باسيل إذ يهدّد نصر الله

نذير رضا

الإثنين 2021/06/21
قد يصحّ القول في تجربة النائب جبران باسيل السياسية، معرفته "من أين تؤكل الكتف". بنى عليها تجربته، بالتفاهمات والتسويات. ويحاول بناء مستقبله السياسي عليها، قبل أن يخترق الخطوط الحُمر، على سبيل التهديد واستدراج العروض، فأطاح كل المكتسبات. 

خلال السنوات الماضية، أنهى رئيس "التيار الوطني الحر" تفاهم معراب، وأنهى التسوية الرئاسية بإرادته. واليوم، وصلت علاقته بحزب الله الى طريق مسدود. ليس بسبب "التطوير" الذي تحتاجه ورقة التفاهم، بعد 15 عاماً على توقيعها، فالورقة لم يبقَ منها إلا "التفاهم لأجل التفاهم"، وفقدت مضامينها حرفياً. تدهورت العلاقة لأن الخطاب الأخير لباسيل، كسر المحرّمات مع الحزب، وتحديداً تلك المتصلة بعلاقته برئيس مجلس النواب، وتالياً استقرار البيت الشيعي، وثانيهما خرق قواعد التفاهم والاشتباك على حدّ سواء، والتي وصلت الى مستوى أذية الحزب داخلياً. 

لا ينكر أي طرف في لبنان بأن العلاقة التي ارتسمت بين ركنيّ "الثنائي الشيعي" (حركة أمل وحزب الله)، لا يمكن زعزعتها على مستوى القيادة، بصرف النظر عن التراشق الموسمي على مستوى القاعدة. اختبرت العلاقة عشرات المطبات، بدءاً من 2005، الى 2008، وصولاً الى الانتخابات الرئاسية في 2016. تمايز الطرفان في مواضع معينة، والتقيا استراتيجياً في الكثير من المحطات. ومنذ الاشتباك في الانتخابات البلدية في العام 2004، لم يتطور أي تباين حول ملفات داخلية أو تمايز حول التحالفات، الى قطيعة أو توتر. طوّقا التباينات وفق قرار حاسم باستقرار بيت الطائفة. 

وعليه، فشلت دعوة باسيل الى فض الشراكة بين الحزب و"أمل". وتخييره للحزب بالعلاقة بينهما، لم يلقَ آذاناً صاغية، وبقيت نقاشاته تحت الضوء. فالقرار لدى الحزب كان صارماً بأن أي مراجعة تتم عبر خطوط التواصل المفتوحة. خرَق التيار هذا المبدأ، وأخرج التباينات والمطالب الى الإعلام، وكان آخرها الخطاب الناري يوم الأحد، حين طلب من الأمين العام للحزب أن يرضى له ما يرتضيه لنفسه. 

في الشكل، لا بدّ أن يُفاجأ الحزب بمطلب شبيه، جرى عبر الإعلام. فهو خرق للاتفاق القائم بمناقشة المراجعات ضمن الأروقة الداخلية، ولأن خطوط التواصل لم تنقطع بين الطرفين. وفي المضمون، حملت عبارة باسيل تهديداً واستدراجاً لعرض، وهو ما لا يقبله الحزب الذي اتخذ قراراً بالصمت الإعلامي. 

تُقرأ عبارة باسيل على أنها تهديد في المقام الأول. فهو رمى للكرة في ملعب نصر الله، على قاعدة إحراجه. فإذا رفض الحزب مطلبه، القائم على فكرة إلغاء الخصوم واحتكار الحصة المسيحية (إشارته الى 12 وزيراً من أصل 24 وليس 8+8+8)، فإن الحزب سيكون من وجهة نظر المسيحيين معارضاً لتحصيل حقوقهم. 

وإذا اتخذ موقف الحياد من الصراع القائم بين رئاسة الجمهورية من جهة، ورئاستي الحكومة والبرلمان من جهة أخرى، على قاعدة الدعوة لتوافقهما، سيكون الحزب من وجهة نظر جمهور التيار معرقلاً لتشكيل الحكومة. 

وإذا وافق الحزب على مطلب باسيل، ودعمه، فإن ذلك سيؤدي به الى اشتباك مع رئيس مجلس النواب، واشتباك أخطر مع الطائفة السنّية التي ستعتبر أن الحزب يستعمل قوته لتغليب طائفة على أخرى. 

كل الخيارات التي وضعها باسيل في عهدة "السيّد حسن"، مؤذية للحزب. فالتيار يختصر حقوق المسيحيين في تحقيق مطالبه. ولا يعترف بالتوازنات السياسية والطائفية، تلك المكرسة أعرافاً تتمتع بقوة تفوق النص الدستوري. وعلى النقيض، يعمل الحزب منذ بدايات الحرب السورية، على تهدئة الجبهة الداخلية، والانخراط في التوازنات الداخلية وحمايتها، وفصلها عن موقفه ومواقف الأفرقاء الآخرين من الملفات الاقليمية. استقرار البيت الداخلي، وفق ممارسته، لا تقتصر على البيت الشيعي، بل تنسحب على الملفات كافة. 

جيّش باسيل جمهوره بخطاب الصلاحيات، وحوّل المعركة طائفية في منصات مواقع التواصل الاجتماعي. ومع أنه ترك منفذاً للحزب بعدم اتهامه بمنع حقوق المسيحيين، أسوة برئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري، إلا أنه وضع الاتهام على سكة التلاوة، مرجئاً تنفيذه ريثما يرد الحزب ليبني على الشيء مقتضاه. 

والتحييد هنا، لا يعني عدم استعداد من التيار لتعميمه. يريد منه، حرفياً، تعهّداً من الحزب بإيصاله الى الرئاسة، أسوة بالرئيس ميشال عون. هذا مقابل ذاك. وهو ما لن يفعله الحزب، ليس لأن المعركة الرئاسية ما زالت مؤجلة وتحتاج الى تفاهمات مع الجميع فحسب، ولا لأن الحزب، وفق المعادلة السياسية القائمة، يستطيع وضع "فيتو"، ولا يزكي رئيساً، أسوة بكل الاطراف الفاعلة، عملاً بقواعد الديموقراطية التوافقية والأنظمة التشاركية، ولا لأنه سيُحرَج مع حلفاء إذا زكّى أحداً... بل لأن التجربة مع باسيل غير مشجعة. 

فأدبيات باسيل الاعلامية وممارساته السياسية، وضعت العصيّ في عجلات السيستم. عرقلته. أطاحت التفاهمات. ومن المؤكد أن الحزب وصل الى هذه النتيجة، كما الكثير من الدول الفاعلة في الملف اللبناني. وإذا كان أي مسيحي ذي تمثيل ضعيف، يضعف المسيحيين، فإن المسيحي ذا التمثيل القوي يربك المسار التوافقي. ولا حل إلا بغطاء بكركي لأي رئيس مقبل، بصرف النظر عن تمثيله. حتى ذلك الوقت، يكسب باسيل في معركة الإعلام والتجييش. فالانتخابات المقبلة، وخلافاً للمبادئ، لن تُخاض إلا بالخطاب الطائفي العميق، كبديل عن الفشل في بناء الدولة، والدفع نحو تأمين الحقوق المعيشية للمواطنين. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024