أسماء الأسد تملأ فراغ رامي مخلوف في الساحل السوري

وليد بركسية

الجمعة 2020/10/16
للوهلة الأولى يبدو أن الزوجين السعيدين بشار وأسماء الأسد، خاضا شجاراً عائلياً صغيراً أدى إلى انفصالهما مؤقتاً خلال الزيارة الرسمية التي قاما بها، كل على حدة، إلى قرى الساحل السوري المتضررة من حرائق الغابات التي تكررت للمرة الثانية في أقل من شهر. لكن عائلة الأسد بالطبع ليست عائلة تقليدية لطيفة تنشر يومياتها في مواقع التواصل الاجتماعي مع المعجبين، بل هي أسرة متوحشة تحكم بلداً بأكمله بقبضة حديدية. وبالتالي فإن عدم ظهور أسماء وبشار في صورة واحدة معاً هذا الأسبوع، يعطي لمحة عن الدور المتنامي الذي تلعبه "سيدة الياسمين" ضمن النظام.

ولا يتعلق الظهور المنفرد لأسماء بمنافسة زوجها على قيادة النظام مثلما يحلو لكثير من المحللين تكراره في مقالات صحافية أو بوستات فايسبوكية، في تكرار لنظرية قديمة لا تخلو من فكاهة تفيد بأن النظام السوري والأطراف الدولية المعنية بالحدث السوري، يجهزون السيدة أسماء، في هذه الفترة، لرئاسة البلاد باعتبارها "اسماً توافقياً" تقبل به جميع الطوائف في البلاد، وتعيد بها تأهيل صورة النظام التي شوهها زوجها أكثر من أي وقت مضى، بسبب سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها لقمع الثورة السورية طوال عشر سنوات.

على العكس تماماً، تبدو أسماء مثلما كانت عليه دائماً، داعمة لزوجها وممثلة مساعدة في فيلم رعب طويل وممل من بطولته. وهذه المرة تتدخل ضمن البيئة العلوية الحاضنة للنظام، من بوابة الأزمة الإنسانية التي تضربها بسبب الحرائق، بعد البلبلة التي حدثت في المنطقة عموماً بعد تجريد رجل الأعمال رامي مخلوف من امتيازاته الكثيرة والملاحقات التي طالته قبل أشهر، على خلفية قضية الضرائب التي يحاول النظام تحصيلها من شركاته وتبلغ قيمتها 130 مليار ليرة سورية، والتي ينظر لها بشكل واسع على أنها "مؤامرة" تديرها أسماء شخصياً في الكواليس، لتكريس دورها ضمن النظام، بلعب دور صراف النظام عبر طبقة رجال أعمال جدد يمثلون واجهة لها.

ومازالت التعليقات الغاضبة المطالبة بالعدالة لمخلوف، الذي ظهر في مقاطع فيديو ومنشورات عبر صفحته في "فايسبوك" هاجم فيها الرئاسة السورية، مستمرة حتى اليوم ويتحدث أصحابها عن الدور الذي يلعبه مخلوف في رعاية العائلات وتوفير فرص العمل في الساحل السوري، بالإضافة إلى شرائه ولاء الفقراء هناك عبر شبكة من مؤسساته المشبوهة التي كانت تقدم حفنة من العطايا المالية هنا وهناك. ويبدو أن أسماء تحاول امتصاص هذا الاستياء اليوم، والذي تتشاركه مع زوجها، عبر تعزيز حضورها في الساحل السوري، مثلما هو الحال في مناطق أخرى من البلاد.


وكانت أسماء بدأت بهذه العملية قبل أشهر، عندما فعّلت برنامج "جريح الوطن" المخصص لرعاية جرحى جيش النظام السوري، رغم أن الحكومة السورية ألغت برامج موازية لدعم جرحى الجيش في البلاد بما في ذلك مخصصات الأدوية والعلاج الفيزيائي وغيرها، مع الإشارة إلى أن الدعاية الرسمية في هذا الإطار ركزت على البيئة العلوية بشكل ملحوظ، لتلميع صورة أسماء فيها وتخفيف النقمة العامة تجاهها، ونزع الانطباع السائد هناك بأن هنالك توجهاً في المرحلة الجديدة، لنقل السلطة المالية في البلاد من يد الطائفة التي تحكمت بأموال البلاد وثرواتها منذ سبعينيات القرن الماضي، إلى فئات موالية للنظام من الطائفة السنية الأكبر في البلاد، ما يحقق نوعاً من التوازن الشكلي المفقود في البلاد، قبل إعادة الإعمار المنتظرة. 

