جمهور النظام يروج لزيارة "معارض سوري" الى اسرائيل

أدهم مناصرة

الإثنين 2019/06/10



مرة أخرى ينجح الكاتب الصحافي الإسرائيلي ايدي كوهين في إثارة ضجة لا تخلو من المزاودة والإختزال بين الناشطين العرب في مواقع التواصل الإجتماعي، بعدما غرّد، الأحد، على صفحته في "تويتر" ثم تبعها بتغريدة أخرى مرفقة بصورة "سيلفي" تظهره والمعارض السوري المقيم في ألمانيا عصام زيتون في أحد مقاهي تل أبيب.

كوهين الذي بدا كما لو أنه المهندس الأوّل لزيارة ما أسماها شخصيات معارِضة سورية، بدأ تغريدته بالكتابة: "عاجل: وفد من المعارضة السورية موجود في تل أبيب ومجتمع الآن مع مسؤولين إسرائيليين.. ترقبوا بث مباشر بعد قليل عبر حسابي مع أحد الوجوه من المعارضة".

وعلى طريقته المُبالِغة التي لا تخلو من "التشويق الفاشل" لمواكبة التطورات وشد الجمهور، يغردّ كوهين بعد 3 ساعات من تغريدته الأولى ذات الصلة وقد أرفقها بصورة تجمعه والمعارض عصام زيتون وهما جالسين، فيقول: "اجتمعت منذ قليل في تل أبيب مع المعارض السوري المقيم في ألمانيا الأستاذ عصام زيتون وبحثنا خلال الإجتماع مبادرته للسلام. نعم للسلام مع سوريا ومع الشعب السوري. نعم لإسقاط نظام بشار الأسد".
 الغريب أن إعلاميين ونشطاء موالين لنظام الأسد يُروّجون لـ"حساسيتهم الشديدة" في التعاطي مع المصدر الإسرائيلي وخاصة مثل شخص على غرار كوهين، نراهم وقد كانوا أكثر تفاعلاً مع تغريداته إلى حد تبنيها طالما تعلق الأمر بإدانة "العدوّ" المعارض للنظام وتشويه صورة كل من قال لا. حتى أن كوهين نفسه أراد أن يعبّر عن سعادته وغبطته في اختراق الوعي الخاص بالموالين تجاه زيارة استعراضية من زيتون، وذلك من خلال إعادة تغريد ما نقله عنه حرفياً الإعلامي اللبناني مراسل قناة "العالم" الإيرانية في سوريا حسين مرتضى.
حقاً، كان كوهين سعيداً بهذا "الإنتصار"!.
وفي المقابل، رد معارضون سوريون على زيارة زيتون، بتغريدات حاولت أن تسمي الأمور بمسمياتها وتميزهم عن أفكاره التطبيعية، من قبيل "عصام زيتون لا يمثل المعارضة. قضيتنا في ثورتنا المباركة لا نتخلى فيها عن القدس الشريف".

اللافت، حتى الموالين والصفحات المؤيدة للنظام السوري، قد تناقلوا توصيفات ومعلومات خاطئة عندما تفاعلوا مع "موقعة الزيارة"؛ كأنْ يقولوا إن "زيتون تباحث مع إسرائيل حول عمليات المصالحة معها وتمويل المعارضة السورية"، أو توصيفهم لإيدي كوهين على أساس أنه شخصية "رسمية" بإعتباره مستشاراً في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وكوهين لا يحمل أي صفة رسمية وليس صحيحاً انه مستشار في مكتب نتنياهو، وهو لا يعدو كونه "كاتباً مغروراً ووقحاً" كما يصفه إسرائيليون أنفسهم. ويتضح من خلال مراجعة وسائل الاعلام الاسرائيلية أن أياً من الخارجية الإسرائيلية أو مكتب نتنياهو لم ينسق لزيارة زيتون ومعه وفده المفترض، والتي يبدو أنها جاءت بترتيب من إحدى الجمعيات أو المؤسسات في الدولة العبرية في محاولة لتسويق مبادرته التي أعلنها زيتون منتصف الشهر الفائت، والتي تدعو إلى إقامة وصاية دولية على جميع مناطق سوريا، كوسيلة للوصول "إلى السلام المنشود في هذا البلد".

 ويبدو أن ما يكتبه كوهين في تويتر أو فايسبوك بخصوص زيارات التطبيع العربية عموماً، بات يزعج الخارجية الإسرائيلية كثيراً، فالأخيرة بعثت إلى كوهين تنبيهين وتحذيرين اثنين بألا ينشر بإسم "دولة إسرائيل" وأن ينشر بصفته الشخصية فقط. هذان التنبيهان أديا إلى ملاسنة بين كوهين ومسؤول في الخارجية الإسرائيلية، لدرجة أنه قال عن كوهين "يحتاج إلى مستشفى مجانين".

 والحقيقة أن ما تفاعل معه كوهين ومن ثم مَن هم مع أو ضد النظام السوري، لم يكن بالوتيرة نفسها في الإعلام الإسرائيلي، فعدد قليل جداً من المواقع الإسرائيلية تطرق بشكل مختصر لهذه الزيارة دونما إعطائها اي إهتمام لافت، بينما تعامل معظم هذا الإعلام العبري مع الأمر كما أنه لم يحدث أصلاً.

ويفسر المختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد لـ"المدن" هذه الحالة، بأن الإعلام الإسرائيلي لا يهتم بكل ما يكتبه ايدي كوهين بإعتباره نتاج مؤسسة امنية تقصد المبالغة كوسيلة لإختراق المجتمعات العربية، على الرغم من اهتمام هذا الإعلام بتسليط الضوء على أي زيارة تطبيعية عربية من هذا النوع. 

 وبالنظر إلى سياقات زيارة زيتون وتوقيتها، فإنها بحد ذاتها كفيلة بتقليل الهالة التي أحاطتها وما رافقها من تضخيم توافق عليه كل من كوهين والموالون للنظام السوري بِشأن الزيارة المذكورة. فزيارة زيتون وغيره من معارضين سوريين لإسرائيل ليست الأولى من نوعها بل تكررت على مدار السنوات القليلة الماضية.

وحاول زيتون يائساً من خلال زيارته لإسرائيل تسويق مبادرته السياسية الجديدة، ولكن من بوابة مؤسسات وجمعيات غير رسمية، بعدما أغلقت حكومة تل أبيب الإسرائيلية مسامعها تجاه مطالب هذا الجناح من المعارضة السورية. فمصلحة إسرائيل الكُبرى مرتبطة بجهات إقليمية ودولية وليس مع أي طرف مِن المعارضة الآن.

 ولو أن زيتون فعلاً بحث بشكل معمّق مبادرته السياسية مع مسؤولين إسرائيليين، لما احتاج إلى صورة "سيلفي" مع كوهين ليحاول اثارة الجدل ويقول "نحن هنا" ولو فايسبوكياً أو تويترياً. ناهيك عن أن إسرائيل لا تؤيد أصلاً فكرة زيتون التي تكرس الوصاية الدولية على سوريا؛ لأن هذا يعني إعاقة حرية عملها العسكري في هذا البلد.

والواقع، أن كثيراً من زيارات المعارضين السوريين إلى إسرائيل، قد تولى تنسيقها وترتيبها شخص اسمه مندي الصفدي الكائن من قرية مجدل شمس في الجولان السوري المحتل؛ إذ مثّل قناة تواصل في ما بينهم وبين مسؤولين إسرائيليين في مرات عديدة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024