النظام السوري لمواليه: أعطيتكم "حرية النقد".. والآن أستردّها

وليد بركسية

الجمعة 2017/10/06
باتت حالات الاعتقال المتكرر لناشطين إعلاميين ومواطنين عاديين ونجوم موالين للنظام السوري، على أيدي قوات الأمن السورية، بتهم "نشر الأخبار الكاذبة" و"النيل من هيبة الدولة"، نمطاً متكرراً يشير بوضوح إلى أن النظام يسحب حرية التعبير النسبية التي أتاحها في مناطق سيطرته خلال السنوات السابقة، والتي سمح بموجبها بتوجيه انتقادات علنية تتعلق بأداء الحكومات السورية المتعاقبة من الناحية الخدمية فضلاً عن الحديث عن فساد المسؤولين اقتصادياً.


آخر الحالات التي تندرج في السياق السابق، هي حادثة الناشطة الإعلامية ندى عدنان مشرقي، مديرة إحدى أكبر مجموعات الأخبار الموالية للنظام في "فايسبوك"، التي أطلق النظام سراحها، مساء الخميس، بعد أيام من اعتقالها بتهمة "نشر أخبار كاذبة"، وهي التهم نفسها التي واجهها، أواخر الشهر الماضي، الممثل الموالي للنظام مصطفى الخاني إثر انتقادات وجهها للسفير السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري.

وأكدت مشرقي عبر منشورات في صفحتها في "فايسبوك" وعبر مجموعة "شبكة أخبار اللاذقية" التي تحظى بجمهور واسع من المؤيدين للنظام، خبر إطلاق سراحها، واعدة بتقديم المزيد من التفاصيل عن الاعتقال في وقت لاحق، علماً أنها أشارت قبيل اعتقالها إلى أنها تلقت تهديدات بالقتل بسبب نشاطها الإعلامي الناقد، كما تعرضت لاعتداء بالضرب هي وزوجها قبل ساعات من اعتقالها في أحد شوارع اللاذقية.



في السياق، نشرت صفحة "سوريا فساد في زمن الإصلاح" خبر إطلاق سراح مشرقي، مع صورة لمحضر استجوابها من قبل الأجهزة الأمنية، ويظهر فيها أن التهمة الموجهة لمشرقي المشهورة بموالاتها الشديدة للنظام وانتقاداتها لأداء الحكومة الخدمي تحديداً، هي تقديم أخبار كاذبة والنيل من هيبة الدولة السورية. وتجب الإشارة هنا إلى أن مجموعة مشرقي تهتم بنشر أخبار مدينة اللاذقية، و"انتقاد المسؤولين الفاسدين" رغم أنها تحمل صورة رئيس النظام بشار الأسد، وتؤكد في منشوراتها أنها تهدف إلى مساعدة الأسد في الوقوف بوجه الفاسدين.



وكان النظام السوري متساهلاً إلى حد ما خلال سنوات الثورة السورية، في موضوع حرية التعبير في مناطق سيطرته، في الموضوعات الخدمية والمحلية، مقابل التشدد في ما يخص انتقاد المنظومة الأمنية أو العسكرية أو الحديث عن الانتماء السياسي للنظام والمسّ برموزه وجيشه. وهي سياسة كان الهدف منها توفير متنفس للمدنيين الراضين عن النظام جزئياً ومنعهم من الانقلاب على النظام بسبب فشله في توفير الخدمات الأساسية، وتحديداً الكهرباء، فضلاً عن مشاكل ارتفاع الأسعار وانتشار مظاهر الفقر، والنقمة العامة فيما يخص موضوع التجنيد الإجباري.

