ملف "واتسآب" أبعد من الدولارات الستة.. ممَّ نخاف أمنياً؟

نذير رضا

الخميس 2019/10/17
تدور كل التعليقات حول قرار الحكومة فرض تعرفة على اتصالات الواتسآب، حول تكلفتها المادية، ودورها كمؤشر على رد فعل الناس حول سلة ضريبية جديدة تنوي الحكومة فرضها على مواطنيها، في ظل العجز المالي. 

لكن هذه التعليقات، لم تتوقف عند جانب فائق الأهمية، متعلّق بخصوصية المستخدمين، بالنظر الى ان عملية فرز الاتصالات، تستدعي الاستعانة بتقنيات جديدة، سيكون لها تأثير حتمي على تفكيك الاتصالات، وبالتالي انتهاك خصوصية المستخدم، والولوج الى مساحة آمنة وفرها تطبيق "واتسآب" الذي يعتمد تشفير الاتصالات والرسائل، أو تطبيقات أخرى أكثر أماناً أو عرضة للاختراقات. 

غير أن المعلومات عن التقنيات التي ستُستخدم وآليات الفرز، لا تزال عامة. ما هو أكيد أن الاتصالات لن تكون مجانية، على الاقل تلك المستخدمة من منصات الاتصالات الخلوية بأجيالها الثلاثة (3G + 4G + 5G)، ويمكن أن تكون مجانية إذا انطلقت من واي فاي. كما لم يُجزم بعد ما إذا كانت ستطاول الاتصالات عبر حسابات "فايسبوك" التي فُعّلت عبر البريد الالكتروني وليس عبر رقم الهاتف. وهي أسئلة، لا اجابات عليها حتى الآن، بانتظار أن تحدد الحكومة الآلية، وهي لا تزال مجرد اقتراح، سيصطدم بالكثير من العوائق القانونية. 

والعوائق القانونية، تبدأ من الزامية اجراء تعديلات قانونية بخصوص قانون مزود الانترنت الـ"واي فاي"، الذي يتسم بتعقيدات أكبر إذا ما قورن بالتعديلات التي تتطلبها تغييرات الخدمة في أنظمة الجيل الرابع مثلاً. اضافة الى ذلك، سيكون غير قانونياً بالنسبة لتطبيق "واتسآب" الذي فتح الخدمة مجاناً، فلا يمكن لطرف ثانٍ أن يبيعها لطرف ثالث، فضلاً عن أن الدولة تكون قد بدأت ببيع الخدمة مرتين، الاولى عبر بيع الانترنت، والثانية عبر بيع خدمة الاتصالات المجانية. 

هذه الجوانب من الملف، أوضحتها منظمة "سميكس" في تغريدات متتالية في صفحتها اليوم، ورسمت علامات استفهام كبيرة حول طرق التنفيذ. وأشارت إلى ناحية الملف الأمني للمستخدمين المرتبط بخرق خصوصيتهم، وهو جانب مفتوح للنقاش، كما هو مفتوح للرفض القانوني، منعاً لأن يتحول لبنان الى دولة بوليسية. 

وفي التداعيات المرتبطة بخصوصية المستخدم، ثمة تأكيد على أنها ستتأثر بالآليات المعتمدة لفرز الاتصالات. إذ ستستخدم وزارة الاتصالات نظام DPI الذي يؤثر حكماً في حماية خصوصية المستخدمين. لكن محمد نجم، مدير منظمة "سميكس" المتخصصة بالحقوق والحريات الرقمية، يتريث في الحديث عن مستوى الانتهاكات للخصوصية، قائلاً لـ"المدن" اننا ننتظر لنرى التقنيات التي سيستخدمونها لمعرفة الانتهاكات المترتبة على هذا الملف. 

ويوضح: "هناك شق مرتبط بضبط الاتصال، وشق آخر مرتبط بالخصوصية، لذلك من المبكر الجزم قبل مباشرة العمل به"، من غير ان ينفي احتمالات الحصول على بيانات اكثر خلال عملية فرز الاتصالات الصادرة عن التطبيقات أو الاتصالات العادية، وهو أمر مرتبط بنوع التقنية التي سيتم اعتمادها. 

والحال ان تاثير الاجراء، لن يطاول الفقراء الذين يستخدمون هذه التطبيقات لاجراء اتصالات مجانية فحسب، بل سيطاول السياسيين والأمنيين أنفسهم الذين يجرون اتصالات عبر "واتسآب" لأنها آمنة، وتمنع التجسس عليها في حالات كثيرة، كون الرسائل في "واتسآب" مشفرة. وعليه، فإن التأثيرات تطاول الجميع من دون استثناء، كل من موقعه، رغم أن السياسيين لن يكترثوا لستة دولارات تُضاف الى فاتورتهم الشهرية. 

هذا الملف، ولو أنه لم يأخذ الحيز الأكبر من نقاشات مواقع التواصل التي دارت حول السلة الضريبية والاقتصاد والتكلفة المادية على المواطن، الا أنها مرشحة لتكون عنواناً أول في البيئة الحقوقية الرقمية، بانتظار تمرير هذا الملف في مجلس النواب من عدمه خلال مناقشات موازنة المالية العامة للعام 2020. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024