نوال الزغبي المقاومة للزمن والجديرة بالحب

وليد بركسية

الأحد 2019/02/17

تقاوم النجمة اللبنانية نوال الزغبي الزمن وتقلباته، ويبدو ألبومها الجديد الذي طرحته قبل أيام بعنوان "كده باي"، استمراراً لخط فني ثابت، يحافظ على ركائزه الأساسية طوال سنوات بلا تجديد ثوري، وإن كان بلا جمود، بشكل تظهر فيه نوال عاماً بعد عام كـ"أميرة البوب" ومحبوبة العالم العربي (Sweetheart of Arab world).

ويبعث الألبوم الجديد، شعوراً فورياً بالألفة وكأن الزغبي (47 عاماً) غنت تلك الأغنيات منذ عشرين عاماً مراراً وتكراراً لحد السأم، وفي نفس الوقت يتولد شعور مناقض بأن الأغنيات جديدة وحماسية ومشوقة لحد الرغبة في تشغيلها إلى الأبد من دون الشعور بالملل. وهي خاصية تتكرر في كل ألبوم تطرحه الزغبي، وأسماء أخرى مثل عمرو دياب على سبيل المثال، وتعني أن أولئك النجوم، يتلزمون بصيغة ثابتة من ناحية نوعية الموسيقى والكلمات، مع تجديد نسبي ضمن المكونات التي تصنع تلك الخلطة، كالتوزيعات العصرية والمواضيع الجديدة.

والحال أن آخر ألبوم للزغبي يعود للعام 2015، لكن "النجمة الذهبية" لم تغب عن الساحة وربما كانت من أكثر الفنانين العرب إصداراً للأغاني المنفردة الضاربة في السنوات الأخيرة (الناس العزاز، بحبو كتير، بالقلب، قالوا، ..)، ولا تنتقل اليوم إلى حقبة جديدة فنياً بل تستفيد من قوة النوستالجيا وتطرح أغنيات متماشية مع الجو السائد، متنوعة بين الإيقاعات الراقصة أو النغمات البطيئة الحزينة، مع تعدد في اللهجات ببراعة كالعادة.

وتبرز أغنية "كده باي" التي تذكر بأجواء الزغبي الصاخبة في واحدة من  أشهر أغنياتها "عينيك كدابين" العام 2004، وأغنية "الجمال لي ناسو" كواحدة من أجمل أغاني الغزل التي تجعل الوقوع في الحب فكرة جميلة مشتهاة مهما كان الحب مدمراً للذات والفردية، بينما يتلوى صوتها الجميل في أغنية "محاية" بعذوبة كواحدة من أقدر الفنانات على تقديم المشاعر المتناقضة بدل الغناء الروبوتي.


وصورت الزغبي كافة أغنيات الألبوم، بإنتاج بسيط ومناسب لكل أغنية على حدة، وتشكل الزغبي في كافة المقاطع مركز الاهتمام الوحيد، ليس بسبب نرجسية مفترضة، بل لأن ذلك يتناسب مع أغنيات الألبوم بإعطائها بعداً شخصياً وكأن الزغبي تتحدث عن نفسها في كل اغنية على حدة، علماً أنها خاصية استخدمتها الزغبي عبر مسيرتها لتفادي العمومية الشديدة في كلمات الأغاني العربية المستنتسخة عن بعضها، والتي تتنافى بشكل مثير للسخرية مع أساسات البوب العالمي.

هذه الخصائص لها جذور قديمة، فقبل 27 عاماً أطلقت الزغبي أول ألبوماتها بعنوان "وحياتي عندك"، وقدمت نفسها للعالم العربي كأول "أميرة بوب" بعد سنوات من الجمود في ظلال مغنيات الطرب والمطولات المملة، مع تحول في صناعة الموسيقى العربية حينها بتأثير نجوم مثل سميرة سعيد وعمرو دياب وراغب علامة. وكان ذلك الدور ملائماً للشابة الباحثة عن النجومية، واستطاعت الزغبي طوال سنوات التسعينيات تحصيل نجاحات كاسحة بأغاني ضاربة مثل "الدلعونا" و"عايزة الرد" و"حبيت يا ليل" و"ما اندم عليك"، ونالت الثناء من عمالقة الطرب المتبقين مثل الراحلة وردة الجزائرية.

هذا الدور عززته عناصر شخصية في الزغبي، من ناحية الجمال والشباب والموسيقا الحيوية والرومانسية والأنوثة الطاغية المطلوبة لشخصية "أميرة البوب"، وحقق ذلك للزغبي مكانة خاصة، فهي أول مجددة في العالم العربي لصورة نجوم الموسيقى في عالم الملتميديا، فبينما كانت سميرة سعيد مثلاً تجدد الأنماط الموسيقية نفسها منذ مطلع الثمانينيات إلا أنها بقيت "محافظة" نوعاً عندما يتعلق الأمر بالإطلالات التلفزيونية والحفلات الحية، لتكسر الزغبي القوالب كأول فنانة ترتدي الجينز على المسرح، بالتوازي مع ثورة الفيديو كليب، كفن جديد في تلك الحقبة.

