أي أدلة تدين مجرمي الحرب في سوريا؟

حسن مراد

الأحد 2019/05/12


الجهود المبذولة منذ سنوات لجمع أدلة من شأنها إدانة مجرمي الحرب في سوريا لم تعد خافية على أحد لا سيما مع البدء بتوقيف ومحاكمة عدد من المشتبه بهم أمام المحاكم الوطنية الأوروبية. 

هي قضيةٌ تثير شغف الوسائل الإعلامية لما تحمله من رمزية سياسية وإنسانية وقانونية. وعليه، ليس مستغرباً إذاً أن تبادر محطة France2 إلى تناول هذا الموضوع في إحدى حلقات برنامج Complément d'enquête ، في حلقة حملت عنوان "مجرمو الحرب: المطاردة الكبرى" وبثت مساء الخميس الماضي. 

صحيح أن الإعلام الفرنسي سلط الضوء مراراً على ملف مجرمي الحرب في سوريا لا سيما أولئك الذين استقروا في أوروبا، وصحيحٌ أيضاً أن بعض الأدلة التي من شأنها إدانتهم باتت في متناول شريحة واسعة من الرأي العام، لكن تبقى ميزة ما عرضته المحطة الفرنسية هو الربط بين مختلف الأدلة المتوفرة عوضاً عن تناولها بصورة مجتزأة. 

ففي المقابلة مع مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في منظمة "هيومن رايتس ووتش" نديم حوري، استحضر الأخير الصور والوثائق التي سربها العسكري المنشق المعروف بـ"قيصر"، صور تعود لجثث آلاف السوريين قضوا تحت التعذيب في معتقلات النظام، وأضاف إليها حوري شهادات لمعتقلين سابقين تمحورت حول أساليب التعذيب التي تعرضوا لها. 

وكان فريق من المنظمة قد تمكن من الدخول إلى أحد معتقلات مدينة الرقة في نيسان 2013 (عقب خروجها عن سيطرة النظام) ما اتاح جمع وتوثيق أدلة تؤكد التعذيب الممارس من قبل النظام، ما أعطى مصداقية أكبر لشهادات المعتقلين السابقين ولصور قيصر. 

من جانب آخر، التقى الصحافيون بمدير لجنة العدالة والمساءلة الدولية بيل وايلي الذي أطلعهم على ما جمعه بدوره من وثائق محفوظة في مكان سري بعد تهريبها من سوريا. هذه الوثائق، التي يقارب عددها الـ 800000 سمحت بإعداد لائحة من 569 إسماً لسوريين يقيم معظمهم في أوروبا ويشتبه بارتكابهم جرائم حرب و/أو جرائم ضد الإنسانية.

من بين هذه الأسماء خالد الحلبي رئيس الفرع 335 التابع لأمن الدولة في الرقة. الحلبي فرّ من سوريا عام 2013 ليحط به الرحال في فرنسا عام 2014 ويعتبر الشخصية المخابراتية الأرفع رتبة التي ما زالت متواجدة في أوروبا. 

هنا جاء دور "معاذ" اللاجئ حالياً في فرنسا ليعرض على الشاشة تجربته وشهادته. اعتقل معاذ في الرقة عام 2011 من قبل أمن الدولة ما دفع بفريق العمل إلى اطلاعه على ما صورته كاميرا "هيومن رايتس ووتش" داخل المعتقل الرقاوي، فتعرف فوراً على المكان لا سيما مكتب الحلبي (حيث جرى التحقيق معه) وأدوات التعذيب التي يحتويها. 

وقد تمكن الصحافيون من التواصل هاتفياً مع خالد الحلبي لمواجهته بما يملكونه من أدلة إلا أنه تهرب من مقابلتهم، كما نفى صحة الفيديوهات التي صورت في الرقة واصفاً إياها بالفبركة الإعلامية كما اتهم ضحاياه بالكذب.  

لكن أكثر ما استرعى انتباه الصحافيين هو معرفة كيف تمكن هذا الضابط السابق من الاستقرار في أوروبا. فبحسب منظمات غير حكومية، منحت الدول الأوروبية اللجوء السياسي لنحو 1000 سوري يشتبه بتورطهم في جرائم حرب و/أو جرائم ضد الانسانية. 

أول ما يتبادر إلى الأذهان أنهم اكتفوا بإخفاء هويتهم الحقيقية، لكن خلال تعقب فريق العمل لأثر الحلبي اتضح لهم أن الأخير أبدى استعداده  "للتعاون" مع الأجهزة الأمنية الفرنسية في حربها على الإرهاب لقاء منحه اللجوء السياسي. 

عرضٌ لم يلقَ آذاناً صاغية ورفضت فرنسا منحه اللجوء في العام 2017 بعد اتضاح ما ارتكبه في الماضي. لكن تبين للصحافيين أن الحلبي انتقل إلى النمسا عام 2015 أي حتى قبل صدور القرار الفرنسي برفض منحه اللجوء، ليطرحوا بذلك تساؤلاً عما إذا كان أبرم "الصفقة" مع النمساويين. والجدير بالذكر أن القضاء النمساوي تحرك في العام 2018 للتحقيق مع الحلبي بعد تقديم دعاوى ضده وهو حالياً متوارٍ عن الأنظار. 

التدرج في عرض أدلة متنوعة ومن مصادر متعددة والربط في ما بينها هو ما ميّز التحقيق المذكور ومَنَحَه خصوصية عما سبقه من تغطية إعلامية وصحافية لهذا الملف. فمن خلال الإضاءة على حالة خالد الحلبي، أتيح للمشاهد أن يفهم ماهية الأدلة التي تعمل أجهزة الشرطة ومختلف المنظمات الحقوقية على جمعها في هذا السياق. 

من جانب آخر، سلط هذا التحقيق الضوء على مسألة بالغة الأهمية وهي كيفية تمكن المشتبه بهم بالاختباء بين طالبي اللجوء في أوروبا، ما يفتح الباب على نقاش مزدوج حول الشفافية والنزاهة في منح صفة اللاجئ في الدول الأوروبية من جهة، ومن جهة أخرى الثغرات في آلية التدقيق في طلبات اللجوء والتحقق من هوية اصحابها. 

اختتم هذا التحقيق بمقابلة مع إحدى المحاميات للإضاءة على بعض الجوانب القانونية لهذا الملف. اللافت في المقابلة هو المكان الذي جرت فيه، أمام حائط السلام في باريس. بالتأكيد لم يتم اختيار المكان عشوائياً وكأنها رسالة مفادها أن طريق السلام في سوريا تمر بمحاسبة المجرمين على ما اقترفوه.
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024