كورونا في إعلام النظام السوري: الحقّ على العقوبات!

المدن - ميديا

الإثنين 2020/06/22
كشفت دراسة جديدة، كيفية تعامل إعلام نظام الأسد مع ملف فيروس كورونا في سوريا، بطريقة روجت لأعمال الحكومة وقراراتها المتعلقة بالوباء، باعتبارها إجراءات استثنائية مقارنة بإجراءات الدول الغربية "الفاشلة".

ورصدت الدراسة الصادرة عن مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية "سكايز"، في "مؤسسة سمير قصير" في بيروت، 4628 مادة صحافية نشرتها كل من وكالة الأنباء الحكومية السورية "سانا"، وصحف "البعث" و"الثورة" و"الوطن"، وقناة "الإخبارية"، بين 22 آذار/مارس وحتى 22 نيسان/أبريل الماضيين.

وشمل الرصد كل المواد المنشورة في أبواب هذه المؤسسات عبر مواقعها الإلكترونية وقنواتها الرسمية، لتحديد تلك التي تناولت جائحة كوفيد-19. وتم اختيار المواد بحسب التسلسل الزمني للرصد، من دون استثناء أي منها، وبحث الرصد عن مرجعية ومصادر تلك المواد ونوعها. كما دقق البحث في نوع المادة الصحافية وإطار تناول تلك المواد لموضوع انتشار فيروس كورونا على الساحة الداخلية السورية. وتوقف البحث عند بعض التعبيرات الأكثر استخداماً في المواد الإعلامية المرصودة، كمحاولة لفهم منهجية الإعلام الرسمي المعتمدة للتعامل مع انتشار الفيروس محلياً.

ونشرت هذه المؤسسات الإعلامية 1737 مادة صحافية متعلّقة بفيروس كورونا في سوريا، بنسبة 37.5% من مجمل المواد الصحافية المرصودة، لكن 41% من المواد المتعلّقة بانتشار فيروس كورونا لم تذكر أي مصدر في نقلها للخبر، في حين بلغت نسبة المواد المعتمدة على مصدر واحد فقط ما نسبته 40%، مع الإشارة إلى أن 61% من المصادر كانت حكومية، وحتى المصادر الطبية والأكاديمية والخبرات في مجالات غير طبية، أتت من عاملين في مؤسسات حكومية أو شبه حكومية كالنقابات والاتحادات العمالية أو أعضاء في الحزب الحاكم.

وتوصلت الدراسة إلى أن 1% من المواد المتعلّقة بفيروس كورونا لم تعتمد على مراجع مسجّلة. أما تلك التي اعتمدت على مرجع واحد فقد بلغت نسبتها 23.4%، غالبيتها، بنسبة 68.4% هي مؤسسات حكومية، تليها وكالة الأنباء الرسمية "سانا" بنسبة 19.1% تحت عنوان وسائل إعلام حكومية.

واعتمد الإعلام الحكومي منهجية ترويجية لأعمال الحكومة وقراراتها المتعلقة بالوباء، باعتبارها إجراءات استثنائية مقارنة بإجراءات الدول الغربية، وكل المواد المنشورة في هذا الإطار إيجابية. وترافق ذلك بإطراء أعمال الحكومات والأنظمة المساندة للنظام السوري، وتحديداً روسيا والصين وإيران، واعتبار تجاربها مع الفيروس استثنائية التفوق انسانياً وإجرائياً.

إلى ذلك، انطلقت وسائل الإعلام الرسمية من قضية كوفيدـ19 للحديث المتعلق بالعقوبات على سوريا، واعتبار انتشار الفيروس محلياً جاء نتيجة الظلم الأميركي والعدوان الغربي المتمثل بالحصار الاقتصادي والسياسي للنظام السوري، علماً أن إعلام النظام لم ينشر سوى تحقيق استقصائي وحيد عن الفيروس، طوال فترة الرصد، مقابل نشر 2318 خبراً (50.15%)، و1702 تقريراً (36.8%) و169 مقابلة (3.7%)، و438 مقال رأي (9.5%).

