المحاكم النقابية.. هاجس جديد لإعلاميي لبنان!

المدن - ميديا

الجمعة 2020/05/15
سحبت وزيرة الإعلام، منال عبد الصمد، فحوى التصريح الذي أدلت به في زيارتها الى نقابة محرري الصحافة، اليوم الجمعة، حول سجن الصحافيين، فطمأنت، عملياً، إلى أن النموذج السوري في التعاطي مع الصحافيين لن يكون قائماً. 
لكن هذا التراجع، لا يبدّد المخاوف من تعميم النموذج المصري، أي نقابة تضم جميع الإعلاميين، تُمنح سلطة الرقابة والمحاسبة على مضمون عمل الصحافيين. 

ومع أن نقيب المحررين، جوزيف القصيفي، كرر موقفه الرافض لـ"مثول أي زميلة وزميل في حال ملاحقة أي منهم لمخالفة نشر، إلا أمام محكمة المطبوعات، وأن يتولى التحقيق معهم القضاة وليس الضابطة العدلية"، إلا أن التصريح نفسه يحمل في طياته مخاوف من التفاف على هذا الموقف في المستقبل.

فقد طالب القصيفي "بإقرار مشروع القانون الذي يعدل قانون إنشاء نقابة المحررين، الراقد في إدراج مجلس الوزراء منذ العام 2017، وهو مشروع على درجة عالية من الأهمية لأنه يجيز انتساب الإعلاميين في قطاعي المرئي والمسموع والصحافة الإلكترونية إلى النقابة، بما يوسع قاعدتها، ويجدد خلاياها ويمكّنها من تحصين المنضوين إليها بصورة أفضل". 

في الشكل، هو مطلب عصري، لا جدال فيه. لكنه ينطوي على مخاطر يجب التنبه لها، مثل أن تمتلك النقابة سلطة رقابة ومحاسبة للصحافيين المخالفين للقوانين اللبنانيين، أو أولئك الذين يعرضون مصلحة الدولة للخطر. 

ويتخوَّف، مبدئياً، من منح هذه الصلاحية للنقابة. وينطلق التوجس من الخوف من منح صلاحية استثنائية للنقابة لتنفيذ عقوبة بحق الصحافيين، يمكن أن تكرر التجربة المصرية لجهة سحب "كارنيه النقابة" (أي إذن مزاولة المهنة) من الصحافيين المخالفين، وبالتالي منعهم من ممارسة العمل الإعلامي. ويعني ذلك منحها سلطة إنشاء مجالس تأديبية في النقابة تشبه المحاكم النقابية، وهو أمر مرفوض بالمبدأ، ويسحب الصلاحية من محاكم المطبوعات ويضعها لدى النقابة. كما ينهي الاقتراح الذي ورد في أروقة "المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع" للمواقع الالكترونية، القاضي باستبدال الحبس بالغرامات المالية. 

ورغم التأكيد المتكرر على أن مشروع القانون الجديد لن يتضمن سجن الصحافيين، إلا أن منح صلاحيات استثنائية للنقابة، ينطوي على ما هو أخطر. فسحب إجازة العمل، يشبه في العُرف الحقوقي، سحب الجنسية، أو الطرد التعسفي، وهو ما لا يجوز، وهو تدبير مُدان ومرفوض بالتأكيد. 

على العموم، كل ما يجري تداوله ما زال في إطار الاقتراحات. وثمة نقطة مضيئة في المعلومات عن اتصال تم بين الوزيرة عبد الصمد، والنائب السابق غسان مخيبر، أبدت فيه رغبتها التعاون معه في صياغة مشروع القانون. فالمشرّع والحقوقي مخيبر، الذي أعدّ مع مؤسسة "مهارات"، اقتراح قانون الإعلام الذي نوقش في لجان مجلس النواب ولا يزال في لجنة الإدارة والعدل، من أبرز المدافعين عن الحريات الإعلامية، ومن أبرز الرافضين لتوسعة صلاحيات نقابة المحررين لتكون "نقابة إلزامية"، تشبه نقابة المحامين أو نقابة المهندسين أو الأطباء.

فمهنة الإعلام من وجهة نظره، لا يمكن أن تُنظم في قانون. كما يرفض، من خلال تجربته السابقة في إعداد قانون الإعلام، أن تنشأ وسائل الإعلام بموجب تراخيص، أو أن تُدفع رسوم لقاء انشائها، رغم دفعه باتجاه أن تُنشأ بموجب "علم وخبر"، وأن يكون للمواقع الالكترونية مدير مسؤول. 

والحال ان نقابة المحررين، منذ سنوات، تدفع باتجاه أن تكون "نقابة الزامية" وتضم جميع العاملين، بما يمنع أي شخص من العمل الإعلامي ما لم يكن منتسباً الى النقابة. وقد عارض وزيران للإعلام على الأقل، هما طارق متري ووليد الداعوق في وقت سابق هذا التوجه، ورفضا اقتراحات النقابة لتكون "نقابة الزامية"، وهي واحدة من أسباب الخلاف بين المشرّعين في قانون الإعلام الخاضع للدرس في البرلمان، وبين نقابة المحررين.

وناقشت عبد الصمد، خلال لقائها مع مجلس نقابة المحررين، مشروع قانون إنشاء نقابة محرري الصحافة اللبنانية (الصحافيين) والتعديلات المقترحة عليه، اضافة الى العناوين الرئيسية لخطة وزيرة الإعلام من أجل إعلام جديد وعصري، ومشروع قانون الإعلام الذي تدرسه اللجان النيابية، ومستحقات وحقوق النقابة السنوية المتأخرة.

وسأل القصيفي في الاجتماع: "لماذا يخاط قانون الإعلام في غفلة من المعنيين وأولي الشأن، وكأنه سر من الأسرار". وقال: "نحن غير معنيين بأي أمر يتصل بما يطبخ على مستوى الصحافة والاعلام، من دون أن تكون لنا شراكة فيه ورأي".

بدورها، تطرقت عبد الصمد إلى الإعلاميين والأحكام بحقهم، وأكدت ان "الإعلامي ليس مجرماً وحقوقه مصانة وأن لديه حرية الرأي والتعبير المصانة في الدستور، وبالتالي لدينا إقتراحاتنا في ما يتعلق بهذا الموضوع من ناحية طبيعة العقوبات التي تفرض على الإعلامي، كما البحث في عقوبة السجن التي يجب ألا تكون في إطار موسع، آخذين بالإعتبار بعض الضوابط التي تحمي الدولة وهيبتها وأركانها الأساسيين". 

وسرعان ما سحبت هذا التصريح من التداول بتوضيح، قالت فيه: "منعاً لأي التباس، أؤمن بأن حرية الإعلام مقدسة ويجب أن تكون مصانة دوماً، وأؤمن بأن الإعلامي ليس مجرماً ولا يجب أن يُسجن في معرض عمله الإعلامي. ونعمل منذ فترة على وضع تعديلات تمنع محاكمة الإعلاميين أمام المحاكم اللبنانية في ما خلا حالات ضيقة كالقتل أو التعدي على حقوق الآخرين وشرفهم". وأضافت: "هذه من الحالات الضيقة التي عنيتها. وبالتالي أتمنى من الزملاء الذين سارعوا لنشر التأويلات أن يتأكدوا منا أولاً فبابنا مفتوح للجميع"... علماً أن الجنح والجرائم الجنائية لا علاقة لها بممارسة مهنة الإعلام، ولو حدث أن اقترفها إعلامي!
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024