"سيدي الرئيس".. رسائل الموهومين السوريين

وليد بركسية

الجمعة 2019/01/11
"سيدي الرئيس".. ليست مجرد أغنية معروفة للمغنية اللبنانية ماجدة الرومي، بل هي أيضاً الطريقة التي يفتتح بها الموالون للنظام رسائلهم للرئيس السوري بشار الأسد، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي باتت في الفترة الأخيرة نمطاً رائجاً أو "تريند"، له دور بارز في إعادة تعويم الأسد نفسه ضمن بيئته الداخلية، كرمز صالح، والأهم: "منفصل" عن بقية النظام الفاسد.


بطبيعة الحال، لا توصل هذه الرسائل إلى نتيجة، مهما تنوعت بين المطالبة بالرحمة والشفقة على الشعب الذي تعب من "الإرهاب"، أو تحقيق شيء من الإصلاح في قطاع الخدمات اليومية، أو حتى المطالبة بالكشف عن مصير موالين اختفوا بلا سبب واضح في معتقلات النظام. لكنها تكرس دعاية النظام القديمة التي تعود إلى ما قبل الثورة السورية، وتصور الأسد كزعيم إصلاحي.. قد يحيط به فاسدون.

والحال أن النظام كرس منذ بدايات الثورة السورية، بشكل خاص ومباشر، خطاباً دبلوماسياً وإعلامياً يقول أن الأسد حاكم صالح محاط بحاشية سيئة. وبين ذلك الخطاب، ورسائل الموالين، تتشكل دائرة مغلقة تكرر نفسها لدرجة لا يمكن الحكم معها إن كان الموالون مصدر إلهام تلك البروباغندا الرسمية أم متأثرين بها فقط! ولا يختلف المشهد هنا بين منشورات عائلة الإعلامي الموالي وسام الطير، المختفي منذ نحو شهر، أو منشورات حديثة للممثلة شكران مرتجى، أو منشورات لآخرين لا يتمتعون بصفة اعتبارية.



رغم ذلك تحمل الرسائل اليوم اعترافاً متجدداً من الموالين بالأسد شخصياً، كحامٍ للبلد والنظام العام، بعد سنوات الحرب التي تنتهي تدريجياً، ما يقتضي بالتالي فصله عن بقية مظاهر الفساد، التي تُتهم الحكومة بها، أو عن المسؤولين الفاسدين، من دون تحديد هويتهم. وتبدو وكأنها مطالبة بردّ الجميل لهم، على صبرهم ودعمهم للأسد، وكأنهم يقولون بشكل غير مباشر أنهم يدركون أن الأسد ليس مصلحاً ولا جيداً، لكنهم يقبلون به، وفي المقابل يريدون الأساسيات فقط، التي كان النظام يوفرها سابقاً، كالتعليم والطبابة والمحروقات والطعام والكهرباء.

ولهذا لا تختلف رسائل الموالين عن بعضها البعض، إلا في نوعية الطلب أو الشكوى. فتتكرر عبارات الترجي والاستعطاف من "قائد الوطن"، ويتم توقيعها بكلمة "مواطن/مواطنة"، ويتم فيها تقديم فروض الطاعة على أمل الحصول على قليل من الكرامة البشرية بالحد الأدنى، بحيث لا ينحدر "المواطنون" نحو الجوع والبؤس، في وقت تعيش فيه مناطق النظام أزمة كبيرة في الشتاء مع نقص حاد في الكهرباء والمحروقات وحتى بعض المواد الغذائية كحليب الأطفال.

والحال أن جذور هذا الخطاب قديمة وليست طارئة. فالتحكم بمقدار الثروة ومعايير والفقر والغنى، كان أسلوباً برع فيه النظام، قبل وصول بشار الأسد إلى السلطة العام 2000، فالدولة السورية قبل ذلك قامت على أسس اشتراكية، على الأقل في الظاهر، بتقديم خدمات عامة مجانية للمواطنين، بغض النظر عن جودتها، فضلاً عن دعم المواد الأساسية مثل الخبز والأسمدة والمحروقات وغيرها. لكن ذلك تغير في الألفية الجديدة، مع تحول النظام إلى الخصخصة والميل نحو الليبرالية، مع احتفاظ الدولة بصلاحيات واسعة على الشركات، ما أدى إلى ظهور تكتلات اقتصادية تحكم البلاد، كشركات رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد.



ويجب القول أن الإصرار العجيب على فصل الأسد عن بقية النظام، من طرف الموالين، قد يشكل اللغز الأكبر في مشهدية الثورة السورية. فالموالون يعانون الأزمات نفسها مع "الحكومة"، مثل المعارضين، على المستوى المعيشي وفي الظروف الاقتصادية والخدمية والفساد، لكنهم يختلفون عنهم في الموقف السياسي. فبينما ثار المعارضون على هذا الواقع البشع من أجل تغييره إلى الديموقراطية، ما زال الموالون ينظرون إليه بشيء من القصور أو الإنكار لاعتبارات مختلفة، اقتصادية واجتماعية وأمنية. وهم مؤمنون، في أحسن تقديرات النوايا، بأن رئيس النظام نفسه سيصلح كل شيء، بلمسة سحرية، مع نهاية الحرب.

المضحك هنا أن الأسد نفسه، هو عملياً رئيس للحكومة، ويجتمع دورياً مع مجلس الوزراء، ويقول دائماً أنه يتابع كل ما يحصل في البلاد على صعيد الأساسيات. لكن ذلك كله لا يظهر في رسائل الموالين، التي تصور الأسد منشغلاً في "الدفاع عن الوطن ضد الحرب الكونية"، كقائد عسكري أولاً، وكرئيس طيب القلب مدافع عن العدالة يخدعه الأشرار المحيطون به.

علماً أن الرسائل الموجهة للرئيس تُعتبر تقليداً قديماً، وكان يتم إيصال تلك الرسائل عبر الدوائر الشخصية أو عبر برامج الخدمات في التلفزيون الرسمي، قبل حقبة السوشيال ميديا، التي جعلت ممكناً التوجه مباشرة بالحديث للرئيس من دون وسيط. مع التذكير في كل رسالة بـ"الإيمان" بأن الأسد سيقرأ تلك الرسالة بكل تأكيد وسيستجيب لها كما ينبغي.

في المقابل يعمل الأسد نفسه، كناجٍ (Survivor)، على تعزيز صورة الفساد عند الطبقة الحاكمة، بحديثه عن محاربة الفساد، وبعض التغييرات الشكلية من حين إلى آخر في الحكومة، قبل تعزيز صورته كنصير للفقراء، من خلال الزيارات الشخصية التي يقوم بها في مناطق موالية، أو ما تقوم به زوجته أسماء الأسد من نشاطات مع عائلات جنود النظام أو الفقراء الموالين، والتي يتم التمهيد لها دائماً بأنه سمع بالمعاناة فأراد التأكد منها شخصياً. وبالتالي يغذي ذلك على الوهم الذي يفصله عما يحصل في البلاد، على المستوى الخدمي والاقتصادي وعلى مستوى المظالم الاجتماعية والطبقية التي تتكرر في البلاد منذ عقود.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024