الدولة المدنية: فرنسا تدفع.. والأحزاب تسوّق

قاسم مرواني

الأربعاء 2020/09/02
بدت طروحات  الدولة المدنية التي وردت على ألسنة السياسيين والمسؤولين اللبنانيين أخيراً، إرضاء للشعب وللضغوط الفرنسية بما يتخطى كونها تعبيراً عن إرادة ممكن تحقيقها بالنسبة إلى القوى السياسية التي أعلنت مساعيها للتحول باتجاه الدولة المدنية. 

وتسكن الهواجس الطائفية، أي طرح من هذا النوع، وتلف حول تفاصيل الطروحات والعملية التغييرية المنوى العبور اليها.. لذلك، تبدو الطروحات سوريالية، وفي أقل تقدير، هي للتسويق الداخلي إرضاء لمطالب الثوار والمحتجين والقوى المدنية التي ترى خلاص لبنان فقط في الدولة المدنية. 

ففي مئوية لبنان الكبير بدأ طرح الدولة المدنية في خطابات العديد من الزعماء السياسيين، من دون الدخول في تفاصيل هيئتها وكيفية تحقيقها. وبدت تماهياً مع الإرادة الشعبية بعد انتفاضة 17 تشرين، وعلى ما يبدو مع إرادة دولية، فالرئيس الفرنسي خلال لقائه مع الرئيس ميشال عون في مطار بيروت كان قد عبّر عن ارتياحه لطرح الدولة المدنية.

والحال إن عقبات كثيرة تحول دون الوصول إلى دولة مدنية، ويشكل المسيحيون العائق الأول أمامها، الأمر الذي يجعل طرح الرئيس عون مجرد تماه مع "الشعب"، خصوصاً أن إلغاء الطائفية والحكم المدني موجود في برنامج "التيار الوطني الحر" منذ زمن بعيد، ولم يبادر لا الرئيس عون ولا تياره بأي خطوة نحو تطبيقه، ولا حتى لعقد طاولات حوار لبحثه وخوض النقاش فيه، مثلما تعهد خلال الغداء مع ماكرون في مئوية لبنان الكبير. على العكس تماماً، استفاد التيار من النظام القائم لتحقيق حصة أكبر في السلطة. 

وفي المقابل، جاء طرح الرئيس نبيه بري، بحسب خطابه في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر، بعدما كشف انفجار المرفأ سقوط النظام السياسي والاقتصادي، قائلاً إننا الآن في حاجة إلى عقد اجتماعي جديد والعمل على إقامة الدولة المدنية، رابطاً إياها بتطبيق اتفاق الطائف، أي فصل مجلس الشيوخ عن مجلس النواب، وإجراء انتخابات خارج القيد الطائفي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة. 

كل زعيم سياسي لديه تصور مختلف عن الدولة المدنية، لذلك فإن مجرد طرحها يعتبر غير جدي في وجود الكثير من الهواجس والعقبات التي تحول دونها، خصوصاً لدى المسيحيين.

فقد اعتبر رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع في وقت سابق أن الدولة المدنية تعني الديموقراطية العددية، وربما كان أكثر الزعماء صدقاً حين رفضها بالمطلق في تغريدة نشرها بتاريخ 13 آب الماضي. فالديموغرافيا اللبنانية تفرض أمراً واقعاً لا يمكن الهروب منه ويتخوف المسيحيون من أن تؤدي الديموقراطية العددية إلى إلغائهم وتغيير صورة لبنان. 


أما أمين عام حزب الله، فقد أعطى موقفاً ملتبساً من الدولة المدنية، إذ ربط موافقة حزبه منها بألا تشكل أي هاجس لأي طرف لبناني آخر، وهو المدرك جيداً للهواجس الموجودة لدى العديد من الأطراف وخصوصاً المسيحيين. 

ويسوق جمهور تلك القوى السياسية لمواقفها على أنها طروحات لخلاص لبنان، وهي بالفعل كذلك، لكن الجمهور نفسه لا يتوقف عند التفاصيل والخلفيات والعوائق، وهو أصلاً غير معنيّ بها، لكنه يرمي بها على الطرف الآخر الرافض لهذا المنطق التغييري المتقدم في البلاد. وبذلك، يتماهى جمهور القوى السياسية مع "مطالب الشعب"، ويضع نفسه في مرتبة السبّاق الى تلك الطروحات، تمهيداً لحصار مطالب المحتجين في الشارع.
 

وبينما يطلق الزعماء السياسيون تصريحاتهم، فإن الشارع موجود في مكان آخر كلياً، وبالتحديد العلمانيون الخارجون من الأطر الطائفية والذين ليس لديهم انتماء حزبي لأي من أحزاب السلطة الحالية. يعتبر هؤلاء أن تصريحات السياسيين ما هي سوى ذرّ للرماد في العيون، وأن الدولة المدنية لا يمكن أن تطبق على أيدي من مؤسِّسي النظام الطائفي والذين غذّوه واستفادوا من المحاصصة التي يؤمنها لهم. ويعتبر البعض أن قيام دولة مدنية لا يتوافق مع وجود سلاح غير شرعي خارج سلطة الدولة. 



©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024