"القسام" تدعم "انتفاضة" الفلاشة لتسخين الجبهة الداخلية الاسرائيلية

أدهم مناصرة

الأحد 2019/07/07
ارتأت كتائب "القسام" أن تستبق الذكرى الخامسة لإختفاء الجندي الإسرائيلي من أصول إثيوبية أبرهام منغستو بعد دخوله قطاع غزة في أيلول (سبتمبر) عام 2014، عبر بثها تصريحاً في قناة "روسيا اليوم"، مساء السبت، تنفي فيه أي مطالبة إسرائيلية بخصوص هذا الأسير.

هذا النفي حاولت "القسّام" من خلاله أن توقّته مع "هبة" اليهود الإثيوبيين في الدولة العبرية التي بدأت قبل أيام على إثر قتل ضابط شرطة إسرائيلي لشاب إثيوبي، علّها تؤجج الجبهة الداخلية الاسرائيلية بشكل أكبر، فيسهم تصريحها في تصعيد "غضبتهم" وإن كان أساسها إجتماعياً وإقتصادياً ونابعاً من تراكمات العنصرية والتهميش.

ولكن.. مَن الذي لجأ إلى الآخر حتى يرى التصريح النور؟..القسام أم القناة الروسية؟..
تقول مصادر "المدن" إن "القسام" هي مَن بادرت واختارت القناة الروسية لتطلق نفيها، ولم يكن نتاج أي مجهود أو محاولات من القناة نفسها.. إذاً هو خبر جاهز صدر من القسام، وكان لـ"روسيا اليوم" الحصرية في نشره.

ولم تكتفِ القسام بهذا النشر، بل قامت بإرسال الخبر- بالصيغة نفسها التي نُشرت بالقناة الروسية- بواسطة SMS  "خدمة الرسائل" إلى الهواتف النقالة لمدراء ورؤساء تحرير صحف "حماس" ووسائلها الإعلامية المختلفة، وذلك في مسعى منها لقطع أي محاولة للتشكيك بالخبر أو القول "إن القناة قد اجتهدت"، علّها تضفي صدقية كبيرة على الخبر بما يساهم في تحقيق الغاية من النشر.

والواقع، أن لجوء "كتائب القسام" لقناة تلفزيونية دولية بغض النظر عن مسماها، هو على خلاف الأسلوب الإعلامي المتبع من "الكتائب" واعتدنا عليه منذ بدء حكاية الجنود الإسرائيليين الأسرى قبل خمس سنوات سواءً كانوا رفات أم أحياء. إذ دأبت "القسّام" على استخدام قنوات إعلامها الحربي، منتجة فيديوهات باللغة العبرية من شأنها أن تثير الرأي العام لدى الدولة العبرية ليضغط على قيادته السياسية من أجل المضي قدماً بمفاوضات تبادل الأسرى مع "حماس".

ولكن، ما دام لا بد من التحول لقناة تلفزيونية عابرة للحدود كي يكون وقع الرسالة أشد، لماذا اختارت "الكتائب" قناة "روسيا اليوم" ولم تختر قناة "الجزيرة" أو "الميادين" لنشر هكذا تصريح كما جرت عليه العادة في مثل هذه الحالة؟

يجيب رئيس شبكة الأقصى الإعلامية التابعة لـ"حماس" وسام عفيفة على تساؤلات "المدن"، بالحديث عن سببين؛ الأول أنها دولية، والثانية؛ لما تحظى به القناة من إمكانية النشر بعدة لغات وخاصة العربية والروسية، خصوصاً وأن اليهود الروس في إسرائيل يشكلون نسبة لافتة ويتقلدون مراكز مهمة ويشاهدون القنوات الناطقة باللغة الأم "الروسية". وربما هناك سبب ثالث يكمن في أن القناة تمثل سياسة موسكو التي باتت حاضرة في المنطقة، لا سيما في الملف السوري.

وبالإنتقال إلى تفاعل الفلسطينيين عبر منصات التواصل الإجتماعي، فقد رصدت "المدن" تغريدة على تويتر لإعلامي فلسطيني يقيم في رام الله، كتب فيها "سألني اليوم شخص: هل ستقوم كتائب القسام بالإفراج عن شريط فيديو لمنغستو يطالب جماعته بالتحرك للإفراج عنه؟!".