ورغم أن فيديوهات الزغبي في التسعينيات تبدو بدائية من ناحية التنفيذ، مقارنة بمقاطع مصورة أسطورية لمايكل جاكسون ومادونا منذ الثمانينيات، إلا أن تلك المقارنة ظالمة وتتحملها صناعة الموسيقى العربية نفسها، وظلال الدين والرقابة والمحرمات الاجتماعية الثقيلة في المنطقة أيضاً، ولعل ذلك بالتحديد هو ما منع الزغبي من الانتقال للمرحلة التالية من التطور الموسيقي، وما جعلها عالقة إلى الأبد في خانة "أميرة البوب"، وهي حالة مربكة لا تشبه بها الزغبي أي اسم آخر، ولا يمكن بالتالي إيجاد نظير لها بين النجمات العالميات، لإحداث مقارنة قد تكون ضرورية.

فضمن صناعة الموسيقى العالمية، تحاول المغنيات الهروب من تصنيفهن كـ"أميرات للبوب"، خصوصاً عندما تنطلق مسيرتهن الفنية في سنوات المراهقة (بريتني سبيرز، كريستينا أغيليرا، مايلي سايرس،..) وعادة ما يكون الألبوم الثاني لتلك الفئة صادماً، من الناحية البصرية، بالمبالغة الجنسانية التي تقود لمعاني التحرر وامتلاك الجسد، ويمكن ملاحظة هذا النمط في أغان مثل "Toxic" لبريتني سبيرز أو "Dirty" لكريستينا أغيليرا أو "Wrecking Ball" لمايلي سايرس، وهي الخطوة التي لم تقم بها الزغبي للأسف، والتي كانت لتكون في العقد الأول من الألفية، بمثابة خطوة تضعها في منزلة مختلفة بعيداً عن منافسة الأسماء الصاعدة في عالم البوب العربي مثل نانسي عجرم وميريام فارس وشيرين عبد الوهاب.

ويعطي ذلك ربما لمحة للحال المؤسف لصناعة الموسيقى العربية كبيئة قاتلة للتطور لا تشكل في الألبومات حقباً موسيقية مختلفة كلياً لأصحابها. فالنجمات العربيات منذ مطلع الألفية خرجن بصورة "صادمة" بمعايير ذلك الزمن البائد، فقدمت عجرم أغنيتها "أخاصمك آه" التي اعتبرت جريئة ومغرية وظهرت روبي لفترة قصيرة كفنانة بوب "مغرية"، لكن تلك الأسماء تراجعت عن خطها الأول، وباتت تقدم نفس الصورة التي كانت الزغبي تقدمها منذ التسعينيات، وربما تكون النجمة هيفا وهبي هي الاستثناء الوحيد لتلك القاعدة العامة، وإن خفت مستوى الجاذبية "sex appeal" فيما تقدمه مؤخراً.


وهنا يجري الحديث عن تراجع نجومية الزغبي في الألفية الجديدة، مقارنة بالشعبية الجارفة في التسعينيات، ولا يعود ذلك للأسماء المنافسة، بل لتنميط الزغبي مع تقدمها في السن، ولعل المشاكل الشخصية التي رافقت الزغبي هي ما ساعدها في كسر تلك الصورة جزئياً، فتقديمها أغنيات من واقع حياتها مثل "فوق جروحي" (2010) التي تدور حول حقها كأم في حضانة أطفالها ضمن معركة طلاق طويل، وحديثها الدائم عن رغبتها في الاستمرار بالفن، حولها إلى صورة ناضجة من "أميرة البوب" التي كانت عليها من دون التخلي عنها.

وهنا تصالحت الزغبي مع نفسها، فباتت تتحدث في لقاءاتها الإعلامية عن عمليات التجميل وعن سنها بأريحية من دون الحديث عن الرغبة في الشباب الدائم المرهق، رغم المحافظة عليه، وباتت تتحدث عن فشلها ومخاوفها وعن حبها للموسيقى كجزء من هويتها كإنسانة وكدافع شخصي للاستمرار في الفن، بعكس أسماء أخرى لمعت بشكل محدود واختفت (إلين خلف، جوانا ملاح، أمل حجازي،..) كما بات الزمن صديقاً للزغبي بوصفها "ديفا" حقيقية، إذ صار يعطي حضورها مبرراً ضمن سياق جديد، لأنها تنقل للناس عبر أغنياتها قيماً إيجابية مثل العمل الجاد والاستمرارية والتحرر والتصالح مع الذات ومقاومة المشاكل اليومية وعدم الاستسلام.

ومع مرور الوقت لم تعد الزغبي بحاجة إلى تقديم إثبات جديد على أنها مغنية حقيقية أو نجمة تنافس الأسماء الكبيرة المتواجدة، وما عاد الجدل حول مكانتها في الفن مسألة مهمة لجمهورها، لأن مجرد الاستماع لها نعمة بحد ذاته كما أن نغمة صوتها الطبيعية قادرة على جعل العالم المظلم فجأة مكاناً أفضل، ولهذا كله تستحق الزغبي الاحترام، وتستحق الحب أيضاً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024