محاكم عسكرية تستهدف متظاهرين معارضين للحكومة في لبنان

المدن - ميديا

الأحد 2020/11/22
كان خلدون جابر يشارك في مظاهرة مناهضة للحكومة بالقرب من القصر الرئاسي خارج بيروت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عندما اقترب عدد من رجال المخابرات اللبنانية في ملابس مدنية واقتادوه عنوة.

كانت المظاهرة في إطار موجة احتجاجات تجتاح لبنان ضد الفساد وسوء الحكم من قبل مجموعة من السياسيين الذين احتكروا السلطة منذ انتهاء الحرب الأهلية في البلاد قبل ثلاثة عقود. لم يكن جابر يعلم ذلك حينها، لكن قوات الأمن اللبنانية استهدفته بسبب منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي التي تنتقد الرئيس ميشال عون.

ما تلا ذلك كان 48 ساعة مروعة من الاعتقال، استجوبه خلالها ضباط الأمن وعرضوه للاعتداء الجسدي، قبل السماح له بالرحيل. وقال جابر لوكالة "أسوشييتد برس": "تعرضت للضرب والأذى نفسياً ومعنوياً. تم كسر ثلاثة من أسناني وفقدت 70 بالمائة من قدرتي السمعية في أذني اليسرى". وأضاف: "ما زلت مصدوماً".

بعد عام من اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية في لبنان، يحاكم عشرات المتظاهرين أمام محاكم عسكرية، وهي إجراءات يقول محامو حقوق الإنسان أنها تنتهك بشكل صارخ الإجراءات القانونية وتفشل في التحقيق في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة. ويقول المتهمون الذين حوكموا أمام المحاكم العسكرية أن هذا النظام يستخدم لترهيب المحتجين ودعم حكام لبنان الطائفيين.

وتمت إحالة حوالي 90 مدنياً إلى القضاء العسكري حتى الآن، بحسب "المفكرة القانونية"، وهي منظمة حقوقية مقرها بيروت. وقالت غيدا فرنجية، المحامية في المنظمة: "نتوقع محاكمة المزيد من المواطنين".

وتؤكد المحاكمات على المخاطر المتزايدة للنشاط في لبنان، حيث أدت سلسلة من القضايا والتحقيقات القضائية ضد الصحافيين والنقاد إلى تآكل سمعة البلاد في حرية التعبير والتسامح في عالم عربي استبدادي إلى حد كبير. ولم ترد وزيرة العدل ماري كلود نجم على طلب للتعليق. ولا يتطرق المسؤولون اللبنانيون عادة إلى السؤال عن سبب محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية. ونفت قوات الأمن ضرب وتعذيب المتظاهرين والناشطين أثناء الاحتجاز.

إلى ذلك، قالت فرنجية أن القوات الأمنية اعتقلت نحو 1200 شخص منذ بداية الانتفاضة المناهضة للحكومة في تشرين الأول/أكتوبر 2019 وحتى نهاية حزيران/يونيو. وخلصت منظمة المراقبة إلى أن السلطات اللبنانية حاكمت حوالي 200 منهم، بمن فيهم المحالون إلى القضاء العسكري.

وبعد شهرين من اعتقاله، تلقى جابر إشعاراً رسمياً يفيد بأن النيابة العسكرية تتهمه بالاعتداء على قوات الأمن في قصر بعبدا عندما احتجزه عملاء يرتدون ملابس مدنية. وقال جابر "صدمت عندما استدعيت للمحكمة العسكرية". ولم تجر المحاكمة حتى السابع من تشرين الأول/أكتوبر، عندما أعلنت المحكمة العسكرية براءة جابر من الاعتداء على رجال الأمن، وهي جريمة عسكرية بموجب القانون اللبناني، لكنها قالت أنها تفتقر إلى الولاية القضائية على تهمة ثانية، وهي إهانة الرئيس.

على غرار جابر، لم يكتشف الكثير من المتظاهرين المحتجزين إلا بعد شهر أو أكثر من إطلاق سراحهم أن السلطات أحالتهم إلى المحاكم العسكرية. وقالت فرنجية أن العديد من هذه القضايا كان من المقرر عقدها لجلسات الاستماع في تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر، قبل إغلاق المحاكم مؤقتاً على مستوى البلاد لمدة أسبوعين بسبب جائحة فيروس كورونا.

