حرائق الغابات: سوريا مازالت قادرة على تصدير الكوارث

وليد بركسية

الإثنين 2020/09/07
من الصعب حقاً التفكير بأن البلد الذي عرف يوماً باسم سوريا، وشهد طوال عشر سنوات مأساة إنسانية قد تكون الأفجع منذ الحرب العالمية الثانية، قادر على توليد مزيد من الكوارث التي لم تعد تثير الحسرة بقدر تذكرها، عندما كان في إمكان السوريين في يوم من الأيام الشعور بوجود دولة تمتلك هيكلية ما بالحد الأدنى، ولو كانت تعاني مشاكل لا حصر لها، ينتمون إليها ويرجون منها القيام بحركة ما عند حدوث مشكلة أو كارثة، مثلما هو الحال مع الحرائق التي اندلعت في مناطق واسعة من الساحل السوري وسهل الغاب، وقضت على آلاف الهكتارات من الغابات التي يعود تاريخ بعضها إلى حقبة الحروب الصليبية.

وفيما تعرف الغابات الموجودة في الساحل السوري، وتحديداً محمية أشجار الشوح والأرز في صلنفة، بأنها رئة سوريا التي شهدت في العقود الأخيرة تفاقماً في أزمات بيئية مثل التصحر والجفاف، من دون الحديث عن انعكاسات الحرب السورية على الطبيعة والبيئة في البلاد، فإن ردة الفعل العامة، لم تتسم فقط باللامبالاة بل امتدت إلى شعور مئات المعلقين عن يأسهم من الواقع العام بتعبيرهم عن أمنيات مجازية بأن تمتد الحرائق لتقضي على كل البلد الذي يعد بالإمكان الحياة فيه حتى بالنسبة لمن وقفوا إلى جانب النظام وباتت حياتهم انتظاراً للكارثة المقبلة التي ستحل بهم، بدلاً من قطف ثمار "الانتصار".

صور من الحريق الذي اندلع منذ قليل في الحراج الجبلي بين قريتي عين حلاقيم وعين شمس بريف مصياف

Posted by ‎أخبار مصياف‎ on Monday, September 7, 2020


ولا تعد الحرائق أمراً جديداً في جبال الساحل السوري تحديداً، بل هي حدث سنوي منذ سبعينيات القرن الماضي، ومنذ العام 2016، تتحدث وسائل الإعلام السورية المستقلة عن تحول هذه الحرائق من حوادث فردية يمكن السيطرة عليها نسبياً إلى حوادث جماعية، بلغت في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، 15 حريقاً في ريف اللاذقية، وهو رقم ارتفع بشكل ملحوظ حتى الحريق الهائل الأخير الذي قضى على آلاف الهكتارات ولم تعرف نسبة أضراره بشكل دقيق بعد. فيما يشير خبراء إلى أن نسبة الحوادث المتعمدة منها ارتفعت من 41% بين العامين 1987 و1998، إلى 90% بين العامين 2011 و2018.

ومن السهل الحديث عن انهيار الدولة في سوريا وتحولها إلى نموذج الدولة الفاشلة بعد العام 2011 ما يسهل الأعمال الخارجة عن القانون من قبل الأفراد، وهو أمر يحب النظام السوري تكراره والاستثمار فيه دعائياً وإعلامياً. لكن الواقع أن سوريا قبل الثورة لم تكن تمثل نموذجاً مختلفاً، لأن الأطراف المتورطة في خرق القانون عموماً، لم تختلف، بل كانت الدولة السورية ومازالت طرفاً يحمي المتنفذين والشخصيات المرتبطة بالنظام، في مختلف المجالات، ومنها التعدى على الثروات الطبيعية وحرائق الغابات لأهداف تبدأ بمشاريع التحطيب والتفحيم ولا تنتهي بالمحاولات المستمرة للسيطرة على الأراضي بالقوة وتحويلها إلى مشاريع سياحية بالدرجة الأولى.

