رابعة الزيات ومالك مكتبي.. الدَّوس على نضالات النساء

مريم سيف الدين

الخميس 2021/11/25
"هل الزوج بحقلّو يضرب مرته؟" سؤال طرحته رابعة الزيات ضمن برنامجها "فوق الـ18" في تلفزيون "الجديد"، لعله تزامن، صدفة، مع إحياء العالم اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء. يطرح السؤال قضية العنف كمادة قابلة للنقاش ولطرح وجهات النظر وللتبرير، ولو زعم العكس بحجّة "الصراحة" و"الجرأة" المتحولتين إلى ابتذال معاني هاتين الكلمتين. يتجاهل التساؤل نضالات قادتها نساء تحدين السلطة الذكورية والنظام الأبوي وعانين لينتزعن من المشرّع اللبناني اعترافاً بحقهن في الحياة عبر إقرار قانون يجرّم العنف الأسري، ولو جاء القانون أقل من طموحات الساعيات إليه.

سؤال يتجانس مع موقف السلطة اللبنانية من قضايا المرأة المتروكة عرضة لتدفع أكثر من غيرها كلفة الانهيار في ظل غياب قوانين وإجراءات تحميها. والأهم أنه سؤال يُعيد سقف الخطاب الإعلامي في قضايا المرأة اللبنانية، أكثر من 20 عاماً إلى الوراء، ومن البديهي القول أن الخطاب الإعلامي هو أحد أهم آليات صناعة الوعي العام وصوغ الحساسية اتجاه حقوق النساء والانتهاكات في حقهن.


يوم الأربعاء، أثار الإعلان الترويجي لبرنامج "فوق الـ18"، انتقادات عدد من زملائها بالإضافة إلى مشاهدين، بعدما نشر تلفزيون "الجديد" عبر صفحته في "تويتر" تغريدة يسأل فيها: "هل بيجوز يضرب الزوج زوجته.. وهل بتوافقوا على متل "ضرب الحبيب زبيب"؟ وتدعونا إلى ترقب الحلقة يوم الثلاثاء المقبل.

في الإعلان الترويجي المصور، المرفق بالتغريدة، يختلف السؤال، تسأل الزيات "هل الزوج بحقلو يضرب مرتو؟". وكأنه يمكن الحديث عن جريمة بتساؤل عما إذا كان "يحق له"، وكأن السؤال أصلاً إشكالي! تتنوع الأجوبة المعروضة في بازار البرنامج: رجل يحمّل المرأة مسؤولية تعنيفها، امرأة تبرر العنف بأن المرأة قد أزعجت زوجها بكلمة، رجل يشرح للمشاهدين كيف يعنف زوجته. وبالطبع على "الرأي" الآخر أن يحضر. وهكذا، تحت مظلة تعدد الآراء، تؤمّن لوازم الإثارة والرايتينغ، علماً أنه حتى هذه الإثارة وهذا الرايتينغ يبدوان من زمن سحيق، وكأن "الجديد" والزيات استفاقا فجأة من نوم أهل الكهف التلفزيوني.

مالك مكتبي وتمام بليق

بعد الانتقادات، أزالت المحطة التغريدة واستبدلت السؤالين بالقول: "كل يوم في نساء عم تتعنف وعم توصل للموت! وبعد في ناس بتقول "ضرب الحبيب زبيب". لكنها أبقت على الإعلان الترويجي المصور كما هو، وبقي سؤال المذيعة الذي تمحورت حوله الحلقة على حاله، وبقيت "جدلية" ضرب الزوجة موضوع نقاش الحلقة المقبلة.