ويتم ذلك كله عبر شخصية محورية هي أسماء الأسد، التي لعبت منذ زواجها من بشار الأسد العام 2000، دوراً في تلميع صورة النظام ضمن البيئة السنية. وبعد وفاة السيدة الأولى السابقة أنيسة مخلوف العام 2016، بدأ دور أسماء بالبروز أكثر فأطلقت على نفسها لقب "أمّ الكل"، بموازاة وصف بشار بأنه "الأب القائد للدولة والمجتمع"، وعززت ظهورها الإعلامي المنفرد، وزارت العديد من المناطق السنية التي عانت من مشاكل خدمية بسبب أزمات البنزين والكهرباء في وقت كان بشار يركز جهوده على البيئة العلوية، وبدأت أسماء تخرج من ذلك السياق الطائفي مؤخراً، مع مزجها القوة الناعمة بالقوة الاقتصادية كأداة جديدة من أدواتها.

والحال أن أسماء لم تكن بعيدة من سياسات النظام السوري الإجرامية، بل لعبت دوراً محورياً في تكريس دعاية القوة الناعمة هذه من مطلع الألفية، وهو أسلوب مغاير للدعاية الأسدية القديمة، وكان لها دور في إعادة رسم صورة النظام على المستوى المحلي عبر الأعمال الخيرية والإطلالات "العفوية" بين العامة، إضافة لممارستها الدور نفسه على صعيد السياسة الخارجية، وبالتحديد عندما نجحت في فك العزلة عن زوجها بشار خلال جنازة بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني العام 2005، حينما رفض زعماء العالم الحديث معه وحتى الوقوف معه بسبب اتهام الأسد حينها باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، لتتدخل أسماء حينها للحديث مع ملكة إسبانيا ومع شيري بلير، زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.

هذه الخصائص لم تخدع السوريين، ربما حتى في فترة ما قبل الثورة السورية، وإن خدعت ربما مراقبين أجانب، حيث أطلقت الصحافة العالمية على أسماء ألقاباً مثل "وردة الصحراء" ووصفتها أكثر من مرة بأنها تمثل الانفتاح في قلب الشرق الأوسط المنغلق. وبعد انطلاق الثورة السورية لم يعد خافياً على أحد، انغماس أسماء في حرب الإبادة ضد الشعب السوري، كما أن تراكمات السنوات العشر الماضية تجعلها غير مؤهلة للدور الذي تحاول أن تلعبه، لا سياسياً ولا حتى دعائياً. 


ويبدو أن أسماء تجاوزت حقيقة أنها لا يمكنها أن تخدع أحداً بأسلوب "السياسة الناعمة" والوجه الجميل وارتداء الملابس البسيطة، خصوصاً ضمن العائلات الفقيرة في كل مناطق سوريا، بما في ذلك في القرى العلوية التي قتل أفراد كثر منها من أجل استمرار زوجها الدكتاتور في السلطة. وعلى العكس من ذلك، بدت في كافة إطلالاتها الإعلامية خلال العام 2020، بما في ذلك جولتها الأخيرة، وكأنها تقحم نفسها بالقوة في المشهد، بفعل النفوذ الاقتصادي الذي باتت تمثله ضمن النظام.

وعلى هذا الأساس تحديداً، شملت العقوبات الأميركية أسماء للمرة الأولى في حزيران/يونيو الماضي، وقال المبعوث الأميركي الخاص بسوريا، جايمس جيفري في وقت سابق عن دورها في النظام بأنها "تشارك شخصياً وبوسائل عديدة، في الأهوال التي تشهدها سوريا اليوم ولذلك فرضت عقوبات عليها وليس لأنها زوجة الأسد فقط"، علماً أنها مصرفية سابقة في "جي بي مورغان"، البنك الأميركي متعدد الجنسيات، ووضعت تحت عقوبات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي العام 2012، كما مُنعت من السفر إلى أوروبا، وجمّدت أي أصول لها هناك. ولديها ثلاثة أطفال يرجح أيضاً أنهم يحملون الجنسية المزدوجة البريطانية السورية، ووالدها طبيب القلب فواز الأخرس الذي مازال يعيش في لندن مع زوجته سحر.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024