ومع ضمان النظام السوري لبقاء رئيسه بشار الأسد في السلطة، عطفاً على الانتصارات العسكرية التي حصل عليها النظام بعد التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانبه العام 2015، والتي أعقبت سنوات من تراجعه عن أكثر من ثلثي مساحة البلاد، بات النظام في وضع أفضل لاسترداد مقدار الحرية الضئيل الذي سمح به سابقاً، لأن طبيعته كنظام شمولي تقتضي تحكمه بمصادر المعلومات، خصوصاً أنه لن يعمد على الأغلب لحجب مواقع التواصل الاجتماعي التي سمح بها العام 2011، لتبقى سياسة الاعتقال والمراقبة أسلوبه الخاص لردع المدنيين والإعلاميين عن التعبير، في قضايا بسيطة أو شائكة، طالما أنها تمس "هيبة الدولة"، ويتراوح ذلك بين حالات الفساد والرشاوى والحواجز إلى انتقاد الوزراء والمسؤولين وعائلاتهم والتهكم عليهم عبر السوشيال ميديا.

وليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها مدير صفحة موالية للاعتقال، إذ تعرض مدير صفحة "الفساد في اللاذقية" للاعتقال سابقاً، كما تم اعتقال إعلاميين موالين وإيقاف برامج نقدية عبر التلفزيون السوري أيضاً لأسباب مختلفة، لكن تلك الحالات كانت فردية ولا تعبر عن توجه عام، وقد يكون أبرز الحالات هنا إيقاف برنامج "من الآخر" الذي يعرضه التلفزيون الرسمي، لأيام قليلة قبل إعادة السماح بعرضه العام 2015.

وباتت شعبة جرائم المعلوماتية التابعة للامن الجنائي السوري في وزارة الداخلية، ناشطة في مجال توجيه الاتهامات والرقابة على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، بموازاة إعلانات نشرتها قيادة حزب البعث الحاكم، لتدريب وتأهيل مدراء الصفحات "الوطنية" في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي إشارة إلى أن النظام السوري يريد إحكام قبضته على مصادر المعلومات "البديلة" التي وفرها في وقت سابق، وباتت وظيفتها مختلفة في الوقت الحالي، مع انحسار المعارك العسكرية في البلاد وانتفاء الحاجة للمراسلين الميدانيين الذين جندهم النظام ودربهم في وقت سابق، في دول مثل إيران (دمشق الآن، يوميات قذيفة هاون، ..).

اللافت هنا أن رئيس النظام بشار الأسد في شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو الماضيين يائساً من أجل فرض مظاهر النظام والقانون والسلطة التي كان يتمتع بها على مسؤوليه، حيث قدم عدة خطابات وإطلالات إعلامية تحدث فيها عن ضرورة محاربة الفساد، منها خطابه أمام مجلس الوزراء حول المظاهر المسيئة لصورة الحكومية والمسؤولين، والتي تحداها وزراء لاحقاً بتطبيق معاكس لها، مقايل دعوات الأسد للمواطنين والإعلام "الوطني" لكشف مظاهر الفساد علناً، ما أعطى انطباعاً بأن هناك خلافات داخل النظام نفسه حول تقاسم السلطة، مع تحول الأسد إلى أداة روسية - إيرانية يتم التحكم بها عن بعد، فيما كانت الأمور الإدارية على الأرض في قبضة الميليشيات الموالية التي باتت تمتلك نفوذاً مخيفاً في الداخل السوري.

وبهذا يكون التحول الجديد في الموقف الرسمي الأكثر تشدداً من حرية التعبير، إشارة إلى دخول النظام في مرحلة استقرار نسبي، والتفاته لحل مشاكله الداخلية، وليس تصرفات نابعة من فائض القوة فقط، حيث يتزامن كل ذلك بخريطة إعلامية جديدة يقوم النظام بصنعها، بإطلاق عدد من المواقع الإلكترونية الجديدة الموالية له وعدد من الصفحات والخدمات الإعلامية الجديدة عبر مواقع التواصل أيضاً، بانتظار إطلاق قانون جديد للإعلام أواخر العام الجاري على أبعد تقدير، فيما أطلق التلفزيون السوري برنامجاً ساخراً لاحتكار النقد الساخر المدجن "عبر الشاشة الرسمية".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024