بالطبع ليست الزيات وحدها السائرة في هذه الموجة. ينافسها مالك مكتبي، في "ال بي سي"، بل ربما يتفوق عليها في فتح المنبر لتباهي رجال بإجرامهم وبتعنيفهم النساء، بل ويجلب نساء ليحكين عن سعادتهن بذلك ولو في خانة "الغرابة" واستدعاء "الدهشة"، لكنه في الحقيقة تطبيع مع الجريمة، كيف لا يرون ذلك؟! بل ويستقبل مكتبي رجالاً يدعون بكل فخر إلى قتل المرأة غير المتزوجة إن فقدت غشاء البكارة. ورغم أن فيديوهات مكتبي تحصد مشاهدات مرتفعة في "فايسبوك"، إلا أن فيديو الزيات تلقى انتقاداً أقسى، حتى ليبدو وكأن ما ينشره مكتبي بات عادياً ومتوقعاً.

وفي الأداء الإعلامي "المستفز"، يتفوق تمام بليق في الإسفاف، وأيضاً عبر "الجديد". بالكاد يمكن تحمّل الإعلانات التسويقية لبرنامجه، فهي عادة ما تجمع أحقر الأسئلة التي يمكن طرحها. يظهر بليق في إعلاناته وكأنه يسعى جاهداً للحطّ من كرامة ضيفاته، وكأنه يتلذذ بمحاولة إذلالهن وتحقيرهن واستضعافهن. هو إسفاف ترضى به "الجديد"، بل تروّج له!

آراء متطرفة وتحريض
لدى سؤالها عن الاستمرار في طرح قضايا النساء بهذا الشكل، ترفض المحامية في منظمة "كفى"، ليلى عواضة، اعتبارها حالة عامة. وترى في ردّ الفعل الرافض لهذه الإعلانات الترويجية، من قبل إعلاميين وناشطين، دليلاً على الوعي الذي تمكنت الجمعيات النسوية والحقوقية من مراكمته، "بدليل أن الجمعيات لم تعد هي التي تتصدى لها وتضطر للرد، بل بات هناك ناشطون وإعلاميون يرفضونها". وتعتبر عواضة هذه الممارسات الإعلامية أصواتاً ناشزة عن المسار العام والوعي العام للإعلام.

ووفق المحامية يبدو الإعلاميون الذين يطرحون العنف ضد النساء للنقاش، وكأنهم لا يعلمون بصدور قانون يجرّم العنف الأسري ويشدد العقوبة ضد مرتكبيه، وهو ما يشير إلى قلة إلمام بالموضوع، أو أسوأ من ذلك، تجاهل مستجداته. وتشبّه الاستمرار في طرح الموضوع وكأنه وجهة نظر بعد إقرار قانون يجرمه، بطرح السؤال: أنت مع أو ضد القتل؟ "العنف ضد المرأة جريمة ولم يعد رأياً، ولا يمكن للإعلام تناوله بحيادية وكأنه وجهة نظر. فتح المجال لتأييد الفعل أو تبريره، حتى ولو بحجّة الرأي الآخر، يصبح تحريضاً على العنف"، تقول المحامية، وتتابع: "برأيي يستحضرون آراء متطرفة ونافرة تستفز المجتمع لتحقيق مشاهدة عالية لأنهم يعلمون أنها لم تعد تابوهات".

...طلباً لـ"السترة"
تعكس هذه البرامج أزمة لدى وسائل الإعلام اللبنانية، وكأنها تعاني انهياراً مهنياً وأخلاقياً لا يقل فداحةً عن الانهيار المالي الذي يعانيه لبنان حالياً. فعجز فرق العمل في هذه البرامج عن إبتداع أفكار جديدة، غير ما استحوذ على الإعلام اللبناني في فترة التسعينيات من القرن الماضي، لا سيما في البرنامج الشهير "الشاطر يحكي" ومقدّمه زياد نجيم، أو حتى تناوُل هذه المواضيع برصانة ومعرفة أكبر، يدفع هؤلاء إلى فتح الأرشيف ومحاولة استرجاع مواضيع أكل عليها الدهر.

