الصحافية مي الشامي: تعرضتُ للتحرش.. وتلك مساوئ "التريند"

أحمد ندا

السبت 2018/09/01
"كنتُ أفضّل ألا أتحدث إطلاقاً في هذا الأمر، احتراماً للمؤسسة التي أعمل فيها. نعم تعرضتُ لمضايقات متتالية من شخص داخل مكان العمل "صالة التحرير"، لكني فضلتُ التحقيقات بدلاً من الحديث إلى وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي. لكن بعد قيام أحدهم بنشر وتسريب القصة التي تتضمن تفاصيل مغلوطة، فضلتُ الحديث عن القصة بوضوح لوضع الأمور في سياقها". 
"نعم تعرضتُ للتحرش باللفظ واللمس داخل صالة التحرير، لكن أود نفي موضوع المكالمات أو علاقتي بتسريب الأمر لأي جهة. أود توضيح بعض الأمور عن الأزمة، وفي مقدمتها التزامي بمجرى التحقيقات. أنا في انتظار التحقيقات الإدارية، وقد أحتاج إلى تدخل من النقابة. وفِي النهاية أود مرة ثانية التأكيد بأنه لا علاقة لي بما تسرب منذ الأمس عن الأزمة".

في وسع اللغة التي استخدمتها مي الشامي أن تكشف أكثر بكثير من المعاني الأولية لكلماتها المقتضبة الواضحة. فالمسألة ليست في فكرة التسريب والمعلومات المغلوطة فحسب، وهي الصحافية الشجاعة التي انفردت بمقابلة المصري خاطف الطائرة في قبرص. لكن الفكرة الأكثر إيلاماً هي في "التريند".. الخبر أو الهاشتاغ الذي يحتل صدارة مواقع التواصل ويصبح الأكثر تداولاً وجاذب التعليقات وإعادة النشر.

فما إن تسربت الأخبار أمس، وتسرب اسم "المتهم" قبل ضحيته، تحول اسمه وبسرعة إلى هاشتاغ جاب السماوات الافتراضية من دون أن يوقفه أي شيء.

في ساعات معدودة، عاد وحش "مي تو" مرة ثانية ليطفو على السطح، ليبتلع كل ما أمامه، وصار اسم الصحافي "د.هـ." صاحب المنصب المميز في موقع وجريدة "اليوم السابع"، نهباً للشماتة، وهو المعروف بتأييده "المستفز" للدولة واتهام كل من يخالفه بالعمالة للإخوان وأميركا وكل الديباجة المعروفة. توارت الضحية في الخلفية وتقدم الجاني المحتمل، تحت أضواء النهش المنتظرة.

لكن مي الشامي، بحساسية الصحافية ربما، أو بخبرة التعامل اليومي مع مواقع التواصل، تعرف مساوئ التريند كما تعرف فوائده، والتريند في الحالة النسوية يوقظ الرجعية إلى حدودها القصوى، وتغلب المساوئ على فوائده مع الأسف. لذلك جاءت كلماتها قاطعة، ليس في وجه التسريب والمعلومات المغلوطة فحسب، إنما أيضاً في وجه الانتشار الافتراضي وتبعاته التي قد تكون نيراناً (صديقة؟) في وجهها.

الحكاية ببساطة أن صحافية تعرضت للاعتداء اللفظي والجسدي في مكان عملها، فقررت أن تتخذ الإجراءات القانونية كي لا يذهب حقها هباء، ثم رفضت الضجيج لأنه يحيد القضية عن مسارها، خصوصاً أن المجال العام في مصر الآن ينتهي بالمستغيث به إلى الوقوع في موقع الجاني لا المجني عليه.

لكن الضجيج حدث بالفعل، وتحولت القصة إلى خبر في المواقع المختلفة، بكل البهارات القديمة العطنة: "زلزال في الصحافة المصرية".. "فضيحة تهز شارع الصحافة".. تلك عينة من مسببات الارتجاج في المجازات الصحافية المصرية.

الأمل الآن أن تنتزع مي حقها بقوة القانون، وأن تعاقب المتحرش، ثم تتحول قضيتها إلى نقاش مفتوح حول بيئة العمل الصحافية المنحازة، لتفرض سجالاً داخل عالم الصحافة والميديا في مصر حول كمّ الاعتداءات الجسدية والجنسية والتي وثق موقع "مدى مصر" بعضها منذ عامين. فبالتأكيد إن المسكوت عنه أعنف بكثير من المعلَن.

والحال، إذا كانت السياسة مغلقة تماماً في المجال العام، والقبضة الأمنية تحاسب النيات والأنفاس، فلا أمل أمام النخبة الآن إلا في التغيير الاجتماعي. فهو الأعمق أثراً، ولن يحدث أي تغيير اجتماعي كبير قبل أن تصبح القضايا النسوية متناً لا هامشاً.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024