لعلّ هذه التغريدة تفتح الباب أمام سؤال مفاده: هل اكتفت "القسّام" بتصريحها في "روسيا اليوم"، أم ستتبعه بشريط فيديو للجندي الإثيوبي الذي تأسره، حيث سيظهره وهو يطالب الحكومة الإسرائيلية بالتحرك من أجل تحريره وعدم تركه هكذا؟

والواقع، أن الجهاز العسكري لـ"حماس" لطالما رفض طلبات إسرائيلية عبر وسطاء لبث شريط فيديو للجنود المحتجزين تظهر حالتهم الصحية، وكان يردّ على هذه الطلبات بالقول: "لا معلومات مجانية.. وأول خطة يجب أن تفرج إسرائيل عن محرري صفقة شاليط الذين أعيد اعتقالهم".

ولذلك من المستبعد أن تقوم "القسام" بإصدار هذا الفيديو للجندي منغستو، إلا إذا تعاملت "حماس" مع حكاية هذا الجندي بأسلوب مختلف وكحالة خاصة تقتضي هذا الفيديو المحتمل والتعاطي الإعلامي المغاير من منطلق أن "الغاية لربما تبرر الوسيلة".

 في المقابل، لم تهتم الصحافة الإسرائيلية بخبر "القسام" فحاولت إغماض العين عنه،  سوى القليل منها مثل موقع "واللا" العبري الذي نقله بشكل مجرّد.

ويعود عزوف إلإعلام العبري عن تغطية الخبر المذكور، إلى أن هذا الإعلام مملوك من مجموعة ترتبط بمصالح مع النظام السياسي والأمني والإقتصادي في إسرائيل. ناهيك عن أن  خبراً كهذا يمرّ بالرقابة الأمنية، خاصة وأنه موضوع حساس جداً بالنسبة للإسرائيليين، ويتزامن مع التحضر لإنتخابات الكنيست المقررة في أيلول/سبتمبر المقبل.

وأما تغريدات النشطاء الإسرائيليين في مواقع التواصل الإجتماعي فتراوحت بين نقل خبر القسام، وبين طرح السؤال، وبين من لم يهتم أساساً بالأمر. ويتعاظم التساؤل في هذا المضمار: كيف سيكون لإعلان القسام حول الجندي الأسير أبراهام منغستو، أي وقع على الإثيوبيين الذين يستعدّون لموجة جديدة من تظاهرات الغضب "الإجتماعية"؟

ورجح مراقبون ومختصون بالشأن الإسرائيلي أن يكون لإعلان القسام وفي هذا التوقيت تحديداً أثر سلبي يحول دون تصعيد "غضبة الإثيوبيين" وتوظيفها بإتجاه تحريك المياه الراكدة في ملف الجنود الأسرى.

واستبقت الصحافة الإسرائيلية الجمعة، تصريح القسام سالف الذكر، بالتنبؤ بإحتمال أن نشهد "تدخلات خارجية" بمسألة احتجاجات الإثيوبيين "الفلاشا" كما حدث بانتخابات الكنيست السابقة عندما أُنشئت صفحات فايسبوكية حاولت التأثير على الرأي العام الإسرائيلي عبر تسريب مواضيع حساسة.

 ولهذا، هناك من يعتقد أن تأثير "خبر القسام" على الجماعة الإثيوبية الغاضبة في إسرائيل سيكون محدوداً، خصوصاً وأن هذه الجماعة تستمد زخمها من كونها أقلية ومهمشة. ومعنى هذا، أن تدخل القسام للتأثير على وقع تظاهرات الإثيوبيين، سيؤدي لخدمة الأكثرية اليهودية والمؤسسة الرسمية الإسرائيلية باتجاه تطويق الأحداث.

وربما هناك عامل آخر يشكك بمدى تأثير تصريح القسام على "غضبة الإثيوبيين"، ألا وهو أن أبناء هذه الجماعة "أي الفلاشا"، ممن يخدمون في جيش وشرطة الإحتلال لطالما مارسوا عنصرية شديدة تجاه الفلسطينيين على حواجز الضفة الغربية، كما أن الجماعة الإثيوبية تُعتبر من أوائل المصوّتين للحكومة اليمينية الإسرائيلية في أي إنتخابات؛ وذلك في محاولة منها لإثبات ولائها المُطلق للدولة العبرية.

فهل سيختلف الأمر هذه المرة ويخضع اليهود الإثيوبيون لتأثير القسام الإعلامي انطلاقاً مما يعانونه في إسرائيل من عنصرية تجلت بإستسهال أحد ضباط الشرطة الضغط على زناد سلاحه كي يقتل شاباً إثيوبياً قبل أيام، وهو ما كان شعلة لإنطلاق إنتفاضتهم؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024