، بالغزل حيناً وباللوم أحياناً.

وبينما يخوض معاركه بصمت، استطاع بعدما اطمأن لدعم بيئته، النأي بنفسه عن كل أسباب الأزمة. إعلامياً، هو الشريف، الذي لم يسرق ولم يشارك في الفساد، بل لطالما قدم الحلول وسعى إليها. ويوافقه حلفاؤه الرأي، فلا قدرة لهم على مواجهته. فمن دونه، لا مكان لهم على الطاولة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024