والحال أن قضية جابر تعد مثالاً على كيفية محاولة المدعين العسكريين المطالبة بالاختصاص القضائي على القضايا المدنية من خلال تقديم أكثر من تهمة واحدة، من ضمنها تهمة تعتبر جريمة عسكرية، بحسب فرنجية، التي تمثل المتظاهرين أمام المحاكم العسكرية وهي أيضاً جزء من لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين.

وأوضحت فرنجية عن تهمة جابر بالاعتداء على رجال الأمن: "لم يكن هناك دليل. فقد تم اختطافه خلال مظاهرة، لكنه في الواقع جرى استهدافه بسبب منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي التي انتقدت الرئيس". وأضافت أن النيابة العسكرية أغلقت من دون تحقيق في بلاغ تعذيب كان قد تقدم به جابر.

وبحسب "المفكرة القانونية"، فإن المحاكم العسكرية عادة ما تصدر قرارات موجزة في نفس يوم المحاكمة، من دون إبداء تفسير. وقالت فرنجية: "في الواقع هناك الكثير من الشك حول عدالة وتعسف القرارات الصادرة عن المحكمة". وأضافت أنه عندما يتم الحكم على المتهمين، لا يتم مشاركة الأساس القانوني للإدانة على الفور مع محاميهم.

وغالباً ما يتجاهل المدعون العسكريون قراءة ملفات القضايا كاملة والمعدة من تقارير المخابرات العسكرية، أو يسقطون أو يغيرون التهم بشكل مفاجئ أثناء المحاكمات، بحسب فرنجية ومحامي آخر في اللجنة الممثلة للمتظاهرين، هو أيمن رعد.

وعلقت الباحثة في منظمة "هيومن رايتس ووتش" آية مجذوب بأن "المحاكم العسكرية ليس لها علاقة بمحاكمة المدنيين". ودعت المنظمة الحقوقية الدولية مجلس النواب اللبناني إلى إنهاء هذه الممارسة المقلقة من خلال إصدار قانون يقضي بعدم اخضاع المدنيين بالكامل تحت اختصاص المحاكم العسكرية.

في السياق، استدعي جورج أبو فاضل لمحاكمة عسكرية في 30 تشرين الأول/أكتوبر، بعدما اعتقل خلال مظاهرة قبل عام في بلدة بيت مري شرق بيروت. وخلال محاكمته، طلب المدعي العسكري من القاضي وقتاً لقراءة تقرير القضية، ثم طلب تغيير التهمة الموجهة ضد أبو فاضل من الاعتداء على قوات الأمن إلى تهمة مقاومة الاعتقال من دون عنف. وفيما حكمت المحكمة ببراءته، قال أبو فاضل أنه لم يشعر بالارتياح، حيث يعلم أنه سيكون هناك المزيد من المحاكمات "لأصدقائي، للمتظاهرين، لمن يحاول المطالبة بحقوقه".

وهنا، يصف محامون ونشطاء حقوقيون ومدعى عليهم محاكمة المتظاهرين وغيرهم من المدنيين في المحاكم العسكرية على أنها عقدة أخرى في شبكة النظام الطائفي في لبنان تحمي سلطة كبار السياسيين وليس حقوق المواطنين. وقال أبو فاضل: "هذه إحدى الأدوات التي تستخدمها الأحزاب الطائفية" للحفاظ على ولاء شعبها من خلال الخوف من المحاكم العسكرية.

ويتم تعيين العديد من قضاة المحاكم العسكرية من قبل وزارة الدفاع، ما يقوض استقلالية المحكمة القضائية، بحسب ناشطين حقوقيين. وعادة ما يكون رئيس المحكمة العسكرية شيعياً، بينما المدعي العسكري الرئيسي هو مسيحي ماروني. وعلق رعد بأن إصلاح النظام القضائي اللبناني هو "أحد أهم مطالب" المتظاهرين المعارضين للحكومة، بما في ذلك إنهاء المحاكمات العسكرية للمدنيين.

وفي 13 تشرين الثاني/نوفمبر، تم تغريم جاد الريس 200 ألف ليرة لبنانية (132 دولاراً) من قبل محكمة عسكرية، بعد 11 شهراً من اعتقال قوات الأمن له في احتجاج على الطريق الدائري في بيروت. ولم تصدر المحكمة بعد بياناً بالتهمة التي أدين بها. وقال الشاب البالغ من العمر 32 عاماً أنه يخطط للهجرة من لبنان. وأضاف: "لن نحقق أي تقدم بدون دماء، وهذا شيء لا أريد أن أشارك فيه".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024