ولهذا السبب بالتحديد لم يكن هناك لوم لأجهزة الدولة الغائبة تقريباً عن المشهد والتي اكتفت بنقل صور الحرائق على الشاشات الرسمية مباشرة مع التقليل من شأنها "لأنه يجب التركيز على الأخبار الإيجابية بدلاً من نقل الذعر"، حسب وصف مراسل قناة "الإخبارية السورية" ربيع ديبة في بث مباشر، الأحد، فيما انتشرت آلاف التعليقات التي تساءلت عن غياب الدور الروسي في إطفاء الحرائق ومساعدة دمشق مثلما ينبغي لدولة حليفة، وأخذت الردود صيغة موحدة بأن روسيا تشعل الحرائق ولا تطفئها، بموازاة انتشار دعوات ومنشورات حاولت تنظيم جهود السكان لإطفاء الحرائق أو الهروب منها.

وبدا للحظة أن السوريين في الداخل، وصلوا إلى قناعة جماعية متأخرة بأن لا طائل من جَلد الدولة وتقريعها على تقصيرها المتعمد، لأنها كيان غير موجود أصلاً، وتوجيه انتقاد لها يعني الاعتراف بوجودها، وهي التي توقفت عن الوجود بالفعل لصالح تحولها إلى كانتونات متصارعة إثنياً وطائفياً على المستوى السياسي العام، وإلى واجهة تمثل مصالح الآخرين، بداية من مصالح حلفائه الروس والإيرانيين على صعيد السياسة الخارجية، وصولاً لمصالح رجال الأعمال وقادة الميليشيات على صعيد السياسة الداخلية والقرارات الاقتصادية.

#الإخبارية تواكب عمليات #إطفاء #الحرائق في سهل #الغاب .... ربيع ديبة

#الإخبارية تواكب عمليات #إطفاء #الحرائق في سهل #الغاب .... ربيع ديبة

Posted by ‎Alikhbaria Syria الاخبارية السورية‎ on Sunday, September 6, 2020


وفيما كانت وسائل الإعلام الرسمية والصفحات العامة في مواقع التواصل، تحاول نشر أخبار إيجابية تتحدث عن الدور الذي قامت به أجهزة الدولة في إطفاء الحرائق، كانت التعليقات على المنشورات نفسها تقدم معلومات متناقضة تماماً، بالصور ومقاطع الفيديو، والتي أظهرت الكذب الرسمي المتعمد، خصوصاً أن الضخ الرسمي ألصق تهمة إشعال الحرائق بالمدنيين والفلاحين في المنطقة متهماً إياهم بالجهل الذي يكلف الدولة السورية غالياً، ما استوجب ردوداً كثيرة تحدثت عن شبكات الفساد، وتحديداً في منطقة صلنفة التي تشهد صراعاً منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بين أهالي قرى المنطقة ومجموعة من المتنفذين الراغبين بالسيطرة عليها.

ومن المفهوم عدم غوص المعلقين المحليين في التفاصيل أو نشر أسماء المتنفذين، حيث مازالت القبضة الأمنية للنظام وميليشياته، مخيفة فعلاً. لكن المعارضين للنظام أسهبوا في شرح التفاصيل. ومن بينهم وزير الزراعة السابق أسعد مصطفى الذي تحدث لوسائل إعلام معارضة، عن تاريخ الحرائق المفتعلة في المنطقة، والتي بدأت بأشخاص مثل شقيقي الرئيس السابق حافظ الأسد، رفعت وجميل، وأولادهما. ويبدو أن التعديات على الغابات باتت أمراً أسهل بعد الحرب السورية، مع انتشار مشاريع التحطيب والتفحيم، التي يشرف عليها ضباط سابقون وحاليون وقادة في ميليشيا الدفاع الوطني، من بينهم رجل الأعمال أيمن جابر الذي أسس ميليشيا "صقور الصحراء" العام 2015، وتتبع له عدة مفاحم ومحاطب في ريف جبلة الذي شهد حرائق متزايدة في الأعوام الأخيرة.