وكما مكتبي، أطلقت رابعة الزيات برنامجها "فوق الـ18" (التسمية محاولة بالية وعتيقة للإثارة، تيمناً بالتحذيرات من مشاهد العنف والجنس في الأفلام!). لا يحمل البرنامج جديداً. استرجعت الزيات ما كان يصنف مثيراً منذ عقدين أو ثلاثة. أعادت عرضه مبتهجة كمن يكسر التابوهات للمرة الأولى. وربما تفتح لها الانتقادات باباً لإدراك فداحة ما تقدمه، فما كان يعتبر مثيراً بالأمس بات مقززاً اليوم.

ففي لعبة "الرايتنغ" التي تحاول كسبها، توزع الزيات الأدوار بين المشاركين داخل الاستديو وتستعين بممثلين. كاراكتيرات وكاريكاتورات، شخصيات مركبة ومرتكبة، هم "أصحاب رأي" مهمتهم إثارة الجدل في محاولة لاستقطاب الجمهور.

تحاول الزيات أيضاً الاستعانة أحياناً بمشاهير تلك الحقبة التي استلهمت برنامجها الذي ربما اعتبرته مثل الموضة يمكن أن تعود بمجرد أن تُطرح في شكل جديد على الشاشات. تستضيف مادونا(!) لتحكي عن ضرورة زواج المرأة "كي تنستر لأن الرجل رأس المرأة، مهما امتلكت السيدة من حرية وعلا شأنها في المجتمع..."

وفي مراجعة للتغريدات التي تروج لبرنامج الزيات عبر "تويتر"، يبرز اختيار "الجديد" لعبارات تساهم في تحقير المرأة وتحمل تحيزاً جنسياً ضدها، وكأنه هذا هو سر "الفرقعة" الإعلامية.

وبدأت انطلاقة البرنامج القديم المجدد، منذ حوالى ثلاث أسابيع، بطرح سؤال عن تأييد/معارضة ممارسة الجنس قبل الزواج. بشّر موضوع الحلقة وتعاطيها مع جسد المرأة بكرّ سبحة من الأسئلة "الكليشيه" والمواضيع التي راجت في التسعينيات. وربما لن يخيب ظن من سخر من استعادة هذه المواضيع بهذا الشكل، وتوقعه بأن يصل "فوق الـ18" لطرح قضية عبَدَة الشياطين التي راجت أول الألفية الحالية. فقد تلا السؤال الأول، أسئلة عن العادة السرية والخيانة، وصولاً إلى "حق الزوج في تعنيف زوجته"، بحيث أصبح جسد المرأة ميداناً لإصدار الآراء والأحكام المهلهلة. وباستثناء طرحها لقضية التزويج المبكر، تبتعد الزيات عن استضافة أهل الاختصاص، وتفتح الهواء لأهل السخافة، ومن يصنَّفون بحكم القانون مجرمين إذ يعترفون بجرائمهم على الهواء.

بعيداً من أجساد النساء 
مذهلة هي محاولة خلق انقسامات وجدل حول جسد امرأة، لتطفو على الانقسام الطبقي الهائل الذي يهدد المجتمع اللبناني وأرواح آلاف النساء. ومذهل كيف يفوت إعلاميين مخضرمين، بعد تطور المفاهيم وسنوات من مقاومة النساء لكسر السطوة الذكورية على أجسادهن، أن التعاطي بهذه الخفة مع قضاياهن انحياز لهذه السطوة. 

والخطورة في محاولة البحث عن "الرايتنغ" عبر الدَّوس على آلام وأجساد النساء، من قبل أصحاب الامتيازات، أنها تعيد تعزيز مفاهيم تمكنت النساء من مواجهتها وإضعافها. فخارج الشاشات وفي المنازل، نساء لا تمتلكن امتيازات أصحاب الشاشات، تقاومن بأرواحهن هذه الأحكام التي تعيدها هذه البرامج بقوة إلى الخطاب العام.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024