#رح_يقع: أقل من ثورة.. أكثر من غضب

وليد بركسية

الإثنين 2019/03/11
بدت سوريا وكأنها عادت للعام 2011 مع مشهد الاحتجاجات التي شهدتها مدينة درعا ضد النظام السوري مجدداً. هتافات وحشود صغيرة ترفع صوتها بكلمة "لا" ضد السلطة التي لم تكن تتوقع ربما رد الفعل هذا بعد سيطرتها العسكرية على المدينة التي انطلقت منها أصلأً الشرارة الأولى للثورة السورية.


وبين الشعارات التي أعيد استخدامها مثل "سوريا لينا وما هي لبيت الأسد" أو "عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد"، برز شعار "#رح_يقع" كعبارة جديدة باتت رمزاً للتظاهرة ككل، في إشارة إلى تمثال حافظ الأسد الذي أعاد النظام نصبه في ساحة تشرين بدرعا المحطة، بالتزامن مع ذكرى الثورة السورية، وباتت العبارة وسماً (هاشتاغ) في مواقع التواصل الاجتماعي مع صور الناشطين، للتذكير بأن الثورة السورية مازالت مستمرة حتى "إسقاط النظام ورموزه وللتعبير عن رفض حكم سوريا من قبل أشخاص، وأن شعلة درعا لن تنطفئ".

ورغم رومانسية الفكرة وإغراء الحديث عن ولادة جديدة للثورة السورية، بالتوازي مع مشهد الجولة الثانية من الربيع العربي في دول عربية أخرى كالسودان والجزائر، إلا أن المشهد الحالي يعبر عن حالة شعبية تتجاوز حد الغضب وتقل عن مرحلة الثورة، حتى لو كانت الشعارات المستخدمة هي الشعارات القديمة نفسها المطالبة بإسقاط النظام والمتحدية لرئيس النظام بشار الأسد نفسه. خصوصاً أنه لا يمكن الجزم بمدى تطور الأحداث وكيفية ارتدادها على مناطق أخرى، مثلما كان الحال عليه قبل ثماني سنوات، عندما تعاطفت البلاد بكاملها مع القمع المروع الذي تعرض له المدنيون السلميون في درعا.


ورغم أن المشهد يذكر ببدايات الثورة السورية، إلا أنه مشهد مختلف عن تلك الذكريات، فالسوريون حينها كانوا يتعلمون كيف يكسرون حاجز الخوف من النظام، مع أمل كبير بتحقيق مستقبل أفضل لكل السوريين. لكن النتيجة المروعة التي وصلت إليها الثورة السورية، من جهة فشلها كحركة سياسية وعسكرية، أو جهة رد فعل النظام العنيف عليها من جهة ثانية، تجعل تلك الرؤية الشاملة غريبة، في وقت بات فيه السوريون يبحثون عن إجابات لأسئلة الهوية والانتماء ومعنى أن يكون المرء سورياً.

والحال أن درعا تشهد توتراً خفياً منذ أشهر، حيث انتشرت الاحتجاجات السرية التي رسم فيها أشخاص مجهولون عبارات مناهضة للنظام رفضاً للتسويات القائمة التي تخرق باستمرار من طرف واحد، وكانت صورها تنتشر عبر المجموعات الإلكترونية الخاصة بعيداً من الحراك الثوري العلني الذي عرفته البلاد قبل سنوات. وذلك، في تجل واضح للمخاوف الأمنية التي أعادتها سيطرة النظام على مناطق واسعة من البلاد من جهة، ونوعية العنف التي استخدمها في قمع الثورة السورية من جهة ثانية.

وبالتالي تأتي الاحتجاجات الجديدة والحملة الإلكترونية المرافقة لها اليوم، استكمالاً لتلك الحالة من الاستياء المحلي من مسار المصالحات التي تمت أصلاً تحت التهديد، والتي لم تفض لأي استقرار نسبي في المنطقة، خصوصاً أن أهل المنطقة وجدوا أنفسهم تحت النار والملاحقة للتجنيد الإجباري رغم الضمانات الروسية بعدم حصول ذلك. ليأتي الاستفزاز الجديد من طرف النظام الذي أراد إعادة نصب تمثال حافظ الأسد في أكبر ساحات المدينة، بدلاً من التمثال الذي حطمه متظاهرو درعا قبل سنوات، في مشهد أيقوني من ذاكرة الثورة السورية.

ويمكن الاستدلال على ذلك من الهاشتاغ نفسه، حيث يتحدث السكان المحليون عن استيائهم من نصب التمثال بدلاً من الاهتمام بقضايا خدمية ومعيشية واقتصادية. ويبدو ذلك الاحتجاج قريباً من الاحتجاجات التي يتحدث بها الموالون للنظام أنفسهم في نقدهم لـ"الحكومة". إلا أن التعبير عنه يأخذ طابعاً مختلفاً وأكثر صدامية، بسبب غياب الثقة في النظام من جهة، وتاريخ العنف الطويل الذي ارتكبه النظام هناك من جهة ثانية.


وتحدثت تغريدات عن هذه النقطة، بالإشارة إلى ضرورة التمييز بين الناس في مناطق النظام بأوصاف تتخطى الوصف التقليدي للموالين والمعارضين، خصوصاً أن التغيرات الديموغرافية التي حصلت بشكل ممنهج طوال سنوات، والتهجير القسري واللجوء والاغتيالات والاعتقالات، أدت لتغييرات عميقة في البيئات المحلية، قلصت الفارق ربما بين أطياف الموالين والمعارضين القدامى.

ويجب القول أن المظاهرة والحملة المرافقة لها في مواقع التواصل، أعادت الزخم الثوري للمعارضين اليائسين، وباتت تذكيراً لكل من يعتقد بأن السيطرة العسكرية قادرة على إنهاء المطالبات بالحرية والديموقراطية في البلاد. وباتت رداً على الخطاب الإعلامي والدبلوماسي الشائع، عربياً وعالمياً، حول ضرورة التطبيع مع النظام السوري كضامن للاستقرار في وجه الإرهاب المفترض، لأن سيطرة النظام العسكرية حصلت من دون بذل جهود حقيقية تؤدي إلى حل سياسي حقيقي ينهي جذور الصراع الأساسية التي أدت للثورة ثم للحرب والفوضى.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024