وكان في إمكان الماكينة الإعلامية للنظام الاكتفاء بما نشرته وكالة "سانا" التي قالت أن أسباب الحرائق طبيعية بسبب موجة الحر الحالية في منطقة شرق المتوسط، لكن توسيع الحديث في اللقاءات مع المسؤولين نحو اتهام السوريين البسطاء بافتعال الحرائق، يرتبط بجهود الإعلام الإعلام الرسمي وشبه الرسمي لتضخيم الدور الفعلي للنظام في الحياة اليومية وإخفاء الديناميات الجديدة التي تسير شؤون البلاد.

وعن طريق التلميح لوجود مخربين، لا فاسدين، فإن النظام يخلق أعداء ضمن الدولة نفسها ما يبرر وجوده ويسوق لشرعيته ككيان يقوم بأدوار أكثر أهمية من التوافه اليومية المفقودة مثل تأمين الخبز أو عدم قطع الكهرباء أو إطفاء الحرائق. ويتوازى ذلك مع شيطنة السوريين أنفسهم بلومهم على كل المشاكل التي تحصل في البلاد. ولا يتم إخفاء هذه السياسة بل يتم شرحها والتفاخر بها في منشورات صريحة لموظفين في وزارة الإعلام، تحدثوا مؤخراً عن "إعادة تعريف الإعداء".

وإن كان النظام السوري فقد الاهتمام بتصدير صورته ككيان متماسك، بقدر ما يهتم بصورته ككيان مجرد من أي صفة أخرى، فإن البلاد تنجر نحو النموذج اللبناني تدريجياً، ليس فقط من ناحية التفكك، بل أيضاً من ناحية انتظار حدوث الكوارث وترقبها، فالحرائق التي تنتشر اليوم في الساحل السوري حدثت في لبنان العام الماضي، وبالقياس، فإن الانفجار الذي حصل في بيروت قد يحصل في أي لحظة مستقبلية في سوريا، أما الكارثة الإنسانية المتمثلة بضحايا الحرب السورية الطويلة فليست سوى ذكرى تاريخية تؤسس لسنوات قادمة من عدم الاستقرار بسبب غياب العدالة.

وهكذا، تصبح سوريا بحالتها اليوم، نموذجاً مثالياً وواقعياً للديستوبيا التي يفكر الأدباء والكتاب كثيراً لخلقها في أعمال فنية وأدبية. ووسط هذا الجو، يزدهر العنف والتمرد والدكتاتورية والتفكك الاقتصادي والأوبئة ويغيب الأمل وتتلاشى الحلول وتنعدم المخارج. ويحيل ذلك للتفكير بأن مشاكل سوريا لم تبلغ ذروتها مثلما يتخيل الرومانسيون، بل أن البلاد تغرق في تلك المشاكل على اختلاف أنواعها، ما يجعل الاضطرابات مستقبلها المظلم والوحيد.

#صور الأقمار الإصطناعية اليوم تظهر الدخان المتصاعد نتيجة حرائق #صلنفة و #ريف_مصياف.. حيث يبدو الدخان المتصاعد من حرائق...

Posted by ‎أخبار مصياف والريف‎ on Saturday, September 5, 2020

كل حرف كتبه جمال سامي عواد قال فيه ما رغبت دوماً في قوله.. شكراً جمال.. عندما كان الإرهابيون يقصفون بيوتنا، ويقنصون...

Posted by Modar Ibrahim on Monday, August 24, 2020

الحكومة ❗️ التي لم تَأبه بـِـ الشَجَرْ لَن تَرأفَ بـِ حالِ البَشَر

Posted by ‎أخبار مصياف‎ on Sunday, September 6, 2020
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024