وفاق عدد المواد الصحافية غير المتعلّقة بفيروس كورونا في سوريا تلك المتعلّقة بأخبار الفيروس رغم أن البلاد شملتها مجموعة قرارات متعلّقة بانتشار الوباء مثل حظْر تجوّل كلّي وجزئي وسلسلة من القرارات الحكومية كإغلاق الحدود والمعابر وتسيير الدوريات الشرطية لمراقبة منع التجوال، إضافة إلى قرارات فتح مراكز حجْر للمصابين في كل المحافظات، رغم تحفّظ الحكومة على الأعداد وحصْر مصدرها فقط بتقرير تبثّه وزارة الصحة بشكل يومي.

وأشارت الدراسة إلى التشابه الكبير بين مواد الوكالة الحكومية والمواد المنشورة في صحف "الوطن" و"البعث" و"الثورة" من حيث المرجع والتحرير والتوجّه، حيث لا يمكن تمييز اللغة التحريرية أو آليات تناول الأخبار المحلية منها أو الدولية بين وسيلة إعلام وأخرى، فالتشابه بينها يصل حد تشابه العناوين والبدايات والخلاصات وفي بعض الحالات تشابه حتى في مقالات الرأي والافتتاحيات.

وتؤكد أرقام المسح، الدور الوظيفي لإعلام دمشق الملتزم بتنفيذ توجيهات النظام السوري عموماً، وتعليماته فيما يخص ملف فيروس كورونا خصوصاً، وهو التزام وصل حدّ حجب كلمة مسؤول منظمة الصحة العالمية على شاشة الإخبارية السورية، حيث غطّى التقرير على كلماته ونقل عنه جملتين مفادهما أن سوريا بمرحلة انتشار تصاعدي للفيروس وأنها وجهة سياحة دينية، لذلك من الجيّد أنها أغلقت الحدود. إلا أنّ كلمات المتحدّث، الناطق باللغة العربية أصلاً، غابت وراء كلمات الصحافي قارئ التقرير، ما منع إمكانية التأكد من دقة ما نقلته القناة.

وهكذا، اقتصرت الأخبار المحلّية بعمومها على تغطية قرارات الحكومة وتنفيذها، فعشرات الساعات من التقارير الإخبارية المرئية على شاشة الإخبارية السورية، ومثلها مكتوبة في وكالة "سانا" وعلى صفحات صحف "الوطن" و"البعث" و"الثورة"، سردت تنفيذ حظر التجوال وعمليات التعقيم التي أوصت بها الحكومة، ليشكّل بيان وزارة الصحة عن الأعداد بين مصابين ومتعافين أو متوفّين مجرّد خبر يتيم ضمن سياق النشرة، أو باب للدخول بتغطية طويلة وموسّعة تشمل عمليات توزيع الخبز في القرى أو الأرياف، وتغطيات أخرى عن تنفيذ الشرطة لدوريات مراقبة حظر التجول والتزام المواطنين الطوعي بقرارات الحكومة.

ولم يرد في المواد الصحافية أي تقييم للإدارة الرسمية لملف فيروس كورونا، بموازاة الحديث عن تقصير "الدول الإمبريالية" و"الرأسمالية المتوحشة"، رافعةً من قيمة الفعل الصيني في مواجهة الفيروس، ومقدّمةً النموذج الروسي على كل الإجراءات والمساعدات الإنسانية عالمياً. وصبّ كتّاب المقالات غضبهم العارم على "عاصمة الشرّ" العالمي، واشنطن، مستعرضين بعض هوامش اللاإنسانية فيها، للوصول إلى نتائج مثل: "الوباء ليس صناعة أميركية حصرية، بل: أميركا هي الوباء!".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024