حزب الله: الخروج على العقيدة

زكي محفوض

الأربعاء 2019/07/24
وصلت تطوّرات قصة النائب السابق، نواف الموسوي، إلى إدّعاء النيابة العامة العسكرية عليه وأربعة من مرافقيه عمّا ارتكبوه في مخفر الدامور، في حق حسن المقداد، طليق غدير ابنة الموسوي.

الرجل استقال من النيابة أو من كتلة "حزب الله" النيابية، طوعاً أو إجباراً - بحسب مشادّات في الإعلام والسوشال ميديا - لكي ينصرف إلى الاهتمام بأسرته، كما صرّح، مفضّلاً "العائلة على النيابة". وأراد إعفاء الحزب من تحمّل مسؤولية تصرّفه الشخصي، محافظاً على ولائه له، وتالياً عقيدته، وواعداً باستمراره في العمل السياسي، على ما جاء عبر أكثر من مصدر إعلامي.

وقبل الغوص في قراءة ارتكاب الموسوي الأخير، والسجال الذي دار إثره ولا يزال، إشارة إلى مدى استغراب لبنانيين كثيرين أي جانب عاطفي يبدر عن شخصية من شخصيات "حزب الله"، مثلاً: ضحكة النائب في كتلة "الوفاء للمقاومة"، محمد رعد، شغلت العامة، بعدما ظلّ في إطلالاته طويلاً "لا يضحك للرغيف الساخن"، على قول عامّي. ضحكة الرجل شكلت مفاجأة.

وكذلك ابتسامة أبي علي، مرافق الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وهو يحمل طفله الرضيع ويبتسم. وما دعا أكثر إلى استغراب تلك الصورة هو عنوان المادة التي نشرها موقع "الضاحية للجميع" في صفحته الفايسبوكية كتهنئة له بالمولود الجديد: "ظاهرة لن تتكرّرأبداً... أبو علي مرافق السيد حسن يبتسم".
وتبيّن بالفعل أنها لن تتكرّر أبداً، فالبوست إزيل برمّته من صفحة "الضاحية للجميع"، ما يعني أمراً واحداً، ما لم يُدحَض، أنه ممنوع على بيئة "حزب الله" كشف مشاعر الأخوة المقاومين، خصوصاً تلك التي تشبه مشاعر اللبنانيين الآخرين، اليومية العادية البديهية.

وللعلم، شعار الصفحة المذكورة هو "موقع اجتماعي شعبي... يتحدث بلغة الناس". هؤلاء الناس يحبون أن يروا في "قدوتهم" أباً حنوناً. فهل إشهار العاطفة والمشاعر (خارج عاشوراء والبيئات المحصورة) يُعَدّ نقطة ضعف؟ يُقلل من الشأن؟ ينتقص من الهيبة؟

غير أن لأبي علي وجهاً ثالثاً، غير المرافِق وغير الأب. وهذه المرة، ورد الخبر في موقع حليف قوي للحزب، عنوانه "بالصورة: لن تصدقوا أين يتواجد مرافق السيد نصرالله!". أولاً لغوياً، الأكيد أن لا مجال لـ"التواجد" في أي معركة. ثانياً، يقول الخبر: "انتشرت صورة جديدة لمرافق السيد نصرالله، أبو علي، وقيل أنها في الخطوط الأمامية في معارك حلب الدائرة بين المقاومة والارهابيين".
هذه المرة أيضاً، اختفت الصورة من الموقع الحليف، وبقيت في الحالتين صورة السيد حسن وخلفه أبو علي. الراجح أن اختفاء صورتَي أبي علي، يعود إلى سبب أمني، فحزب الله متكتّم وحريص في المسائل الأمنية والعسكرية... كما في مسألة إشهار المشاعر ومشاركتها مع الناس، على ما يبدو.

لكن، لماذا "لن تصدقوا"، ما دام "حزب الله" منتشراً في سوريا والعراق واليمن وغيرها؟ ثم أن هذا هو الوجه المعروف، المثير للانقسامات، عن الحزب "القوي"، "المقاوم"، "المدافِع"، "القاتل"، الذي هو "دائماً على حق"، الذي يريد أن يفعل كل شيء وحده و"اتركونا نقاوم"... والذي لا يستجيب لمناشدة أهل بيئته الحاضنة، احتجاجاً على ممارسات رديئة في مؤسساته ومستشفياته وبلدياته، واعتراضاً على سلوكيات سيّئة لعناصره، واستهجاناً لانتشار مظاهر البذخ والثراء بين مواليه. 

وفي ذلك يقول أحد مناصريه مناشداً نصر الله: "... حذارِ من تسلل العنجهية إلى شخصية المؤمن... وحذارِ من تسلل المال إلى الجيوب ومن تسلل سحر السلطة إلى الدماغ...". عندما تتكرر مناشدة المسؤول الأول عن أي حزب، هذا معناه أن الحزب لاغٍ، فقد ثقة جمهوره فيه. وهذا ما ينتقص من الهيبة.

وجوه "حزب الله" ثلاثة، لكنه لا يشارك الآخرين سوى بالمُظلم منها. ولعلّ نواف الموسوي، قرّر أن يكشف أمام اللبنانيين وجهه الأول، وجه الأب، مجابهاً ظلم القضاء الشرعي الذي وقع على ابنته غدير ووحشية طليقها. لكنّه، لتحقيق ذلك، استخدم الوجه الثالث المُظلم، فاستجمع قواه واستغل موقعه الحزبي وموقعه النيابي ومَونته على رجاله وانبرى، مرة أخيرة، للدفاع عن ابنته، هاتفاً: "إلّا ابنتي".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024