قمع المتظاهرين..شرط الصفدي لرئاسة الحكومة؟

بتول خليل

الجمعة 2019/11/15
السلطة التي لم تفرغ جعبتها بعد منذ بداية الثورة من المؤامرات والتهويل والأساليب القمعية، أبرزت مؤخراً وجهاً جديداً من الترهيب عبر استخدام مخابرات الجيش، الذين صبّوا جهودهم في اليومين الأخيرين على اعتقال نشطاء ومتظاهرين بأساليب بوليسية، وجرّهم إلى أماكن توقيف دون السماح لهم بالإخبار عنها أو توكيل محامٍ للدفاع عنهم. 


وبعد توقيف الناشط خلدون جابر على طريق القصر الجمهوري، وإخفائه مدّة يومين، ومن ثم إطلاق سراحه وكشفه عن تعرضه للضرب والتعذيب، قامت مخابرات الجيش، مساء أمس، باعتقال مجموعة من المتظاهرين، وإخفاء اثنين منهم هما سامر مازح وعلي بصل، حسبما أفاد ناشطون في مواقع التواصل، الأمر الذي دفع مجموعة من المحامين إلى التقدّم بإخبار لدى مدّعي عام التمييز يتعلق بالإخفاء القسري وحجز الحرية من دون مسوّغ قانوني، مع وجود قرائن على ارتكاب التعذيب بحقهما، علماً أنه أول إخبار يُقدّم على اساس قانون المخفيين قسراً والمفقودين الصادر العام 2018، كما أعلن المحامي والمدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية"، نزار صاغية، عبر "تويتر".


وفيما انتشرت في "تويتر" مقاطع فيديو تُظهر اعتصاماً نفذه متظاهرون أمام مخفر الجميزة، بعد مماطلة قوى الأمن قبل كشفها عن مكان وجود سامر وعلي، إلا أنّ هذا الأمر لم يحدّ من الانتقادات الموجّهة إلى السلطات اللبنانية بممارسة أنواع جديدة من القمع والترهيب، والتي دفعت بمنظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى تحميل السلطات المسؤولية عن سلامة المتظاهرين السلميين ومطالبتها باحترام القوانين اللبنانية والمعايير الدولية لدى فرض الأمن.


الجيش الذي واكب التظاهرات منذ بدايتها بتدابير أقل قمعاً، يبدو أن قيادته اليوم تتجّه لشنّ حملة ممنهجة  بهدف إخماد الانتفاضة وتطويقها، وتحديداً من خلال مخابرات الجيش، التي صارت اليوم في دائرة الضوء إثر استشهاد علاء أبو فخر، في حين يبدو أنها تطوّعت لإعلاء منسوب القمع والترهيب إرضاءً للسلطة والطبقة السياسية بعيداً من الإعلام وعدسات الكاميرات، مع الإبقاء على صورة عناصر الجيش المتعاطفين والمساندين للمتظاهرين في واجهة المشهد. 

السلطة التي سعت سابقاً لتطبيق سيناريو وضع الجيش في وجه الشعب، ساهم استشهاد علاء أبو فخر، وما استتبعه من رشق عناصر الجيش بالحجارة في أكثر من منطقة، بتحقيق ما تريده السلطة نسبياً، التي تتطلع إلى وضع حدّ فاصل بين الجيش والمتظاهرين وضرب اللُّحمة والتكاتف بينهم. وإذ يبدو أنها وجدت في النقمة الشعبية على مخابرات الجيش اللحظة الأنسب التي يجدر استغلالها لصالحها، سارعت لجعلهم الجهة الأولى المسؤولة عن محاولة إسكات المتظاهرين وتخويفهم بالإخفاء والتعذيب، عبر استنساخ أساليب الأنظمة القمعية مثل سوريا ومصر.

لكن هذه الإجراءت قد تكون أيضاً حركة استباقية من القوى الأمنية قبل ما يتردد في الإعلام عن تسمية حسم شبه مؤكّد بتسمية محمد الصفدي كرئيس للحكومة العتيدة بمباركة الرئيس سعد الحريري وتزكية أحزاب السلطة، وذلك بهدف إيصال رسالة بأنّ الدولة لن تسمح بتسكير الطرقات بعد تنصيبه. فيما يجدر السؤال إن كان هذا الأمر شرطاً من الصفدي بنفسه، الذي لعله يتطلع، في حال تكليفه، إلى مواكبة ذلك بتجاوب أكبر من الأجهزة الأمنية لفتح الطرقات، كي يبدأ بتأليف الحكومة المقبلة من دون ضغط الشارع عليه، خصوصاً في طرابلس التي من شأن تسميته أن تساهم بشقّ جمهور ساحتها، وهو الهدف الأساس للسلطة لإفراغها من زخمها وفصلها عن المناطق اللبنانية الأخرى، سواء لرشوة الثوار لاحتوائه أو شق وحدة صفّهم، بعدما باتت السلطة على قناعة بأنّ طرابلس هي الثورة والباقي قد يزول مع الوقت.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024